أبو علي.. زهرة الشباب الشيوعي* / د . جبار محمد رضا

من بريق القباب الذهبية ومن طيبة أرض السلام، تشبعت روح الفتى حسين بالنقاء الانساني وبدماثة الخلق، فكان حقاً أبنا بارا لتربة مدينة النجف، هذه المدينة التي منحت جل أبنائها ملكوت الشعر فخلقت للعراق متنبي العصر، مثلما أرضعتهم مضغة الشجاعة فكان حسين الرضي أنموذجا نجفي الخلق شيوعي الانتماء، فمنذ نصف القرن الهجري الثاني والذي فيه بدأت المعالم العمرانية لهذه المدينة، بدأت فيها حالة التطلب للعلم والمعرفة وجسدها بشكل جلي الشيخ نصر الدين الطوسي حين أسس أول حوزة دينية يتلقى فيها الشباب شتى انواع المعارف، فلا غرابة أن تخلق هذه المدينة أنسانا يتمتع بصفات إنسانية ولكنها من طراز نجفي استوحى عمقه من أخلاق أبي تراب مثلما استوحى مثله من المبادئ الشيوعية، أنه ابو علي زهرة الشباب الشيوعي....بخ....بخ لمدينتنا النجف على ما قدمت للعراق من شخصيات حملت هذا الوطن المبتلى على كتفيها لكي تنهض به معافى ومزدهراً. قد يعتقد البعض أن التأريخ أكثر من ذاكرة، ولكن الحقيقة هي أن للتاريخ ذاكرة واحدة نقية وصادقة، وغير تلك لا يعدو أكثر من تزييف للتاريخ، ورغم ما لحق بذاكرة التاريخ العراقي من زيف إلا أن حقائق التاريخ لا يمكن إغفالها أو القفز عليها، مثلما لا يمكن التجاوز على أسطورة الفتى النجفي حسين الرضي، فمنذ ارتباطه بالحركة الداعية للعدالة الاجتماعية أثبت هذا الفتى ان معيار الصدق والإخلاص للانتماء هو التفاني من أجل هذا الانتماء، لهذا تراه يتحرك ضمن محور التفاني في كل لحظات حياته، فكرس وقته وراحته من أجل أن لا يكون هناك خلل في روح التفاني التي يتحرك في إطارها، أعتقل ومورست بحقه صنوف التعذيب، ولكنه أزداد صلابة وعنادا على السير في الطريق الذي آمن به، وعندما اصبح طليقا سعى من أجل لملمة الحزب وصيانة تنظيماته، ولم يكن غير الحزب وقضية الوطن شاغله الأساس، لهذا تراه كان يتحرق شوقا الى اليوم الذي يتحرر فيه وطنه من التبعية ويتمتع شعبه بحياة سعيدة، ويوم أجهض هذا الحلم على أيدي الطغاة البعثيين، ما كان على الفتى حسين غير أن يفضح صغار أذناب الاستعمار ويكشف حقيقتهم، فكان ضيفا على اعتى سجن في العراق، ضيفاً أزعج الجلادين وأقض مضجعهم، كان بهدوء صمته يثير كل ضجيج الخوف في نفوسهم، وقد أحتار الجلادون في سر هذا الصمود، نعم هو قرأ فوتشيك (لا تذهب إلى المشنقة وحدك، أذهب ومعك رفاقك) ولكن هل يبرر الصمود لاسيما وقد قلعت عيناه بسفودين؟ ربما تذكر مؤسس حزبه وهو يعتلي المشنقة صارخا بأعلى صوته (الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق)، ولكن هل هذا يبرر سر صموده عندما تقطعت اجزاء من جسده؟وهو لا يردد في لحظات استشهاده غير مفردة واحدة (أنه ابو علي) نعم لقد زخر التاريخ ببطولات أشخاص مجدتهم الحياة وعرفنا سر صمودهم رغم ما عانوه من تعذيب، ولكن إلى الآن لا ندري ما هو السر الذي جعل الفتى حسين الرضي يتحمل ما لم يتحمله برومثيوس من تعذيب، ولم يقل غير جملة واحدة (نعم انه ابو علي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي) مثلما قالها قبله مؤسس حزبه من قبل.
ــــــــــــــــــــــ
* كلمة اسرة الشهيد