الاستاذ عبد الرزاق جميل عبد الكريم الصافي شخصية غنية عن التعريف فهو من ابرز شخصيات الحزب الشيوعي العراقي التي ناضلت في سبيل تحقيق الاهداف والمبادئ التي تؤمن بها. حيث بدأ نشاطه الساسي في وقت مبكر من حياته عندما كان طالبا في كلية الحقوق، وتعددت مواقفه السياسية تبعاً للاحداث التي شهدها العراق في اواخر عهده الملكي.
ومن بين ابرز هذه الاحداث التي نشطت بها الحركة الوطنية في العراق، انتفاضة عام 1948 والتي اصبح لها وقع كبير في نفوس العراقيين، لما شهدته هذه السنة من تلاحم وطني وجماهيري كبير في مواجهة السياسة التي اتبعتها سلطات العهد الملكي، وقدمت الحركة الوطنية التضحيات والارواح في سبيل ثني الحكومة عن إراتها. وفي كل عام يحتفل العراقيون بهذه الذكرى التي انتصرت فيها ارادة الجماهير، حيث عبروا عن ذلك بمظاهرات وندوات ومهرجانات شعر وغيرها من الفعاليات الوطنية. وكان للأستاذ عبد الرزاق الصافي نشاط ملحوظ في المشاركة في المظاهرات ورفع الشعارات وتحريض الطلبة على سياسة الحكومة الملكية، ومن ذلك اشتراكه في المظاهرات التي خرجت يوم 27/ 1/ 1952 احتفالاً بذكرى الوثبة والتي بسببها فصل من كلية الحقوق مع زميل له هو عدنان جميل اسود، حيث اجتمع مجلس اساتذة كلية الحقوق في يوم الخميس الموافق 21/ 2/ 1952 وقرر فصلهما. ولم يكد قرار الفصل ان يعلن صباح يوم الاحد الموافق 24/ 2/ 1952 حتى انتشر الخبر بين طلبة الكلية الذين تكتلوا في جماعات ووجهوا انتقادات ضد القرار ومتخذيه وكان اكثرهم حماساً الطلبة اليساريون، فقد هاجموا القرار بشدة واستغلوا الفرصة في انتقاد الحكومة والوضع الذي يعيشه البلد ونعته بالاهارب وقد وجدوا استجابة من بقية الطلبة حتى تكهرب الجو بين الطلبة واعلن بعضهم انهم سيقدمون عريضة الى عميد الكلية يحتجون فيها على قرار مجلس أساتذة الكلية، واخذ كل من الطلاب عدنان الدبوني ونجاح جمال الدين وتحسين رأفت وهم من اليساريين بجمع التواقيع من الطلبة على ورقة كتبوا فيها عبارات يحيون السلام العالمي ويدعون بالمطالبة بتحقيق المطالب الاتية:
1- طرد الجنرال روبرتسون من العراق.
2- الغاء اتفاقية النفط.
3- المطالبة بالتأميم.
4- عدم الاشتراك في الدفاع عن الشرق الاوسط.
ثم جرت اتصالات بين طلبة الكلية من القوميين امثال صبيح الكبيسي وعدنان فرهاد وبقية الطلاب القوميين وغيرهم لإعلان الإضراب عن الدراسة في صباح يوم الاثنين الموافق 25/ 2/ 1952 احتجاجاً على قرار الفصل وحتى يعاد الطالبان المفصولان، وعندما علم اليساريون بأمر الاضراب اعربوا الى صبيح الكبيسي عن استعدادهم وجماعتهم للاضراب وهكذا انتشرت فكرة الاضطراب وعزم الطلبة على تحقيقها. وفي صباح يوم الاثنين 25/ 2/ 1952 اضرب طلاب كلية الحقوق عن الدراسة ماخلا نفراً قليلاً منهم، وكان لطلاب الكلية الشيوعيين الاثر الفعال في الاضراب، فقد حضر الى الكلية في الصباح الباكر نجاح جمال الدين- طالب في الصف الثاني- ووقف في احد الشوارع المؤدية الى الكلية وحرض الطلاب على الاضراب وشاركه في التحريض كل من عبد الرزاق الصافي وعبد الرزاق العبيدي- طالب في الصف الثالث- وكامل عبد الرؤوف وعدنان الدبوني- من طلاب الصف الثاني- ورشيد الطالباني وعبد الرحمن بابان وهاشم صاحب وهم جميعاً من الشيوعيين. وهكذا تجمع الطلاب امام بناية الكلية حتى اذا دق الجرس معلنا ابتداء الدرس الاول لم يذهب الى الصفوف الا عدد قليل منهم، وبقي الاخرون متجمعين امام البناية وهناك جرى التباحث والتداول عما يتخذونه بشأن الاضراب ليكون له تأثير في اعادة الطالبين المفصولين. فقرروا اخيراً توجيه نداء للصجف المحلية كالجمهور والجبهة الشعبية وصدى الاهالي وغيرها يدعونها فيه الى تأييدهم في احقية اضرابهم في اعادة الطالبين المفصولين، كما واتفقوا على ان تذهب وفود منهم الى الكليات والاحزاب لبيان اضرابهم وهدفهم منه،كما وطدوا العزم على الاستمرار في الاضراب حتى يعاد هذان الطالبان فأن لم يعادا فأنهم سيقومون بمظاهرات تضامنية تبياناً لرأيهم حول الوسائل الاستفزازية التي تتخذ مع الطلاب. وتنفيذاً لذلك ذهب الطالب كاظم جواد وهو من الشيوعيين وطلاب آخرون الى كلية التجارب في يوم 26/ 2/ 1952 للتحريض على الاضراب، حيث وزع شيوعيو كلية التجارة على طلابها اوراقاً تدعوا الى هذا الاضراب تضامناً مع طلاب كلية الحقوق، اما عبد الرزاق الصافي وعبد الرزاق العبيدي واخرون فقد توجهوا الى الحزب الوطني العراقي والجبهة الشعبية المتحدة ليطلبوا منهم مؤازرتهم في اضرابهم بنشر النداء المنوه عنه آنفاً وكتابة مقالات تأييدية. ولم يقتصر الاضراب في كلية الحقوق على الدوام الصباحي، بل عمل عبد الرزاق الصافي ونورية عبدالله ومهدي المختار وهم من الشيوعيين بتحريض طلاب الدراسة المسائية على الاضراب ليجعلوه شاملاً بالكلية بقسميها الصباحي والمسائي. استمر طلاب كلية الحقوق في اضرابهم واضربت كلية التجارة هي الاخرى بتحريض من طلابها الشيوعيين حتى يوم 1/ 3/ 1952 حيث اتفق الطلاب المضربون على الاجتماع في اليوم التالي امام بناية كلية الحقوق وبعد تجمعهم يسيرون بمظاهرة الى مجلس النواب ثم مجلس الوزراء للمطالبة بالامور التالية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اعادة الطلاب المفصولين الى كلياتهم ومدارسهم.
* الغاء مرسوم الاعمال الممنوعة على الطلاب والهيئات التدريسية الصادرة عام 1948- 1949.
* عدم اتخاذ الإجراءات ضد المفصولين واطلاق سراح من اوقف منهم.
* عدم احتساب ايام الاضراب غياباً بل من ايام الدوام.
وهكذا تحول فصل الطالب عبد الرزاق الصافي وزميله الى قضية نشطت بها الحركة الطلابية وشغلت الرأي العام والحكومة، لكن الامر لم يتوقف عند هذا الحد بل حصلت تطورات اخرى نتناولها ان شاء الله في موضوع قادم.