هؤلاء  معي / مقداد مسعود

الكتب الحقيقية لا تبقى في المكتبة، بل ينبضها القلب والذاكرة.. يصير المؤلف اقرب الناس الينا، منذ 1974 رأيتُ في نوال السعداوي اختا عظيمة وما ازال اقرأ نتاجاتها، واستوقفتني طويلاً سيرتها الذاتية «أوراقي.. حياتي» بمجلداتها الثلاثة مثلما استوقفني كتابها الجريء «الأنثى هي الأصل»، لا يعني هذا انني اتفق كليا مع اطروحاتها، ولكنني ممتن لها وهي تهبني.. حزمة من المصابيح في هذا النهار العربي الضرير... بكيتُ حقا وقلقت عليه قلقي على جدنا العظيم حين اعتدوا على هرم الرواية العربية: نجيب محفوظ .. ،وكيف انسى غائب طعمة فرمان؟ وهو ينافس المؤرخ العراقي في كتابة تاريخنا منذ الملكية الى زمن الطاغية في روايته؟!.. هل يمكن الآن أن أقرأ «ثريا النص، رائحة الشتاء، رغوة السحاب»؟ أصدقكم القول أنا لا أقرأها.. بل أنصت لصوته الرخيم حين كان يقرأها لي وهي مخطوطات.. أعني بذلك شيخي المبجل محمودنا عبد الوهاب.. هل يمكن نسيان «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع»؟ وهو؟.. مَن منهما؟ الفراشة التي حلمت...؟ ام الانسان الذي اشكلت عليه أحلامه؟ هل الحقيقة هي الآخر؟ أم وجهه الآخر؟ كل هؤلاء خيط عطر من أنسي الحاج؟.. استاذي الذي صار صديقي وبمنزلة اخي الحبيب الشاعر مجيد الموسوي، حين وصل الى مشارف الغراب.. لم ازره، وحين نهض مجددا، تأخرتُ بتعمد وحين زرته زرته وحدي، لأرتوي من حضوره الشفيف.. هؤلاء فقط من يهزمون الغراب ويدحرون الرماد، ويجعلون السماء بزرقتها الكاملة.. كأنهم جاؤوا من كوكب أكثر انسانية.. كأنهم جاؤوا ليقضوا اجازتهم القصيرة معنا ولنا.. هل هؤلاء سعاة البريد الاخضر هناك من سبقنا وشخص كل هؤلاء وهو منهم وفيهم بكلمتين «عابر استثنائي» فعلا أنت وهم: عابرون استثنائيون.. هؤلاء يدربوننا طراوة الندى.. «لا تحدثونني عن الذين يكرهونني ..دعوني احب الجميع» بالنسبة لي حاولتُ ولا ازال أحاول الاقتداء بك يا نجيب محفوظ... الكتب الحقيقية لا تبقى في المكتبة، فهي بمرتبة الملاك الحارس، ما تنزهت ُ وحدي حين أكون وحدي.. تحرسني ابيات للمتنبي، وأخرى للبهاء زهير .. اغنية لفيروز.. نصوص جاك بيريفير.. هايكو.. عنوانات كتب.. اقراص موسيقى.. ما تمشيتُ في بغداد وحدي: يحرسني نصب الحرية، كما يحرسني في البصرة السياب، وحين تمر بي السيارة في ساحة الاندلس، بمحاذاة بستان زهرة الرمان.. اخاطب وجهه البرونزي: سلاماً ايها الشامخ.. لستُ وحدي حين أكون وحدي فقد علمني سيد البلاغة وامام نهجها ان اردد خلفه «أنا مرتهن بعملي».