1
في "الأمريكان في بيتي" الرواية كان "نزار عبد الستار" الروائي قد أمسكَ بالشكل/ معمار الكتابة الذي يتيح له أن يقول كل أو بعض ما لديه.
فكانت العنوانات الفرعية. هكذا يتشكل النص الروائي بين يدي الروائي العليم/ جلال
عنوانات "سبعة عشر عنواناً" تدفع بالشخصيات لأن تطرح إشكالات الحياة لما بعد أحداث التاسع من نيسان 2003 ودخول القوات الأمريكية للعراق. والتي حولت البلاد إلى مجموعة هائلة من الثكنات بحجة الدفاع عن العراق كما لو كانت تمتلك تفويضاً يبيح لها سحق الإنسان وتحويل غرف النوم والمعيشة والاستقبال إلى أمكنة ملحقة بالمعسكرات.
شخصيات الكتابة الروائية هذه بأجمعها ومن غير استثناء تعمل وفق مبدأ الوقوف خارج الثبات "أحداث، ووقائع، وتقارير، وبيانات، وشروح، علامات ومصالح، بحث عن بدائل".
كائنات لا يمكن أن تنتمي إلى آلية الكائن البشري بل لولا وجود الراوي داخل الحياة الجمعية لأنه المنتج وليس المراقب لما كان بامكان نزار عبد الستار أن يخرج إلى القارئ بنص فيه من الرفض والشجب والاحتجاج. فيه من الحب والكره والبغض. فيه من الصحبة والأنوثة والخذلان. فيه من العنف والعسكريتارية. فيه كل هذه الديناميكية/ الحراك لقد كانت هناك كمية هائلة من المعلومات، تلك التي لا يمكن أن تتوفر إلّا للقليل، مما قد يشكل بعض اللحمة والسداة لمجموعة تواريخ تشكل المجتمع الموصلي تحديداً حيث واقعية الأشخاص وواقعية الأحداث. وواقعية الأمكنة. كل هذه الواقعيات حتماً ستتداخل بين يدي الروائي . ليتحول إلى ما يشبه الفنطازيا. لقد كان الراوي عالماً بأبطاله وشخصياته، تلك التي كانت تتحرك ضمن تقنية عالية. ضمن قانون قد يبدو صارماً، إلّا أنه لم يكن لاغياً لطموحات تلك الشخصيات. القارئ سوف يجد أن هذه الشخصيات هكذا تبدو تتحرك بعيداً عن سلطة الروائي رغم اندماجها في الحراك الجمعي لأصول الكتابة الروائية.
إن تلاحق الأحداث لم ينتج شخصيات خاملة رغم وجود حالات من التناقضات التي عملت على تشكيل العديد من الشخصيات وإذا ما كانت هناك حالات انسحاب لهذه الشخصية أو تلك من نسيج القص. وذلك بسبب تصاعد تأثيرات تابعة لشخصيات أخرى أكثر تأثيراً وتفاعلاً في صناعة الأحداث . تلك التي لم تكتفِ بحراكها فحسب بل عملت على إنتاج أحداث مكملة تقوم بها شخصيات تتوالد حتى الصفحات الأخيرة من النص .
إن الروائي نزار عبد الستار عمل على صناعة التناقضات المنتجة للهدم مرة وللبناء مرات أخرى. إذ أن تعدد مراكز القوى/ مراكز الشبكات العنكبوتية .
1. جلال وتشكيلاته الثقافية .
2. القوى العسكرية السير جنت مايكل وزمرته .
3. الآثار والآثاريون وشبكات التنقيب .
4. الشبكة الصد/ الهلامية الملامح "التفجيرات/ القتل الخطف"
إن تصميم/ الرسم والتخطيط للإنتاج الروائي استطاع أن يشكل الأساس في الكتابة الابتعاد عن العشوائية ولذلك لم تحصل حالات انفلات لشخصية ما، أو لحدث ما.
فقد كانت هناك متابعات مستفيضة حالة رقابية لحركات الأشخاص ولتقلبات الأحداث.
القارئ قد لا يجد متنفساً/ نقطة استراحة. سواء عند العنوان الفرعي أم عند حدوث حالة تنجيم/ قطع. ليسترجع ويعاين.
إن تشكيلات الحب والجسد من الممكن أن تحدث من خلال المقاطعة/ الانسحاب نحو الزوايا والركون إلى المراقبة السلبية.
مناسك/ جلال
حنان/ جلال
بل ومن خلال تصاعد الأحداث وشجاعة الكائن البشري والوقوف إلى جانب الآخر. والاهتمام بمبدأ صناعة الخرق/ الحدث الثقافي "الموسيقى / العلم / الكتاب".
هذا القارئ الذي سيجد نفسه متابعاً ضمن حالة من الجبرية للأحداث والشخصيات لم يدخل النص الروائي من خلال تأويل للبوابة/ العنوان . "الأمريكان في بيتي".
عنوان قد ينتمي بسبب انكشافه لريبورتاج صحفي. أو لمقالة إعلامية . عنوان مفتوح وكما يقال على مصراعيه.
إلّا أن الروائي استطاع وعبر العديد من العنوانات الفرعية/ البوابات الجانبية والتي ناهزت السبعة عشر، أن يُدخل القارئ وسط حالات من اللاواقع.
حيث عالم الآثار، وعالم الصحافة، وعالم المغامرة والبحث عن المتاعب. وعالم الاحتلال وعالم الثقافة ونتيجة لسرعة الأحداث وتعدد الشخصيات قد لا يجد القارئ المساحة الكافية لهضم ما يقدمه الروائي وبالتالي فإن قراءة ثانية متأنية قد تشكل محاولة أكثر اتساعاً من أجل الإمساك بخيوط أخرى.
القراءة الأخرى التي من الممكن أن تشكل حالة اختلاف بسبب جدة الاستقبال التالي المعتمد بالأساس على المعارف التي استطاعت القراءة الأولى أن توفرها للقارئ وبالتالي فإن الوصول إلى حفريات في جسد الرواية من الممكن أن تشكل حالة فهم جديدة قد تكون غائبة عن ذهنية المتلقي.
2
"الأمريكان في بيتي" لافتة قد يتصور القارئ أن لا شيء خلفها إلا أن الصفحة الخامسة تحمل إهداء من الممكن أن يدخل فضاء الحيرة والغموض. "من أجل أن يفرح قلبك أيتها الملكة".
لمن يقدم/ إهداءه نزار عبد الستار؟
هل هو للملكة شمشو ملكة السماء والأرض؟
أم هي مناسك "ملكتك تريدك" والتي كشفت لحظة إنشاء جسدي عندما "همست ذائبة أنا ملكة.. ملكة حقيقية".
أم هي مجموعة المفاصل التي تتشكل منها البلاد؟.
ورغم أن القارئ قد يضع أصبعه على واحدة من تلك الاختيارات ضمن حالة من القناعة غير الثابتة، إلّا أن الملكة سوف تظل حالة متماهية خلف هموم وطموحات الشخصيات من جهة والروائي من جهة أخرى، على الرغم من أن الروائي يشكل حجر الأساس للراوي العليم في صناعة الكتابة.
لم تعد الرواية الحديثة لدى معظم كتاب النصوص الروائية و نزار عبد الستار لا بد من أن يكون أحدهم لم تعد عملاً يرتكز على مفاصل وشروط الكتابة الكلاسيكية "البداية والنهاية/ الحبكة / الموضوع/ الصراع/ وحلول وشخصيات مقموعة" وما يتبع هذا وذلك بعد أن استطاعت أن تتخلص من هذا المفصل أو تلك الإشكالية وتتحول وفي الكثير من الأحايين إلى حالات من البحث والتقصي والكشف والدراسة متخلية عن العديد من حلقات سلسلة القص والروي.
"الأمريكان في بيتي" وعلى الرغم من توفر الكثير من شروط البناء الروائي إلّا أن "نزار عبد الستار"، استطاع أن يدس العديد من المحاور التي لم تكن تشكل هماً روائياً. سواء كان لدى الروائي نفسه. أو لدى الرواية ذاتها.
إذ أن لا حدود للسرد. ومن الممكن أن تشكل العديد من الوقائع وبفعل تأثير الروائي ظهرت فضاءات جديدة قادرة على صناعة الملامح السردية التي تعتمدها الرواية الحديثة.
فلا شيء من الممكن أن يقف خارج إمكانية الاستعانة بأي مفصل حياتي وتحويله إلى مفصل سردي.
هكذا سوف يفكر القارئ حين ينتهي من عملية الاستقبال لما يكتبه نزار عبد الستار وإن الرواية التي بين يديه تطالب بقراءة تنتمي إلى الكشف لا إلى تدمير الاستقبال.
الكشف الآثاري الذي يمنح ما يحيط بالنص أهمية توازي المطمور. أي أن القارئ يجب أن يكون مهيئاً للعناية بما يقرأ وليس هناك شيء من الممكن أن يرميه وراء ظهره. فكل ما يحيط بالراوي يشكل حالة تأثيث للنص المكتوب لا شيء فائض عن الحاجة ، لا شيء ينتمي إلى الفضلات وإذا ما قد قيل سابقاً ، من أن اللغة من الممكن بكل مفاصلها من الممكن أن تتحول إلى شعر . أي أن الشعرية موجودة في كل كلمة فليس هناك كلمة أو كلمات لا يمكن أن تكون ضمن الجملة الروائية في الأمريكان في بيتي وبين يدي نزار عبد الستار من الممكن أن تتمتع اللغة بجميع مفاصلها بالقدرة على تشكيل الجملة السردية غير بعيدة عن فنطازيا الكتابة. عين السارد تحول الأشياء المحيطة به الى حالة من الانتقال الذي لا يهمل صغيرة ولا كبيرة.
إذ عبر مخيال القاص يتحول اللاسرد إلى سرد فعال من الممكن أن يكون لب العملية الكتابية .
المتتبع للنص السردي الذي يكتبه نزار عبد الستار وبمعونة عدد قد يكون كبيراً/ من الأشخاص/ الأبطال. قد يكون معظمهم من المنتمين للفعل الباحث عن الآخر "آثاريون/ عراقيون/ انكليز/ فرنسيون ] بل إن معظم الجغرافية التي تتحرك فوقها تلك الشخصيات هي عبارة عن مساحات واسعة من الأراضي التي تضم أقواماً وحضارات تنتمي لأزمنة قديمة بل أن عملية الكشف هذه قد تشكل محوراً أساسياً من محاور الكتابة الروائية لدى نزار عبد الستار/ جلال الراوي/ العليم / إلى جانب محاور الموسيقى والكتاب ، والفلم السينمائي أي أن هذا النص ينتمي إلى الثقافة كمفصل مهم من مفاصل بناء الإنسان الذي من الممكن أن تمسخه الحروب وتدمره الأفعال الاحتلالية تلك التي كانت من منجزات ظهور أفعال منفية/ معادية للفعل الثقافي عندما عمدت إلى تحويل البيوت/ الأبنية إلى فضاءات تقف بالضد من الفعل الذي تنتجه السينما من أجل التوعية والمعرفة.
وإذا ما كان الروائي نزار عبد الستار يتحدث عبر شخصياته عن الخراب الذي بات ينشر ملامحه على جغرافية الوطن بأجمعها. في النص الروائي يتحدث الجزء/ الموصل عما أصاب الكل/ الوطن فعندما يبدأ الروائي بعملية القشط/ إزالة البشرة الميتة لمفاصل محلية فإن النص الروائي يأخذ بدوره فعله الواسع في الكشف والتعرية والتقشير لمفاصل أوسع وأعم. ففعل الكاتب لا بد له من أن يتبعه فعل الكتابة وعبر عملية البحث عن الفعل الكتابي ينطلق الراوي، وضمن حالة من الحفر والتنقيب "الأريكولوجيا" من أجل خلق حالة بحث/ تشير بحثاً عن المطموس الذي من الممكن أن يضيء الكثير من البؤر المعتمة فالراوي يعمل وبمثابرة من أجل تقديم نص روائي يعتمد الكتابة في مفاصل متعددة قد يتجاوز الفعل الروائي وصولاً إلى فعل الدراسة والبحث والمتابعة، وطرح الآراء.
إن تعدد الشخصيات المنتمية إلى فضاء الآثار ما كان ليحتل مساحةً واسعة لولا أهميتها واستنادها في بحثها هذا على المنجز السابق، الذي تم على أيدي سواهم من الخبراء والآثاريين المهتمين بالحقل الآثاري لبلاد ما بين النهرين، وذلك بسبب اتساع فعل الإنسان الرافديني في صناعة الحضارة البشرية التي اعتمدت بالأساس على تعدد منابت/ أصول الأقوام وتعدد الديانات السماوية وكذلك المعتقدات الدينية التابعة للمنجز الأرضي. إن قِدمَ تأريخ الأقوام، وتعدد السلالات البشرية التي استوطنت المناطق المرتفعة والمتموجة/ الشمال من جهة والأراضي الرطبة من جهة أخرى، منحت الروائي القدرة على الحركة والتناول وإعادة صناعة الأحداث والوقائع.
أي أن الواقع المخزون/ الآثار دفع بالكاتب إلى أن يضع له هندسة أخرى وأن يخطط، وضمن حالة من المخيلة الجامحة لبناء نص روائي يعتمد الاختلاف، وليس التماثل وبذلك استطاع أن يوظف المعلومة والمعرفة من أجل صناعة نص ابداعي من الممكن أن يكشف عن الكثير من الطبقات البشرية/ السلالات التي لم تستطع أن تتوفر للجميع، أي أن الحقائق/ الوقائع المنتمية إلى الثوابت "الآثار المتاحف" تعمل وبتأثير الفعل الروائي على صناعة اللاواقع المتجه للاختلاف والحراك وتحويل الباطن إلى ظاهر.