- التفاصيل
-
نشر بتاريخ السبت, 23 أيار 2015 21:34

ها نحن، وبقلوب ملؤها الحزن والأسى واللوعة، نودع رائدا كبيرا وفنانا مبدعاً عرف كيف يسحر جمهوره ومحبيه بأدائه الرصين وببراعته وتفننه في التكوين ممزوجاً بعفوية وتلقائية لا مثيل لها.. فأستحق كل التقدير والاعجاب والإكبار، إلا وهو فنان الشعب العراقي المحبوب خليل شوقي.
فعلى مدى مشواره الفني الطويل، منذ ان حبب إليه الأخ الأكبر (ابراهيم حقي) المسرح باعتباره محراباً للدفاع عن المظلومين والمسحوقين والمعدمين، حتى ساعة دخوله معهد الفنون الجميلة ثم تخرجه فيه وعمله في اطار الفرقة الشعبية للتمثيل عام 1947، وهو احد المؤسسين لها. كذلك في تأسيسه فرقة المسرح الفني الحديث عام 1966 وغيرها من المباردات.
عرفناه ممثلا بارعاً وكاتباً ناجحاً ومخرجاً متميزا على صعيد الاذاعة والتلفزيون، هاجسه ان يقدم كل ما هو جديد ومبتكر ويرتبط اوثق الارتباط بحياة الناس وتطلعاتهم من اجل غد افضل وحياة حرة كريمة.
يكفينا فخرا ان نعرف انه في عام 1947 حينما اخرج الفنان الراحل ابراهيم جلال مسرحية "شهداء الوطنية" للكاتب الفرنسي فكتوريان سادور، اختار خليل شوقي ممثلا ضمن طاقم المسرحية، وكانت المسرحية تحريضية بامتياز لما انطوت عليه من شفرات ومعان ودلالات من شأنها إثارة الغضب والتحدي العارم والسخط والاستياء.. فما كان من السلطة الحاكمة آنذاك في بغداد إلا ان طوقت قاعة المسرح بالدبابات، كأنها في مواجهة عسكرية، خوفاً من خروج المشاهدين في تظاهرات حاشدة احتجاجا على ما كان يجري من تنكيل وكم للافواه وتصفيات للوطنيين في البلاد.
وما زلت اذكر جيداً كيف ان شيخ المخرجين الفنان ابراهيم جلال ويوم كنا طلابا في اكاديمية الفنون الجميلة قسم المسرح في اواخر ستينيات القرن الماضي ونتلقى المحاضرات منه في درس التمثيل والاخراج عندما اشاد بالفنان المبدع خليل شوقي لانه يجيد تصميم ادواره ببراعة عالية، بعيدا عن النمطية والتقليد، لا يكرر نفسه بل يبحث ويتحرى ويبتكر لكي يكون للشخصية التي يمثلها الراحل ما يميزها وسحرها المنشود.
من منا لم يبد اعجابه بما قدمه الراحل في "النخلة والجيران" يوم تقمص شخصية مصطفى الدلال وابدع في تمثيلها أيما ابداع، وقد شكل ثنائياً متميزا مع الفنانة الراحلة الرائدة زينب.
ومن "النخلة والجيران" ينتقل الى "بغداد الازل بين الجد والهزل" فيبهرنا بادائه دور البخيل والدوانيقي. وتتقافز في الذاكرة عشرات الادوار التي مثلها في مسرحيات أخرن نذكر منها "يوليوس قيصر"، "القربان"، "الينبوع"، "الانسان الطيب" لبرشت، "اضبطوا الساعات"، "خيط البريسم" وغيرها.
ومثلما يتألق خليل شوقي في سماء المسرح، يحلق عالياً في فضاء التمثيل التلفزيوني. وها هو يأسر مشاهديه في مسلسلي "النسر وعيون المدينة" و"الذئب وعيون المدينة" للكاتب عادل كاظم واخراج ابراهيم عبدالجليل، حينما يجسد شخصية عبدالقادر بيك
هذا اذا غضضنا النظر عن الكثير من ادواره التمثيلية في التلفزيون، التي اداها بمهارة وتمكن ونجاح.
وفي ميدان السينما، يخرج فيلم "الحارس" سيناريو قاسم حول وتمثيل مكي البدري وزينب.
وحينها شارك هذا الفيلم في مهرجان قرطاج السينمائي وحصد الجائزة الثانية الجائزة الفضية وتكتب عنه الصحف العالمية والمحلية. هذا فضلا عن الادوار التي مثلها في العديد من الافلام السينمائية المحلية ونذكر منها: "من المسؤول؟"، "ابو هيله"، "الضامئون"، "الفارس والجبل"، يوم آخر".
ولا ننسى ايضا كتابته سيناريو فيلم "البيت" الذي اخرجه الفنان عبدالهادي الراوي.
في عام 1997 يضطر الى مغادرة العراق هرباً من الملاحظات والمضايقات وتصاعد وتائر القمع والارهاب وسلب الحريات وهو الذي عرف بمواقفه المشرفة المناهضة للنظام آنذاك.
ويستقر في مغتربه القسري - هولندا - ويحلم بعراق مستقر لا مكان فيه للقتلة والمجرمين واللصوص والدجالين.
عراق يشمخ بأبنائه ويسوده الحب والسلام والألفة والوئام، وينبض بالابداع والتجدد والتفرد.
أيها المبدع الكبير
نم قرير العين اينما توارى الثرى.
فمثلك لن يأفل نجمه.. ولن يرحل.
ستبقى مناراً عالياً ومفخرة لشعبنا وللوطن
وعهدا ان نواصل الدرب.. ونتحدى الصعاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* ألقيت في التشييع الرمزي الذي أقامته دائرة السينما والمسرح للفنان الراحل خليل شوقي يوم 13 نيسان 2015.