ما سر بقاء الحزب الشيوعي الأمريكي؟

لندن - خاص

تحت العنوان اعلاه بثت اذاعة "بي بي سي" تقريرا أعدّه مراسلها في نيويورك، الذي قام بزيارة الى مقر الحزب الشيوعي الامريكي والتقى بعض قادته ليحاورهم حول اوضاع الحزب، وكيف تمكن من البقاء والتمسك بمبادئه رغم التحديات والمصاعب الكبيرة، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وحول الاهداف التي يسعى الحزب لتحقيقها في الظروف الراهنة بالولايات المتحدة.
جاء في التقرير: "على مسافة ليست بعيدة عن وول ستريت، في الطابق السابع من مبنى أنيق يتألف من ثمانية طوابق في شارع "ويست 23"، يقع مقر الحزب الشيوعي الأمريكي، الذي أثار بقاؤه دهشة الكثيرين. وعلى أحد جدران المقر علقت صور بالأبيض والأسود لشخصيات بارزة في تاريخ الحزب. كما تملأ أعمال ماركس وانجلز ولينين أرفف الكتب."
تم شراء هذا المبنى في السبعينيات من القرن الماضي ليكون مقراً للحزب، قبل أن تشتهر منطقة تشيلسي المحيطة به. وقالت أمينة الصندوق روبرتا وود ان شراء المبنى كان "صفقة رابحة جداً". ويتم حالياً تأجير جميع طوابقه ما عدا اثنين. وتستخدم عوائد الإيجار في دعم أنشطة صحيفة الكترونية تحمل اسم "عالم الناس" Peoples World ، (صدرت بعد توقف طبعتها الورقية في 2010)، وهي تمثل امتداداً مباشراً لصحيفة الحزب "دايلي ووركر" (التي صدرت عام 1924 واستمرت تحت هذا الاسم الى اواخر الخمسينيات).
وحسب تقرير "بي بي سي" فان الحزب، الذي تأسس في 1919، لديه ما بين 2000 إلى 3000 عضو على مستوى البلاد. ويضم عضوين فقط يتقاضيان راتباً، وهما الرئيس، سام ويب، ونائبه جارفيز تاينر، الذي كان مرشحا لمنصب نائب الرئيس الامريكي في السبعينيات من القرن الماضي.

وجود مؤثر

واضاف التقرير: لكن الهدف النهائي للحزب لا يزال طموحاً جداً. فبرنامج الحزب ينص على أن "الاشتراكية ستدشن حقبة جديدة في هذا البلد"، وأن "الثروة الهائلة للولايات المتحدة ستكون للمرة الأولى لصالح الشعب كله".
ونقل عن رئيس الحزب سام ويب قوله إن الهدف على المدى الطويل هو وجود "مجتمع اشتراكي، وإنهاء كافة الفروقات الطبقية، ووجود مجتمع من المساواة، واضمحلال الدولة".
وقال تقرير "بي بي سي" ان الحزب الشيوعي كان يتمتع في الماضي بوجود قوي على الساحة السياسية الأمريكية. وفي فترة أوج نفوذه، في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، كانت لديه شبكة قوية في أنحاء البلاد، وحقق العديد من النجاحات الانتخابية على المستوى الوطني. وكان ثلاثة من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين ينتمون سراً إلى الحزب الشيوعي.
وتابع التقرير ان عدد أعضاء الحزب لم يتجاوز يوما 100 ألف عضو، لكن تأثيره كان واسعاً. وقال هارفي كلير أستاذ العلوم السياسية في جامعة ايموري في اتلانتا "بالتأكيد كان للحزب الشيوعي تأثير على الحياة الأمريكية".
وتسبب اشتعال الحرب الباردة في ملاحقة الشيوعيين وحلفائهم في الولايات المتحدة. وجاءت أبرز حملات الملاحقة بواسطة "لجنة مجلس الأنشطة غير الأمريكية"، ولاحقا بواسطة السيناتور جو ماكارثي. وأشار التقرير الى انه كان للحزب الشيوعي الأمريكي خلال فترة الحرب الباردة تنظيم سري موازٍ.
وقال فيرنون بيدرسون، أستاذ التاريخ بجامعة غريت فولز في مونتانا إن "هذه كانت فترة مدمرة للحزب، وهو ما منحهم شعوراً قوياً بروح التضامن".

ائتلافات

وقال رئيس الحزب سام ويب (68 عاماً) إن المهمة الآنية هي التغلب على "اليمين المتطرف" في الولايات المتحدة من خلال المساهمة في ائتلاف أوسع من الجماعات ذات التوجه اليساري، التي تنشط ضد اللامساواة الاقتصادية وتدافع عن حقوق الأقليات.
وأشار ويب إلى أحداث وقعت مؤخراً من بينها حركة "احتلوا" الاحتجاجية، وانتخاب الاشتراكي كشاما سوانات في مجلس مدينة سياتل وانتخاب بيل دي بلاسيو عمدة لمدينة نيويورك.
ولفت أيضاً إلى أنه حتى الجمهوريين بدأوا يتحدثون عن الفقر. وقال إن "المناخ في البلاد يتغير، والناس يفكرون في اللامساواة الاقتصادية".
وأكد أن وجود مجتمع اشتراكي هو الهدف في "المستقبل المنظور"، بينما أن إقامة نظام شيوعي "على الأرجح سيكون أبعد من ذلك بكثير".
واعتبر توني بيسونوفسكي (36 عاماً)، مسؤول التنظيم المحلي للحزب في ولايات كانساس وميسوري وتينيسي، أن تلاشي ذكريات الحرب الباردة والنهج العملي والنشاط على مستوى القاعدة الشعبية للحزب الشيوعي في الولايات المتحدة، أضعف نزعة العداء للشيوعية، لكن التحامل والرأي المسبق لا يزالان موجودين.
وقال بيسونوفسكي "وُصفت بالإرهابي المحلي، وتلقيتُ مكالمات تهديد. فالمواقف المناهضة للشيوعية لا تزال موجودة لدى اليمين المتشدد في بلدنا وعناصر "حزب الشاي" ("تي بارتي") اليميني". واضاف "سندع أفعالنا تتحدث عنا، ولن نجعل الأمر يتعلق أكثر بكلمة الشيوعية." ويشير الحزب الى توسع في عضويته في السنوات الاخيرة، ويعزو تزايد الاهتمام به الى الأزمة المالية التي تفجرت في 2008، وكذلك هجمات اليمين ضد الديمقراطيين الذين يصفهم بـ"الاشتراكيين".
وقال رئيس الحزب، سام ويب، إنه لا يواجه ردود فعل عنيفة حينما يقول للناس إنه شيوعي. ويشير إلى أن بعض الشباب، الذين ربما لديهم فكرة ضبابية عما تعنيه هذه الكلمة، يعتقدون أن الشيوعية "شيء جيد".
ومع التطلع الى المؤتمر العام للحزب في حزيران المقبل، عبّر ويب عن رغبته في خلق مناخ يشعر فيه اعضاء الحزب بالحرية في التعبير عن آرائهم، بما في ذلك ما يتعلق باسم الحزب. وقال "البعض يشعر ان علينا ان ننظر في تغييره. فيما يشعر آخرون بقوة انه ينبغي ان لا نفعل ذلك. وقد اتفقنا على ان نسمح بفسحة لهذا النقاش".