كريم ناصر في «ارخبيل الحدائق» / حميد حسن جعفر

يسير كريم ناصر نحو الماضي ساحبا خلفه ممتلكاته الماضوية. هكذا يبدو الشاعر الواسطي عندما يستقبل المتلقي بقصائد ديوانه "ارخبيل الحدائق".
الشعراء العراقيون في الشتات يحاولون إقامة صناعة مختلفة للقصيدة العراقية، فالقصيدة تنتمي إلى المستقبل، إلى البلد المضيف/ المنافي، حيث الحياة غير الحياة، والانسان غير الإنسان، إلا أن التجمعات البشرية تعمل على صناعة وطن صغير لا يقوده الشرطي العراقي بقدر ما يديره الشرطي الجديد.
هذا الوطن من الممكن أن يشكل أكثر من صخرة تربط الشاعر/ الوطن الذي طلع منه صاعدا إلى السطح.
كريم ناصر هو واحد من مجموعة أو مجموعات تنتمي لانتاج نص ينتمي إلى جيل شعري ، استطاع أن يضع بعض ملامحه على خارطة الشعر العراقى.
البعض من الشعراء استطاع أن يظل ثقافيا على صلة واهية ربما ، أو ربما كان محافظا على "شعرة معاوية"، تلك الشعرة التي تبقي على الو طن / الجغرافيا والوطن / الإنسان حيا يتنفس! فالبعض حمل وطنه معه كما لو كان "صخرة سيزيف"، ما أن يحاول التخلص منه اجتماعيا حتى يجده ملتصقا بجسده ثقافيا، فهل الوطن ينتمي إلى حالة عوق؟، هو ما يشبه الحدبة في جسد / ظهر الكائن / الشاعر العراقي.
الشاعر الأول / شعرة معاوية.. استطاع إنتاج قصيدة جديدة تنتمي إلى الكثير من الاختلاف.
الشاعر الآخر استطاع أن يكتب ولكن ضمن فعل التواصل مع الكتابة السابقة، حيث الوطن / العلاقات الاجتماعية ما زالت تسهم بشكل فعال في صناعة القصيدة.
كريم ناصر ينتمي إلى الصنف الثاني / إلى حملة صخرة سيزيف.
أكثر الشعراء العراقيين استطاعوا التخلص من صخرة الماضي الذي يعتبر المنتج الأساسي للاحساس بالاضطهاد، استطاعوا التخلص من خلال عنصري التثاقف والتأثر والتأثير، ليتمكنوا بالتالي من مغادرة طقوس الكتابة التي استساغها واستحسنها الشاعر الذي لم يغادر مواقعه الجغرافية، حيث كثيرا ما تتحول ثقافة الواقع المعيش إلى سلطة تنتمي إلى الثوابت،إلى الإحساس بضرورة مجاراة الواقع وعدم الاصطدام به.
كريم ناصر يكتب بشيء من الإحساس باتساع الأفق، وارتفاع سقف الحياة، وضرورة التواصل مع الواقع، ولكن مع شيء أقل من الماضي، حيث ما زال التواصل / الارتباط الاجتماعي والثقافي ما زال يمتلك مساحة واسعة من العلاقات، لأن الثقافة عامة والشعر خاصة هي منتجات روحية قبل أن تتحول إلى مادية.
كريم ناصر ما زال يبحث عن حلول على الرغم من أن المثقف بإمكانه أن يضع خطوط الوصول إلى أهداف كهذه عبر التحول إلى ما يشبه المنتج لهذه الحلول انه القادر على إضاءة المناطق المعتمة، عبر كشاف اسمه القصيدة، وعبر لا واقع اسمه الحلم.
أن شدة الانتماء إلى التاريخ الجمعي وللجغرافيات يشكل عاملا مهما من العوامل المؤثرة سلبا أو إيجابا في حياة الفرد /الشاعر، وفي صناعة العمل الشعري.
***
معه قصائد / أشجار "ارخبيل الحدائق" تتشكل من الوحدات المنتجة للنص الشعري، وبنية كهذه تكاد أن تمثل علامة فارقة، فبنية الوحدات هذه من الممكن أن تشكل فعلا لاغيا لانتاج القصيدة الطويلة!
الإحساس بالقلق، بالواقع المختلف، ولعدم وجود قارئ مباشر وقريب، إضافة إلى شيء من التساؤل مفاده، هل ما زال الشرطي واقفا عند بوابة داره / الشرطي السري، الرجل الحزبي، رجل المؤسسة العسكرية، المؤسسات الاجتماعية، والدينية، والثقافية؟، كل هذه المفاصل من الممكن أن تشكل أكثر من رادع لركوب مغامرة إضافية.
الوحدات الشعرية ما هي إلا قصائد تكاد تكون مستقلة، أي أن المتلقي من الممكن أن يستقبلها كفعل شعري يتمتع بملامح منفصلة. إنها الحجرات التي من خلالها يتشكل النص الكلاني / معمارية القصيدة، حيث يتميز بين يدي الشاعر بل وحتى القارئ، شكل / بنية النص المنفصل / المتصل في اللحظة ذاتها ، من الممكن أن توفر بنية شعرية كهذه حالتي الإحجام والأقدام في صناعة الحياة / الفعل الشعري:
"الطالب"
على ارخبيل الحدائق
أمام مرعى البقر
فقد الطالب رزمة الكتب
حيث هرع غاضبا إلى الأفق الشاسع
قلقا كعصفور"..
كريم ناصر بحاجة إلى قارئ قريب منه
من الممكن ومن الضروري من أجل فهم التجربة الكتابية لكريم ناصر وجود حالة تأييد، أو حالة إسناد لكي تتمكن القصيدة من الوصول إلى القارئ.
القصيدة من غير استقبال ينتمي إلى الترحيب لا يمكنها مغادرة الشاعر/ الروح
متقدمة صوب القارئ!
***
حميمية الكتابة لم تعد - ولم تكن - أمرا سهلا، هذه الحميمية لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال وجود متلق ينتظر النص، أي أن الشاعر لا يكتب لنفسه، بل هناك شخص آخر ، شخص ما ، قد لا يمتلك ملامح خاصة ، لذلك نجد أن النص يعني الكثير من القراء ،كل يعتقد أنه المعني بهذا.
ان الشعر كفعل جمالي من الممكن أن يشكل الكثير من خصوصية قصيدة الشعر العراقية ، حيث التاريخ الطويل المنتمي إلى البحث عن التفرد سواء عبر القصيدة العمودية أو التفرد عبر قصيدة التفعيلة ، أو قصيدة النثر ، وإصرار الشاعر العراقي على إنتاج قصيدة متميزة، عن سواها من العربيات، حيث الاختلاف الذي تمتلكه عبر التاريخ والجغرافية ذات الانتماء العراقي.
هذا الانتماء/ الاختلاف الذي يطمح الوصول إليه الشاعر، القارئ لا بد من أن يبحث عن أكثر من خصيصة تهم التجربة الحميمية للقصيدة العراقية ، وكذلك التجربة الفردية من أجل كتابة نص شعري خاص.
كريم ناصر يكتب ليمسك جانبا من هذه التجربة، وان لم يتمكن هذا الشاعر أو ذاك من صناعة كهذه ، فإنه سوف يجد نفسه وسط حركة قد تنتمي إلى الشعر ولكن من غير ملامح تميزه عن سواه.
القارئ كائن قادر على أن يضع اصبعه على الكثير مما تمتاز القصيدة به، أو يمتاز به الشاعر، فلا تجربة مثمرة من غير قارئ / مستهلك للنص.
أقول هذا مع التأكيد على أن النص كائن شعري غير قابل للنفاد، أي أن حاله حال الأوكسجين / الهواء، رغم الاستهلاك المستمر فإنه مادة متجددة، كذلك النص.
هل كان كريم ناصر يعي هذا ؟
كل من القصيدة وايحاءاتها لا يمكن أن يكونا نتاجا للعشوائية في الكتابة، أو نتاجا للفوضى، بل لا بد من وجود حالة تخطيط وقصدية لكتابة النص الشعري!