لم تعد تفصلنا سوى بضعة ايام عن اختتام السباق نحو الانتخابات البرلمانية القادمة.. وهي ايام حاسمة ولا شك. وخلال الاسابيع الماضية وفي غمرة تحضيراتنا للحملة الانتخابية انخرط رفاق ورفيقات الحزب وأصدقائه، داخل الوطن وخارجه، في نشاط واسع ومتنوع مروجين ومحرضين الناس على انتخاب مرشحي قوائم التحالف المدني الديمقراطي ومرشحي حزبنا ضمن التحالف المذكور، وبذلوا جهودا كبيرة، ولا يزالون طبعا، لإيصال صوت التحالف وصوت الحزب وسياسته ومواقفه، و تحشيد الناخبين لصالح مرشحيه، انهم القوة والمعين الذي لا ينضب. انها ايام حافلة بالعطاء والتضحية ونكران الذات فقد ابلى الجميع بلاء حسنا رغم كل الصعوبات والتعقيدات والوضع السياسي المتوتر والمفتوح على مختلف الاحتمالات، والذي تغذيه ازمة بنيوية متعددة الصعد هي بمثابة تعبير حقيقي عن ما بلغه نظام المحاصصات الطائفية - الاثنية. فقد أعطت التطورات السياسية التي عرفتها البلاد منذ 9/4/2003، وعبر كل التجارب الانتخابية والاستشارية، ديمقراطية ناقصة، مشوهة ،مبتورة ، لأن طبيعة وبنية السلطة في العراق و التوازنات التي تحكمها تجعل منها غير قابلة للتداول بالمعنى الديمقراطي الصحيح ، فالديمقراطية تقوم اساسا على فكرة المواطنة وليس على اساس الهويات الفرعية وهو ما يسود اليوم.
انها لمفرحة التطورات التي يشهدها المزاج الجماهيري على العموم، حيث "التغيير" هو الكلمة المشتركة التي تتردد على الشفاه باعتبارها الكلمة الفصل بين مشروعين كبيرين، بين اعادة انتاج الاوضاع القائمة وبين نفيها وبناء توازن قوى جديد يتجاوزها شكلا ومضمونا. ويبدو انه اصبح لهذه الكلمة فعلا مؤثرا ومحرضا الامر الذي دفع حتى القوى المتنفذة الى الترويج لاستخدامها أي كلمة التغيير كإحدى مفردات الخطاب الانتخابي والسياسي في محاولة من تلك القوى للتشويش ولخلط الاوراق ومنع تبلور وعي جمعي صحيح بشان التغيير المطلوب.
ومن اجل تجنب أي التباس بشأن "التغيير" المطلوب لا بد من الاشارة الى ان الخلاف لا يدور، في واقع الأمر، حول مصطلح " التغيير " بحد ذاته بل حول مضمون هذا التغيير وبالتالي طبيعة وأهداف القوى التي تتبناه.
فالقوى المتنفذة تنظر الى التغيير من نافذة تبديل الأشخاص، ولكن من دون المس بجوهر النهج الذي اعتمدته هذه القوى والذي تبيّن انه مكرس لإدارة الازمة وليس تجاوزها. ومن هنا اهمية وضع النهج المذكور موضع النقد والمساءلة، باعتباره من فاقم هذه الازمة ونقلها الى مديّات خطيرة. بعيدا عن التخمينات، يمكن القول ان المتنفذين يريدون تغييرا في تناسبات القوى داخل كل ائتلاف وإعادة بنائه بما يسمح في اعادة توزيع للأدوار ولكن من دون المساس في الفكرة الجوهرية التي بني عليها النظام السياسي الذي تبلور بعد 2003 باستناده على صيغة "المكونات" في محاولة لإيهام الناس بان هذه القوى هي "الممثلة الحقيقية" للمكونات وهذا غير صحيح من ألفه الى يائه.
اما القوى المدنية الديمقراطية عموما، وحزبنا على وجه الخصوص، فتهدف الى تغيير يكون جذريا ويطول أس البلاء وهو نظام المحاصصات الطائفية- الاثنية السيئ الصيت. وهذا يتطلب تغييرا في ميزان القول السائد اليوم.
وطبيعي ان تعديل هذا الميزان مرتبط بالملموس وفي هذه اللحظة بحصول القوى المدنية الديمقراطية على مقاعد في البرلمان القادم. ومن هنا يصبح هذا الفوز في الانتخابات مهمة وطنية من الدرجة الأولى، فحضور القوى المدنية والديمقراطية في البرلمان القادم يعني الكثير حيث انه يعطي رسالة واضحة في أن التغيير ممكن بل وضروري.
منذ انتخابات 2005 ولحد الآن، ورغم كل ملاحظاتنا، شاركنا في جميع الانتخابات وكنا ولا نزال نخوضها وننظر اليها باعتبارها معركة سياسية/ فكرية بامتياز، لأننا ننظر الى البرلمان باعتباره احد منابر الصراع الطبقي/الاجتماعي (وليس المنبر الوحيد) الذي يسعى الشيوعيون من خلاله للدفاع عن مصالح الكادحين والشغيلة عموما. ووفقا لهذه الرؤية فإننا نربط جدليا بين النضال على هذا الصعيد وبين نضالاتنا على الصعد المختلفة الأخرى، وفي مقدمتها الحركة الجماهيرية المطلبية.
وقد بيّن مسار الاحداث اهمية هذه الحركة ومعناها ومفهومها الحقيقي في اللحظة الحاضرة من اجل ان تكون رافعة مهمة لعملنا وحملتنا الانتخابية. ومن المؤكد أن جوهر هذه الحركة هو تنظيم الجماهير، وأن أي عمل إذا لم يتوج بتنظيم الجماهير فسوف يصبح عملاً لا أهميه له. ولن يحقق الحزب تلاحمه مع قاعدته الطبقية/الاجتماعية إلا عندما يحقق تواجده وسط الجماهير وعندما يطرح نفسه طرفا نضاليا من خلال مشاركته الفعالة والفعلية في معارك الجماهير النضالية اليومية والمباشرة. وعلمتنا التجربة الملموسة ان هذه الاهداف لن تتحقق إلا بالنشاط المباشر والصلة الوثيقة مع صانعي التاريخ، مع القوى الحقيقية للتغيير في المجتمع التي حرمت لعقود من الثقافة والتطور الروحي ومن القدرة على اختيار ما ينسجم مع مصالحها الفعلية وفي اختيار ما يساعدها على النهوض من اوضاعها الصعبة. وبهذا المعنى ننظر الى المشاركة في الانتخابات باعتبارها عملا تنويريا لتمكين قطاعات واسعة من الجماهير للتخلص من الوعي المشوه الناجم عن الفترة التي هيمن فيها النظام الدكتاتوري ثم ممارسات الاحتلال البغيض وممارسات القوى المتنفذة بعد 2003، وتعريفها أي الجماهير- بمصالحها الحقيقية وبالقوى التي تدافع عنها وفي مقدمتها القوى المدنية والديمقراطية التي انضوت في اطار قوائم التحالف المدني-الديمقراطي.
وبهذا المعنى ننظر الى الانتخابات باعتبارها رافعة للترويج للمشروع الوطني الديمقراطي الذي تحتاجه بلادنا اليوم كحاجتها الى الخبز والماء.!
ومن جانب آخر فانه ورغم اهمية وضرورة التغيير الجذري والمشاركة الواسعة في الانتخابات فان هناك قطاعات غير قليلة ما زالت مترددة ولم تحسم بعد قرارها في المشاركة من عدمها في الانتخابات من جهة، كما لم تحسم موقفها من المرشحين ومن القوائم المختلفة. ومع الاحترام لوجهة النظر هذه والتي يمكن اعتبارها احتجاجا غير مباشر على الواقع الراهن ورفضا له ولكنه احتاج سلبي فقط. فعدم حسم الموقف والاستمرار في المقاطعة سيؤدي الى الابقاء على توازن القوى الراهن وبالتالي استمرار هيمنة نظام المحاصصات الطائفية-الاثنية وتعمق الازمة البنيوية وتفاقمها وانفجارها وما يحمله ذلك كله من مخاطر قد تقود الى بروز حلول غير ديمقراطية بل وحتى المراهنة على خيارات دكتاتورية.
لذا نتوجه بالدعوة الى اولئك الرافضين للأوضاع الراهنة وممن يراهنون على بناء دولة مدنية وعراق ديمقراطي حر وسيد نفسه يمثل نفيا لنظام المحاصصات الطائفية ونقول: حولوا رفضكم السلبي الى رفض ايجابي، بالرهان على القوى الحاملة لمشروع التغيير الجذري ومن اجل تجاوز القوى المتنفذة الساعية لإعادة انتاج الازمة، وبهذا تساهمون مع قوى هذا التغيير في كسر الحلقة الطائفية - الاثنية.. فلم يعد الوقت ممكنا للانتظار .. ولنفوت الفرصة على من يحاولون تأبيد الراهن.
اننا نمد ايادينا لجميع الراغبين والمراهنين على بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية ووطن يتسع لنا جميعا ويوحدنا تحت راية الوطنية العراقية الأصيلة، وننطلق من روح متفائلة بالتغيير، ونثق بقدرات شعبنا وقواه الحية على اجراء هذا التغيير.
ولا شك ان القوى المدنية - الديمقراطية المؤتلفة في اطار تحالف مدني واسع يشكل (التيار الديمقراطي) نواته الصلبة وقطب رحاه تتحمل اليوم المسؤولية الأولى في بناء ائتلاف واسع، يساهم، على المدى البعيد، في تفكيك نظام المحاصصات الطائفية والاثنية، وتوفير شروط ومستلزمات اقامة الدولة المدنية - الديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة بناء الاقتصاد الوطني وتخليصه من طابعه الريعي وبنيته المشوهة والأحادية الجانب.
وفيما يخص حزبنا، فقد أكدنا، في العديد من المناسبات، على أهمية التيار الديمقراطي والتحالف المدني - الديمقراطي وعلى ضرورة التشاور الدائم وفتح نقاش عميق متحرر من " الصياغات الجاهزة "، ويصوغ أسئلة حقيقية حول الواقع الراهن ومشكلاته الفعلية، ويرسم الأهداف الكبرى ويحدد المشتركات الاساسية التي يناضل من اجل تحقيقها.
والآن وقد تأسس هذا المنبر فان هذه الوجهة ما زالت هي التي تحكم نشاط منظمات الحزب ورفاقه ورفيقاته. فالشيوعيون لا ينظرون الى نشاطهم ضمن التيار الديمقراطي او التحالف المدني من منظور تكتيكي عابر تشترطه اللحظة الراهنة بل ينطلقون من مقاربة اوسع وابعد لدور هذا التيار مستندين في ذلك الى فكرة بناء بديل يمثل نفيا للنظام المحاصصي الراهن. ونحن على قناعة تامة ان تحقيق هذا البديل يحتاج الى أفق أوسع والى قوى جديدة وتحالفات تكون قادرة على احداث تغيير حقيقي في تناسبات القوى الفعلي وليس اعادة انتاج النظام المحاصصي الراهن الذي اصبح عائقا امام بناء الدولة المدنية الديمقراطية العصرية.
وبغض النظر عن كل الصعوبات والثغرات التي واجهتنا ونحن نحضر لحملتنا الانتخابية ونضعها موضع التنفيذ العملي فإن لنا، انطلاقا من همّة رفاقنا ورفيقاتنا وأصدقائنا وتفانيهم اللا محدود وتضحياتهم الكبيرة، كامل الثقة في انتصار قضية حزبنا ونهجه المعروف للجميع، وبما يفضي في نهاية المطاف الى بناء عراق ديمقراطي اتحادي. ولن يخيب الشيوعيون والشيوعيات ثقة حزبهم، وسيكونون في طليعة المناضلين والمناضلات من اجل تحقيق هذا الهدف النبيل.
ختاما لا بد من القول: نعم للبديل المدني - الديمقراطي! إن المستقبل لمن يبشرون فيه، ولن يكون سوى لهؤلاء الذين يدفعون عجلة التاريخ نحوه، ويشعلون سنوات العمر وزهر الحياة من اجله، ممن كتبوا حروفه على جدران الوطن وفي حدقات العيون، وممن جمعوا بين حكمة الشيوخ وعزيمة الشباب الآتين من الصباحات القادمة، من الفتية والفتيات الشجعان رُسل المستقبل.
لنصوّت بنعم للبديل الذي يكسر شوكة الطائفية السياسية ويمنع محاولات احتكار السلطة وإعادة انتاجها ، البديل الذي يؤسس لوعي اجتماعي جديد. ورغم ان الطريق لتحقيق ذلك ما يزال طويلا شاقا ومخضبا بالدماء والحناء، لكننا لن نستوحشه لأنه طريق الكرامة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاشتراكية. قد يبدو للبعض من قصيري النظر والنظرة ان سالكي هذا الطريق النبيل يمثلون " أقلية "، ولكن التاريخ والتجارب الملموسة تقول ان هذه " الأقلية " ليست معطى لا يتغير بل انها ورغم " قلتها "، في لحظة ما، كثيرا ما صنعت التاريخ وتحولت الى اغلبية ! ومن هنا فانه ليس هناك من جهد ضائع لتحقيق هدف معين، كهدف تحقيق نصر انتخابي.