تأثير الطبيعة في نصوص «تهجيات» للشاعر احمد الحلي

ساطع الجميلي
يظهر الشعر امتدادات الوجود وجدلياته, وعندما يكون الشعر هو الطاقة الطافحة بالإبداع، فضلا عن توثيق المخيال الجمعي فيكون هو الوعاء الحاضر لامتداده واستمراره كعامل بناء في الروح الإنسانية.
البيئة الحلية بابلية النشوء ومازالت عشتار الرئة التي تتنفس الشعر فيها، ومن شعرائها احمد الحلي الذي يستمد ذاته الشعرية من تاريخ الحلة ومكاناتها العالقة بالأسطورة وإرادة الآلهة وقوة تأثيرها في إحساس الشاعر.
أصدر الشاعر أحمد الحلي العديد من المؤلفات منها كتاب همنغواي في الحلة وكنز الحكايات وديوان شعر تهجيات عام 1999 وديوان شعر تهجيات الطبعة الثانية 2014 وعدد من المخطوطات.
تتناول هذه الورقة المجموعة الشعرية تهجيات الطبعة الثانية عام 2014 والتي كانت على النحو التالي احتوى الديوان على ثلاث عشرة قصيدة والقصيدتان طلسم الحروف وكوثر تتسمان بأحادية البناء والمضمون فالكوثر جزء من طلسم الحروف وذلك لأن قصيدة الكوثر استعراض لحروف الكلمة وطلسم الحروف استعراض لبعض الحروف المختارة المنطلقة لومضات قصيرة وذات وقع سريع وجميل وكما يلي :-
العين :- عيناك الواحة المراوغة
وأنا التائه في عمق الصحراء..
تشرق ومضات الشاعر أحمد الحلي عندما ترتجف حروفها لتزرع طاقة شعرية جديدة تنطلق من ذاكرة الحروف وتفوح بعطر اللغة.
أما قصيدة منحنيات بيانية أطول قصائد المجموعة لا بل أكثر القصائد انتعاشا بانزياحات لا تفارق العبارة وهي ما تعكس رصانة البنية الصورية فجعلتها خارطة تبقى فيها أزمة العاشق مهيمنة على مفاصل واتجاهات القصيدة وفيها يبرز الوعي الذاتي وانشغاله برسالات الخيال والرؤيا الثاقبة فالشاعر في هذه القصيدة وزع انتقالاته الشعرية في محطات منها الفلك، فهو يقول:
"خارج مدارك
يتلاشى زهوي .كمصباح مطفأ"..
أي أنا مشرف على الدوام نتيجة وجودك بالقرب مني.
ومرة أخرى الطبيعة والطيور من محطات الشاعر فهو يقول:
"زاد أنيني
فكف الحمام عن النواح
وراح يصغي لي"..
يراهن الشاعر على ان امتداد عشقه بلا حدود فأزال نواح الحمام ليحل محله في سابقة لا تحصل إلا في الحلم.
يعرج الشاعر في وقفة جديدة حيث يقول:"
أدنى إيماءة منك
تعلن في مقابر خلايا النشور"..
والشاعر هنا يعبر عن الذات الموغلة بالعشق مستخدما الحلم ومتخذا هذه المرة دلالة العالم السفلي في خلاياه حيث انه يعود الى الحياة بإشارة منها وبالعكس.
ويستخدم الشاعر حالة السكر كدلالة للتعامل الجمعي مع الصراع الأزلي بين الذات وما حوله فيجعل أنفاسها هي المسؤولة عن التحكم بهواء المدينة الذي بدوره يتحكم بالوجود فيقول:
"أنفاسك
تكفي لكي يسكر فيها حتى الثمالة
هواء المدينة"..
ويشاطر الشاعر الخفاش وأسلوب حركة تعلقه فيقول:
"من دونك أنام كالخفاش
معلقآ من قدمي"..
أراد الشاعر أحمد الحلي من خلال قصيدة منحنيات بيانية ان يبعث برسالة مفادها ان الإحساس بالغربة والضياع والتمزق تبقى تلازم الذات المنفردة والجمعية مالم تولد مع المحيط الملازم للوجود لمسات الحرية وهو ربما يكون جزء من المضمون الدلالي وغاية أخيرة تبرر استخدام الصورة الفنية على نطاق واسع لكن القصيدة تخلو من الحوار والسرد وهما من عناصر القصيدة الحديثة ويدخلان في دعم انتقالات الرمز الى المضمون الواقعي فاكتفى بعلاقة مع الذات الرائية فافقد القصيدة بعض الخصائص الفنية .
وفي قصيدة "جرح لا أفرط فيه"، كان الجرح والشاعر وهي أي صيغة الدلالة الروحية الملازمة للشاعر كانوا في القصيدة بمثابة المتحف الذي يتم فيه عرض الدلالات والأفكار في لغة القصيدة السهلة والسمعية التي يستمتع القارئ وله الخيار في التأويلات فهو نص منفتح يدخل القارئ في باحة التأويلات الجديدة فهو يقول:
"أنا وجرحي
أصبحنا متوحدين
لم أعد اشكو منه
أضحي حزه
موسيقى"..
وفي قصيدة "تأويل"، خرج الشاعر الحلي من انفعالاته ذات الذائقة الرومانسية مع شهرزاد الطموح صوب حساسية شعرية جديدة وذائقة تتضمن التصوير التعبيري لما حوله من اشياء استفزت نزعته الشعرية فهو يقول في قصيدة الخط:
"يغمض عينيه ويفتحها
على خارطة
مترامية الأطراف
لها شكل
فار"..
ويقول قصيدة الخريف في انزياح وكثافة شعرية عالية
"يحبطه ان شتى أساليب الإغواء لديه
لم تثمر
عن استدراج
شجرة أخرى"..
أخيرا يتفرد الشاعر احمد الحلي باسلوب شعري سهل العبارة سمعي يمتاز بكثافة الصورة الشعرية ولحظات صدم ملازمة لها ويستثمر الطبيعة وتأثيرها في الطاقة الشعرية بشكل كبير.