للوهلة الأولى، يبدو أن لإحترام حقوق الإنسان ذات المعنى الذي يعنيه التكافؤ بين الجنسين، الرجل والمرأة. لكن نظرة متفحصة لجوهر الأمرين على الصعيد العالمي، تكشف عن كونهما يخدمان أمرين مختلفين رغم تكاملهما. فالمساواة بين البشر، وهي ما نصت عليها مواثيق الأمم المتحدة، تدعو الى أن تكون لكل البشر قيمة واحدة وحقوق متشابهة، وأن يتم التعامل مع كل الناس بذات الطريقة. أما التكافؤ التام بين الجنسين فيعني، إضافة الى تشابه الحقوق، حصول نصفي المجتمع على قدر متساو من القوة والسلطة، يمكنهما من تحكم متناظر (شكلاً ومضمونا) في حياتهم وفي مجتمعهم. ولهذا يعتبر عدم توفر هذه المقدرة في أي مجتمع، كعدم الحصول على أجر واحد مقابل أعمال متشابهة أو كمشاركة متدنية في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، غياباً لهذا التكافؤ، وبالتالي إنتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
إن قراءة متأنية لما تعيشه المرأة العراقية، منذ سقوط النظام السابق واشتداد أوار الصراع بين مدافعين حقيقيين عن الديمقراطية وبين طواطم تلفعت بها، تشير بلا شك الى عمق الهوة التي تفصل بين هذه القيم الإنسانية العالمية وبين الواقع العملي، مهما قيل من إدعاءات جوفاء. وليس أدل على ما نقول، التزايد المريع لمأسي العنف ضد النساء (والذي يؤطر أحيانا بالمقدس والأخير منه براء)، وإتساع الفجوة بين حصة المرأة والرجل من الدخل القومي (حيث تعيش ملايين الأرامل دون مستوى الفقر)، وتفشي الأمية الأبجدية والحضارية بين معظم النساء، وتدني مستوى المشاركة السياسية للمرأة العراقية وغيابها عن المساهمة النشيطة في الحياة الثقافية والاجتماعية، ناهيك عن ندرة ـ وربما غياب ـ الدور الأقتصادي.
ولهذا لم يعد كافياً التشدق بضمان قانوني "وليس عملي" لحقوق الإنسان، بل لا بد من قيام الدولة العراقية (وليس الحكومة فقط) بتبني قضية المرأة بأعتبارها قضية ديمقراطية بأمتياز، عبر إستراتيجية متكاملة، تبدأ بالتصدي لأية نظرة ترى في المرأة إنساناً قاصراً وبتجريم العنف ضد المرأة بأي شكل كان ومنع تكًيف الأضطهاد تحت اية عناوين، مروراً بالعمل على معالجة سلبية واستسلام الكثير من النساء للواقع وضعف استعدادهن ـ لأسباب اجتماعية واقتصادية ودينية ـ لمواجهة أي تدهور يحصل في حقوقهن، وإنتهاءً بالتصدي الحازم ـ بالتشريع والممارسة العملية ـ للهيمنة الذكورية في البيت والمدرسة والعمل والشارع.
كما لا بد من وجود مؤسسات رسمية، كأن تتبع مفوضية حقوق الإنسان، تتابع مسار التكافؤ بين الجنسين في المناصب السياسية والمواقع الإدارية والعمل والنشاط الإنتاجي وغيرها، وتنفذ سياسة توعية مجتمعية واسعة من أجل ذلك، وتستثمر في هذا المجال، عبر زيادة تأهيل النساء علمياً ومهنياً وإدارياً، وتحفيز أصحاب الشركات ومدراء الأدارات على تقليص الهوة بين النساء والرجال العاملين في مؤسساتهم، وصولاً لإلزامهم قانونا بذلك، ومكافأة الأزواج ـ مالياً ومعنوياً ـ ممن يشاركون نسائهم أعمال المنزل وتربية الأطفال، والإستفادة من تجارب المجتمعات المتطورة في هذا الجانب.
واخيرا، تقول الحكمة القديمة بأن التقدم البشري إنما هو وليد أحزان عظيمة، فهل بقي مدى إضافي لما وصل اليه حزن المرأة في العراق! ومتى ستتحق الحكمة فندرك علاج خطايانا قبل فوات الأوان؟، وكل عام والنضال من أجل حقوق الإنسان وتكافؤ الجنسين في تقدم وإضطراد.