الفريد سمعان.. لائحة اتهام بين السياسة والحبّ / قيس مجيد علي

مَنْ مِنّا لا يعرف ألفريد سمعان، السياسي الشاعر المجاهر أبداً سواء في حياتهِ اليومية أو في قصائدهِ التي تشكل روضة ملأى بالورود الحمراء والأماني الحلوة، المعبّرة عن كلّ الوفاء لهذا الإنسان الجائع المضطهد؟
تتأرجح مجموعته الشعرية الأخيرة الموسومة «لائحة اتهام» بين السياسة المفصحة عن ذاتها كما في قصيدتي (فهد) و(السنابل)، وبين الحبّ الملتهب حدَّ الجنس كما في قصيدة «صرخات جامحة». بيد ان الشاعر في هذهِ القصائد يبدو واضحاً في كلِّ ما يريده فهدفه كما نعرفه وكما تنبئ عنه قصائد المجموعة هذهِ، هو الانسان بكلِّ معنى الكلمة، وبالذات أولئك الفقراء الذين قست عليهم الحياة .. لا بل قست عليهم تلك الطبقة الحاكمة الظالمة. تشير الى ذلك قصيدتهِ (لائحة اتهام) التي شكلت عنوان المجموعة.
«وإِنني اقاتل الذين
يسرقون الخبز
من أنامل الأطفال والمعذبين» ص13
ولعل هذهِ القصيدة هي أحدى القصائد التي تمنح صاحبها شرف النضال والانتماء الى الحزب وما يلاقيه المناضلون في حياتهم من أذى وتعذيب وتشرد.
«متهم ....
بأنني اغلقت أبواب الدناءات
وطاردتٌ العقارب السوداء
في جحور نقرة السلمان
وعانقت السواعد التي تزهو
بها الأبحار
وتستجدي لها معاول
الأوغاد والمهرجين» ص14
ويتضح الأمر اكثر في قصيدة (فهد) التي يرى الشاعر فيها هذهِ الشخصية السياسية الفذة فيتخذه مثالاً لهذا النضال الشاق فيقول:
« تعلمت منك « و « سارت خطاي وراء خطاك ..» ص21
بل يستزيد بكل فخر واعتزاز الى التصريح بالشعار الشيوعي ..
« سنمضي .. سنمضي الى ما نريد ... وطنٌ حرٌّ وشعب سعيد ...»
وتتصاعد هذهِ النبرة الساخنة في التحدي ليعلن الشاعر التزامهُ الكامل حتى يخاطب فهداً عند الوداع .....
«وداعاً يا رفاقي
وداعاً ... وداعاً
واعلنت أَنَّ الشيوعية
اقوى من الموت .....» ص27
ويبين الشاعر الى ما آلت اليه هذهِ الخطوة الكبيرة فيقول:
«بنيت لنا عشّنا الأممي
ورصعت اركانه بالأماني
وصار لنا نغمة تشتهيها الطيور
وزهر الفرات بين الزهور « ص28
هكذا هي الحياة التي يجب ان يعيشها الانسان دون ان يكون هناك تعكير ما، فالحياة جميلة ويجب أن يحياها كلُّ إنسان على وجه الكون.
ويسبر الشاعر أغوار هذهِ النظرة الشيوعية الى ما تملكه الشيوعية من عدالة واخلاق للإنسانية عامة فيشيع روح الشجاعة والاخلاق الحميدة للفرد والمجتمع ...
«تعلمت كيف أصون ... وكيف اقاوم .. وكيف اقاتل
تعلمت لا استبيح بيادر غيري» ص29
ولا ينسى الشاعر الأحداث التي تجري خارج الوطن، فها هو يشارك القطر السوري نكباتهِ فيقول في قصيدة (دمشق) يخاطب بردى:
«يا لحزني
إِنه الآن صريع الخوف
لا يمضي
كما كان» ص54
هذهِ نظرة سريعة في السياسة. أما في الحبِّ فنراه حيناً رومانسياً هادئاً رقيقاً كأغلب شعراء هذهِ المدرسة، تمنحنا هذهِ النظرة قصائده (الحلوة) (الظلال المورقة) (نسائم هائمة) (رعشات) (اصداء) ...
«لأنك حلوة
تصلي الفراشات للشفتين
وتشدو الحمائم
للخطوات اللعوب
وتركع للوجنات النجوم ص39
وفي موضعٍ آخر يقول :
أحدق في كل ما تشتهيه
العصافير منك
ومن شفتيك» ص83
ولو أنه في بعض الأحيان تجرهُ اللذة الأنثوية الى حالة أبعد من ذلك. فيقول: «يا لها من نشوة» أو
« لأن عناقيد صدرك
ترقد تحت وسائد ثغري» ص43
في قصيدة (صرخات جامحة) والتي قدم لها الشاعر بمقدمة نثرية، نراه فيها يفلت من ثياب الخجل الى ثياب التعري وحرية التمتع بمفاتن المرأة مهما كانت فالأنوثة تغري. والجسد العاري يحرك المشاعر ولا أحد يستطيع أن يقاوم تلك الإغراءات ... هذهِ مسارات وحلقات الرغبة تجعلك مقيداً بكل ما يرمي اليه هذا النوع من الشعر سواء القديم منه أو الحديث كما الفناهُ عند بعض الشعراء كحسين مردان ونزار قباني ... وغيرهما.
وأخيراً يغلب على هذهِ المجموعة طابع القصيدة النثرية ولو أَنَّ بعض القصائد فيها جاءت من قصائد التفعيلة كقصيدة (مع القافلة) من الرمل وقصيدة (دمشق) من الرمل وقصيدة (اصداء) من الوافر ....
وتبقى الاشارة اللافتة للنظر وهي (غياب الخمرة) في المجموعة رغم أَنَّها من استحقاقات الشاعر ديناً وشعراً.