الكاتب المسرحي د. نور الدين فارس / حوار : علي فوزي*

المنفى كابوس متعب وهموم وهواجس دائمة
أعمال مسرحية كثيرة تنتظر التمثيل بعد تحريره من الفاشية
من مدينة الليمون والبرتقال العراقي المقدادية (شهربان) الى بغداد، الى صوفيا، ومن ثم الى وهران الجزائر، الوطن المؤقت، كانت وستبقى رحلة مؤلفنا المسرحي د.نور الدين فارس. أكمل خلالها ما يقرب من ستة عقود حتى الآن.. قضاها بين الدراسة والتدريس، وبين شخصيات عديدة خلقها للمسرح العراقي غالبا، وبين التمثيل** و بين الكتابة و البحوث الفنية والأكاديمية وبين الترجمة أحيانا أخرى.
ويبقى نور الدين فارس واحدا من أبرز كتاب المسرحية في العراق، فقد كتب ونشر العديد من المسرحيات التي مثلتها الفرق المسرحية في الوطن ويكفي أن نتذكر منها: أشجار الطاعون، و الكراكي، والبيت الجديد، والغريب، والعطش والقضية، وعروس بالمزاد، والينبوع، الى المسرحيات التي كتبها بالمنفى مثل : القيثارة والجلاد، و وكوميديا الأرض التي كانت أخر مسرحية كتبها، هذا إضافة الى العديد من التمثيليات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ال
تي قدمت في الوطن، وكانت (الأبرة واللهب) عن ثورة العشرين الباسلة أبرزها، ناهيك عن البحوث والدراسات الأدبية والفنية التي نشرها في الصحف والمجلات العراقية والعراقية إضافة لترجمة كتاب تحت الطبع بعنوان (نظرية الدراما) لكاتبة بلغارية.
ونور الدين فارس، إضافة لمأساته المشتركة التي يعيشها كعراقي بعيدا عن وطنه، فأن النظام الصدامي أعدم شقيقه الفنان التشكيلي د. شمس الدين فارس، لا لجرم إرتكبه وأنما لأنه قال: لا للحرب مع أيران! علما ان (جداريته) لا زالت شاخصة في واجهة سينما بابل ببغداد حتى اليوم كعمل إبداعي أنجزه.
عن الوطن والمنفى والإبداع وفرقته (مسرح اليوم) كان لنا معه هذا الحوار.
لكل إنسان بداية، ماهي بداياتك؟
- ولدت عام 1934 في مدينة المقدادية (شهربان) في العراق، وأكملت دراستي الجامعية في بغداد، وقمت بالتدريس في ثانويات العراق لمادة اللغة العربية. وكنت مولعا وبحب كبير بالمسرح، مدركا لأهميته في توعية وإمتاع الناس. وكانت لي محاولات أولية في التأليف زادتها الخبرة التي منحني إياها علاقاتي بالعديد من الفنانين المسرحيين وعملي بالفرق المكسرحية، هذا إضافة الى هوايتي بالرسم.
ماهي أول مسرحية كتبتها؟
- بالبداية كتبت عدة مسرحيات لم أنشرها لأنها كانت محاولات أولية، ثم كتبت أول مسرحياتي وهي (أشجار الطاعون) عام 1965 
ونشرتها بكتاب وقد مثلتها فرقة المسرح الشعبي وأخرجها الفنان الكبير جعفر السعدي.
ما هي المسرحيات الأخرى، والمخرجون الذين تعاملت معهم والفرق المسرحية التي قدمتها؟
- بعد نجاح (أشجار الطاعون) على المسرح أستفدت كثيرا من التجربة التي عشتها مع المخرج والفرقة خلال التمرينات وتبادل الأراء مما دفعني ذلك الى مواصلة التأليف المسرحي فكتبت مسرحية (البيت الجديد) حيث قدمت (فرقة إتحاد الفنانين) وأخرجها الفنان عبدالوهاب الدايني وقد أبدع فيها الممثل منذر حلمي بدور ( أبو زبانه) وعرضت بتلفزيون بغداد أيضا، بعدها التقيت بأصدقائي من المسرحيين المعروفين وأذكر منهم (جعفرعلي، وقاسم حول، و ونجيب عربو، وعلي فوزي، ومكي البدري، وعلي رفيق، و وداد سالم، و أحمد المفرجي ، وأديب القليه جي وفاروق أوهان وغيرهم) وقررنا تشكيل (فرقة مسرح اليوم) إيمانا من
ا بالتنوع والتجانس واللغة المشتركة التي كانت بيننا. قدمنا طلب الإجازة بداية عام 1968 ولم نحصل عليها ألا في 4-8- 1969.
ماهي أول عمل قدمته الفرقة؟
- أول عمل مسرحي لفرقتنا كان مسرحية (الغريب) قدمناها بداية آذار 1970 وحصلنا على إجازة العرض قبل رفع الستارة بدقائق وبحضور شخص من دائرة الأمن العامة! ولم تمنح القاعة إلا لمدة أسبوع فقط. وأود أن أذكر هنا أننا قدمنا تمثيلية بعنوان (القضية رقم1) وهي من تأليف الكاتب عارف علوان وإخراج الفنان جعفر علي والذي أخرج أيضا مسرحية (الغريب) كان ذلك قبل إجازة الفرقة أي - تحت التأسيس- وكانت من أنجح التمثيليات التي قدمها تلفزيون بغداد عام 1969 وهي إنتقادية ساخرة من الروتين والبيروقراطية مما اثار المدير العام للإذاعة والتلفزيون آنذاك ضدنا!
الملاحظ أن أغلب مسرحياتك قدمها (مسرح اليوم) لماذا؟
- كما سبق وأن أشرت أن (المسرح الشعبي) ومن ثم (إتحاد الفنانين) قدمتا أيضا مسرحيات لي، ولكن لابد من الإشارة أيضا الى أنه في الستينات وما تلاها كانت هناك ظاهرة معروفة، وأعتقد أنها مبررة، وهي وجود مؤلف في كل فرقة.. فمثلا يوسف العاني كان يكتب لفرقته (الحديث)، وطه سالم يكتب لفرقته (إتحاد الفنانين) وعلي حسن البياتي كان يكتب لفرقته (14 تموز) وهكذا، ولأن المؤلفين للمسرح قلة بالعراق فمن الطبيعي أن يكتب المؤلف لفرقته ، وهذا لا يمنع أن تمثل فرقة أخرى مسرحياته.
أغلب مسرحياتك المنشورة، مكتوبة باللغة الفصحى، لكن أغلب المسرحيات التي قدمت على المسرح كانت بالل
هجة الشعبية، كيف تفسر ذلك؟
- هذا صحيح وقد نشرت كافة مسرحياتي بالفصحى، ألا ان للهجة الشعبية سحرا وطعما خاصا لدى المشاهد العراقي لأنها تتحدث عن همومه وآماله بشكل يقبل عليها أكثر من الفصحى، رغم قناعتي بأن اللغة العربية أجمل و فيها صور غنية، وقد قدمت مسرحيتي (الينبوع) باللغة الفصحى على المسرح. علما أن جميع مسرحياتي الأخيرة كتبتها بالفصحى.
وماذا قدمتم بعد (الغريب)؟
- مسرحية (العطش والقضية) نهاية عام 1970 ومن إخراج الفنان عبد الوهاب الدايني. ثم عام 1972 قدمنا مسرحية (الينبوع) إخراج وجدي العاني.
وكانت الفنانة الكبيرة زينب ضيف شرف في العمل. أما آخر عمل قدمته الفرقة من تأليفي فكان مسرحية (عروس بالمزاد) إخراج الفنان جعفر علي وحققت المسرحية نجاحا آنذاك أي في عام 1973، وكانت الفنانة مي شوقي ضيف شرف في هذا العمل.
لماذا كانت هذه المسرحية آخر عمل لك بالفرقة؟
-لأنني وفي عام 1974 سافرت الى بلغاريا لإكمال تحصيلي العلمي ونلت عام 1979 شهادة دكتوراه دولة في فلسفة الفن-المسرح من جامعة صوفيا، معهد العالي التمثيلي.
لماذا لم تعد للوطن؟
- في البداية وقبل تخرجي كنت أريد العودة لوطني، لكن بعد أن سيطرت الزمرة الصدامية المغولية على مقاليد الحكم وقيامها بتصفي
ة جميع الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية، بل وحتى تصفية قادة من البعثيين، قررت عدم العودة للوطن مرغما، ولقد تصاعدت وتيرة القمع والإرهاب 
ضد الشعب ومن ثم الكوارث ضد الوطن في الحرب مع إيران ومن ثم ضد الكويت وما نتج عن ذلك من دمار رهيب للوطن ومن تجويع للشعب حتى اليوم، ولذلك فقد ق
ررت الرحيل الى الجزائر عام 1979 للتدريس في جامعة وهران- معهد اللغة والأدب العربي- وأحاضر في كلية الآداب- قسم النقد والأدب التمثيلي- المسر
ح، وكذلك في قسم الماجستير وحتى الآن.
وهل تركت التأليف
-أبدا.. فقد كتبت عدة مسرحيات منها (الدوامة، والقيثارة والجلاد، وينبوع القيامة)، وآخر مسرحية كتبتها عام 1990 وهي (كوميديا الأرض) عن نضال الشعب الفلسطيني. المسرحي؟
وماذا بعد؟
- قمت مؤخرا بتأسيس أكاديمية للمسرح في كلية الآداب في جامعة وهران وأضافة لعملي التدريسي.
نور الدين فارس، المؤلف المسرحي، ماذا يعني لك المنفى كمبدع؟
-المنفى: غربة، متاعب، قلق، لهفة، كوابيس.. هواجس وهموم دائمة تتخللها ومضات سحرية.. كأن ينفخ في الصور وتجلجل نواقيس القيامة، قيامة الشعب وهي تزلزل جبروت الإستبداد وتعصف بأصنام الظلام.
والوطن؟
- الوطن: أقدس عقيدة آمنت بها..قبلة همومي ومصيري.
** مثل نور الدين فارس في مسرحية واحدة (أجراس الكريملين) التي قدمتها فرقة الصداقة في بغداد عام 1972 وأخرجها أديب القليه جي، حيث جسد نور الدين فارس شخصية المفكر الأممي (لينين) و أعتبر أول من مثل هذه الشخصية في دول العالم الثالث خاصة في الوطن العربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مقابلة خاصة مع الفقيد اجريتها معه، ونشرت في العدد الثالث من ملحق الوفاق العدد 61 في 30 نيسان 1993 الصادرة في لندن.