"نورا مرعي"، شاعرة لبنانية مميزة، بدأت مسيرتها الادبية متأثرة بمدارس شعرية عديدة، وألقى على بصمتها الشعرية بعض كبار الشعراء أمثال بدر شاكر السياب ومحمود درويش وأدونيس. أطلقت في بداية مسيرتها الادبية سلسة تغريدات وهي كتيبات صغيرة يختص كل واحد منها بموضوع واحد يشمل مجموعة جمل شعرية معبّرة، وكتبت بأسلوب أدبي وبلاغي. أصدرت مجموعتين شعريتين هما: شظايا من الذاكرة، ديوانك نفحات أنثى.
كلمينا عن "نورا مرعي" بأي مدينة ولدت وكيف قادها قلمها لكتابة الشعر؟
ولدت في قرية حارة صيدا، ونشأت على حب القراءة والإطلاع الدائم، كنت منذ الصّغر أحب جبران خليل جبران وأقرأ له الكثير، ما دفعني إلى البدء بالكتابة والتعبير عما يخالج روحي، فكتبت في سن المراهقة بضع قصائد لم تنشر أبدا لأنها تعد محاولة خجولة بالنسبة إليّ، بعد ذلك بدأت أمارس الكتابة في المنتديات والمواقع الالكترونية باسم مستعار حتى قررت في يوم ما ونتيجة تشجيع الأصدقاء لي أن أبرز قلمي إلى الوجود.
لمن تقرئين وبمن تأثرت من الشاعرات العربيات ممن سبقنك التجربة؟
أقرأ كثيرًا لمحمود درويش ولبدر شاكر السياب ولأدونيس وتأثرت كثيرا بمحمود درويش لأنني أحببت أسلوبه في الكتابة والتعبير فهو قد حمل قضية وطنه في كل قصائده. كما أنني تأثرت بكتابة نازك الملائكة التي بدأت أولى محاولات التّجديد في الشعر العربي وفتحت الأبواب أمامنا لكي نفيد من تجارب القدماء ولكن بكتابات حداثية.
هل الشعر النسوي بخير في لبنان؟
للشعر النسوي مكانته في لبنان، وللمرأة علاقة بالأدب لأنّه لون من ألوان الإفصاح عن المشاعر والرؤية والموقف، والإنسان سواء أكان ذكرًا أم أنثى يحقّ له التّعبير بالطّريقة ذاتها، فكلاهما يمتلكان القدرة على نقل مشاعرهما بطريقة فنّية أو شعرية أو قصصية وعلى الرغم من أن الأدب النّسائي لم يكن له وجود قوي قبل القرن العشرين والأمر يعود إلى اعتبار تعبير المرأة عن حبّها خطيئة كبرى، وصوتها لا يجوز أن يظهر، لذا رأينا كثيرين كتبوا تحت أسماء مستعارة، وكأن حضور المرأة جريمة ومشاعرها يجب أن تبقى منطفئة وفرصة ظهور إبداعاتها هي فرصة نادرة، وكل هذا فرضه المجتمع الذّكوري، ناسيًا أن المرأة أشدّ معاناة من الرّجل، وأنها تستطيع إن أعطيت الفرصة لها أن تبرز قصصًا جديرة بالانتباه، لا يمكن للرجل أن يكتب عنها، لأنه يكتب من وجهة نظره الخاصة. والمرأة قد حضرت دائمًا كملهمة للرجل، لا كاتبة عن مشاعرها وعن إحساسها الّذي قد يثير إشكالية في مجتمعنا الذّكوري الشّرقي. ولكن مع ظهور نازك الملائكة وبدء حضور القصيدة النّثرية على السّاحة الشّعرية بدأنا نرى أسماء نساء عديدات وظهرت الذّات الأنثوية الإبداعية في أعمال شعرية وروائية كثيرة، وبدأت تحقق ذاتها على مستوى الساحة الكتابية. وتمكّنت المرأة اللبنانية من نقل قضاياها عبر كتاباتها المتنوعة إلى الآخرين ولم تعد مجرد أنثى يتغزّل بها من قبل الرّجل أو يكتب عنها الحب والغرام.
سمعنا أنك أطلقت سلسة تغريدات كلمينا عنها قليلاً؟
سلسة تغريدات تتميز بأنها كتيبات صغيرة يختص كل واحد منها بموضوع واحد يشمل مجموعة جمل شعرية معبّرة، كتبت بأسلوب أدبي وبلاغي. وقد بدأت السلسلة بتغريدات عشقية التي اختصت بالحب والعشق وبعد ذلك صدرت تغريدات إلى امي حيث برزت عبارات الأم والشكر لها، ثم تغريدات إلى المعلم كعربون محبة وتقدير وتغريدات في الصداقة الّتي عبّرت بمشاعر قوية عن الصداقة الحقيقية والمميزة.
ما المميز في كتابك "شظايا من الذاكرة"؟
شظايا من الذاكرة حوى قصائد الذاكرة التي كان لها وقع مميز وفريد من نوعه على الجميع، إذ عبّرت فيه عن مشاعر الحب والألم من الرحيل وعذاب الغرام.
وفيه أقول:.."والأفكار تتلاطم في لحظة خلف أسوار الحياة فأدس في ثوبي المتيم بالعشق لحظة موت آنية... وأرحل عند الغروب.. لم أعد أعرفك جيدا"...ألتفت الى الوراء دامعة ... وامشي بلا موعد .. بلا قانون ..".
شظايا من الذّاكرة صرخة من أعماق أنثى كسّرت حاجز الصّمت، وقالت ما يجول في خاطرها عن تقاعس الحبيب، ونرجسيته المعتادة، فهي تلملم شتات أفكارها وتبني نفسها بنفسها، وبهذا البناء الأنثوي المتين تصرخ صرخة ملائكية، كي يقدّسها الرّجل، مستسلمًا لامرأة عرفت الحبّ الحقيقي ودافعت عنه، وحملت لواءه بما فيه من ألم ووجدٍ وعتاب ولوم، عبر بثّها تلك اللّحظات بقصائد نثرية مميّزة حملت عناوين لها وقعها الخاص، قصائد كانت في الذّاكرة تشبه الشّظايا القاتلة، والآن صارت واقعًا يعبّر عن كل امرأة في الحياة.
ديوانك نفحات أنثى ضاج بالحديث عن ذات المرأة ونون النسوة؟، كما قصائدك كذلك هي تكتبين عن تجارب ذاتية أم يأخذك المحيط الموضوعي للكتابة؟
ضجّ ديوان نفحات أنثى منذ القصيدة الأولى بالحديث عن المرأة ومعاناتها وشجونها وعذابات حبّها وقد دفعني إلى كتابته المحيط العام وتجارب النساء التي سمعتها وتأثرت بها ولكن هذا لا يمنع من أن أكون قد كتبت نتيجة تجارب ذاتية كان لها أثرها الواضح في كتاباتي.
ما رايك بالشعر العراقي؟، وما هو رأيك بالتحديد بشاعرات العراق؟
الشعر العراقي مملكة من ممالك الشعر، أفرزت مدارس كبيرة منذ المتنبي وأبو تمام وحتى السياب ونازك. أما فيما يخص شاعرات العراق أعتقد أن العادات والتقاليد قد سمحت لبعضهن بالظهور وكانت أصوات جيدة ولها لغة متميزة وقد كتمت أصوات الكثيرات لأسباب عدّة ولم يعطَ الحق لهن لكي يفرضن أنفسهن ووجودهن الشعري كما يستحقن، فالكثير منهن سليلات بيوت شعرية إلا ان يد البيئة والمجتمع تكون أقوى غالبا.
هناك من يقول إن المرأة تكتب الشعر بقلبها؟
أعتقد أن القلب والعقل يتعاونان معا من أجل الكتابة بطريقة إبداعية والتّميز في الأسلوب، فسيطرة القلب على الكتابة قد تدفع الشاعرة إلى التّميز بالإحساس العالي، لكن العقل يساعدها على إنتاج صور شعرية مميزة.
ماذا أخذ منك الشعر وماذا أعطاكِ؟
أخذ مني الشعر كل مشاعري وأحاسيسي التي كتبت بها، أخذ مني الروح التي فاضت جياشة عبر كل كلمة كتبتها، وأعطاني الكثير من الوجود الإنساني والتعبير عن الآخرين، بحيث صرت جزءًا من كل.
لنتحدث عن الجانب الآخر، شاركت مؤخرا بكشاف الجراح وحصلت على ميدالية الكشاف ماذا عن هذه المشاركة حدثينا عن الفكرة بالتفصيل؟
طلبت مني جمعية كشاف الجراح أن أشارك في لجنة الحكم في مسابقة شعرية سيتبارى فيها مجموعة من الشباب الكشفيين، وكان أن قدّمت قصيدة شعرية بعنوان " في مهب العشق"، وبعد إعلان نتائج الشباب الرابحين فوجئت بحصولي على شهادة شكر وتقدير ومنحي ميدالية الكشاف التي سعدت بحصولي عليها خصوصا أنني عندما كنت صغيرة كنت في الفرقة الموسيقية الخاصة بكشاف الجراح ولكني لاسباب خاصة اضطررت لترك الكشاف.
في الجانب الأكاديمي صدر لك بحث عن علاقة الناقد رئيف خوري بشخصية عمر بن أبي ربيعة ماذا توصلت بهذا البحث وهل كتبت بحوثًا أخرى؟
اشتهر رئيف خوري بنصوصه الإبداعيّة ودراساته النّقديّة وخاض الصّراع الفكري، ولج إلى عالم الأدب وعالج أكثر من موضوع فيه، لأنّه ملم بأشعار العرب القدماء والمحدثين، وعارف بالتّراث الأدبي بشكل عام، اشتهر بكتاباته القصة والرّواية والتّرجمة والنّقد الأدبي، كان لخبرته التّربويّة دور في أن يهتم بشكل خاص بالتّراث العربي القديم، محاولاً شرحه بفكر علمي، ليربط بين الظّواهر الثّقافية والشّروط الاجتماعية والأسباب المادية الّتي قادت إليها. من هنا تنوّعت نتاجاته في الدّراسات الأدبية كدراسته نتاج امرئ القيس الشّعري_ نقد وتحليل (1934)، ودراسة " هل يخفى القمر؟" (1939) الّتي نحن بصدد الاطلاع عليها والبحث فيها بين علاقة النّاقد رئيف خوري بشخصية عمر بن أبي ربيعة. وقد برز رئيف خوري كأحد أبرز المبدعين الّذين كرّسوا جزءًا من حياتهم وجهودهم للدّراسة والبحث بهدف إنارة الطّريق أمام الجميع بمن فيهم الأجيال العربيّة الجديدة حتّى يتعرّفوا إلى ذلك التّراث العربي القديم عبر قراءة الماضي بعيون جديدة ومنهجية علمية، متطلعًا إلى غايات عديدة وأهمها: الإطلاع على التّراث العربي القديم.والانتقال بالتّراث العربي القديم بقيمه الفكرية من الماضي إلى الحاضر عبر الدّراسة وإبراز ماضيه.وقراءة الماضي بمناهج حديثة.هذا ما توصلت إليه في بحث رئيف خوري ولدي بحث آخر بطور النشر قريبا بعنوان" اللغة العربية وتحدياتها الراهنة".
ماذا تعني لك نازك الملائكة؟، فدوى طوقان؟، غادة السمان؟، أحلام مستغانمي؟، وأمك؟، ونصوصك؟
نازك الملائكة هي رائدة الحداثة الشّعرية. غادة السمان أعشق طريقة كتابتها وأسلوبها وتحررها في نصوصها الأدبية. أحلام مستغانمي: أحب أسلوبها وطريقة كتابتها أيضًا وقد تأثرت كثيرا بروايتها ذاكرة الجسد وفوضى الحواس. أمي أخذت منها قوة الشّخصية وصلابة الحضور، واعتقد أن لولاها لما وصلت إلى ما أنا عليه الآن فهي التي أمسكت بيدي وشجعتني كثيرا لأكون نورا مرعي الشاعرة والكاتبة. نصوصي تعدّ كل شيء في حياتي فبها أصل إلى الآخرين ومن خلالها أستطيع التعبير عن كل ما نمرّ به في الحياة وعن المصاعب التي تواجهنا.
كلمة الختام لك يا نورا ستكون لك؟
شكرا لكم على هذا الحوار الممتع والذي أضاء جوانب عديدة من كتاباتي الشعرية.