احمد الغانم
داخل بيته، يئن ويتوجع العراقي من سوء الخدمات، انقطاع التيار الكهربائي في وهج الصيف هو أكبر ناقوس على سوء الخدمات، بيوت مظلمة أشبه بأفران، ومشاكلها مع "صاحب الخط" الذي غالبا ما يكون جشعا مستمرة، مرة "عطلت "الجوزه"، ومرة مرت سيارة لوري وقطعت السلك، ومرة "عطلت المولدة"، ومرة "بنزين ماكو" لم يتم تجهيزنا هذا الشهر، وووو!.
بعد الكهرباء تأتي "بلوة الماء"، الماء ينقطع لساعات عديدة، يخرج الأهالي رجالا ونساءً وأطفالا ومعهم "جلكاناتهم وتناكيهم وترامزهم وفليناتهم"، لوحة عراقية شعبية بائسة مقيتة، لابد من وجودها، وبعكسها يتوجب السهر والمناوبة طيلة الليل بانتظار قطرة ماء!.
"المشكلة الأطرف" هي العودة الميمونة للماء، فأيّ ماء؟، "خياس"، نعم مياه أسنة لا تشربها حتى البهائم!.
صور لا تنتهي
يقول ماجد رسن، موظف حكومي، مشكلة الأهالي مع سوء الخدمات هي قصص مأساوية لا تنتهي، ولا نرى في الأفق حلا لها، بل على العكس القصص تتفاقم وتتكاثر، ومشاكلنا معها تتسع، فمن لحظة خروج المرء من بيته يصدم بتشكيلات من صور سوء الخدمات، انظر إلى النفايات المكدسة، أكوام غدت تلولا وروائحها نتنة، ناهيك عن الأمراض، هذا ليس في حينا، جسر ديالى، بل تجدها في غالبية الأحياء الشعبية، كما أن الشوارع مليئة بالحفر وطفح مياه المجاري والروائح الكريهة، وقبل كل هذا الكهرباء والماء في أسوأ حالتيهما.
وأضاف: كثيرا ما سمعنا وشاهدنا مظاهرات واحتجاجات واعتصامات ومطالبات وشكاوى وتذمر وإحالة فلان الفلاني الى القضاء، وأمر المسؤول الفلاني باجراء تحقيق، ولكن القبض من دبش!.
مثال آخر
حي الكفاءات من الأحياء السكنية التي ظهرت في أطراف بغداد منتصف العقد التسعيني من القرن الماضي حيث تم فرز أراضيها في المنطقة المحصورة بين منطقة الشماعية والعبيدي وتوزيعها على الضباط والكفاءات الذين لم يرغبوا في السكن فيها فاشتراها منهم ذوي الدخل المحدود، وسكنوا فيها.
وتعاني المنطقة التي باتت عامرة بالبيوت الحديثة من إهمال شوارعها التي ظلت بدون تبليط، وهناك بطء في العمل الجاري لاصلاح شبكة الصرف الصحي فيها، اضافة الى سوء خدمات عديدة.
حاجتنا إلى مركز إطفاء
يقول المواطن عبد الحسين حسن - متقاعد رغم ان الاعمار بدأ فيها بشكل واضح بعد سقوط النظام في عام 2003 الا أن المدينة ظلت تعاني من الكثير. فالشارع الذي يربطها بالشماعية او العبيدي فيه مطبات وحفر كبيرة مما جعل الوسيلة الوحيدة للنقل هي سيارات "الواز" وعلى مرحلتين للوصول الى مدينة الصدر او شارع بعقوبة القديم حيث منطقة العبيدي.
وأضاف: المنطقة بحاجة الى تبليط ازقتها وشوارعها الرئيسية ورغم وجود ثلاث مدارس ابتدائية ومركز صحي لكن الحي يحتاج الى مدرسة ثانوية، وأيضا بحاجة ماسة الى مركز إطفاء، فهو غير موجود لا في الحي ولا في المناطق المحيطة بالمنطقة الواسعة، كما تعرضت المنطقة لبعض الحوادث، مرة تعرضت خزانات الكلـور في محطة مياه المنطقة الى انفجار وكانت عملية وصول سيارات الإطفاء صعبة لأن معظم الطرق في هذه المنطقة تشهد قطوعات وحواجز كونكريتيه علما ان كثافتها السكانية قياسا الى الأحياء المجاورة كبيرة جدا.
وعود في وعود
أما حسين موسى - المكتب التنفيذي لاتحاد نقابات العمال فقد أكد على ضرورة الاهتمام بانجاز شبكة الصرف الصحي الوقوف على الأسباب المعطلة لعدم اكتمال مستشفى بغداد، وتوقف العمل فيه وهو من المستشفيات الكبيـــرة ذات سعة 944 سرير، وكان مقررا له أن يفتتح في بداية عام 2003!!.
وأضاف: ننتظر انجاز الشارع الرابط بين المستشفى وتقاطع 4 نيسان وهو من الشوارع الرئيسية والمخطط لانجازها منذ أعوام عديدة. إننا نطالب المجلس البلدي في 4 نيسان بتفعيل دور المجلس المحلي في المنطقة من حيث متابعة نقص الخدمات والإشراف على طبيعة عمله لا أن نبقى ننتظر وعودا فقط دون تنفيذ وتفعيل دوره بالتعاون مع متطلبات المواطنين.
بحاجة الى سوق
يقول المواطن شعلان حرج: ان اهم المطالب الملحة هي التبليط والمجاري وربط المنطقة بشارع رئيسي، وأيضا مطلوب من أمانة بغداد إنشاء سوق عصري في المنطقة وتأجيره لأن التسوق يرهق ربات البيوت بالذهاب الى مدينة الصدر او العبيدي، وظاهرة وجود السوق لها مردود ايجابي من الناحية المادية والجمالية للبلديات، وكذلك عند تأجيرها للأرامل وأصحاب الدخل المحدود.
أين السياج يا مقاول؟
علي عبد الحسين - طالب - اضاف: يوجد هنا ملعب خماسي جيد وفيه تأسيسات للانارة ولكن للأسف الشديد اخذ المقاول الأسلاك الشائكة التي تشكل سياجا عاليا على أمل تبديلها ولم يعيدها بالإضافة إلى أن أرضية الملعب مازالت مغطاة بالحصى ونأمل من امانة بغداد تأهيله لقضاء اوقات فراغنا في ممارسة اللعب.
ليست صعبة
اما المواطن ابو حسين فقد تحدث عن مطالب حي الكفاءات ووصفها بأنها ليست صعبة وعلى دائرة بلدية الغدير والمجلس البلدي التعاون على انجازها حيث ان الحي هو من الأحياء الجديدة وبالتالي من بديهيات تلك الدوائر معرفة احتياجات الأحياء الحديثة والرسمية من شبكة مياه صالحة للشرب وشبكة الصرف الصحي وتبليط الشوارع والأزقة والإنارة ففي أحيان عديدة يصعب دخول سيارات التنظيف الخاصة بأمانة بغداد.
و مثال آخر..
المحمودية مدينة وقضاء تقع جنوب مدينة بغداد, وتعد من أطرافها, حيث ان مساحتها تصل إلى 1400 كيلو متر مربع, ويصل عدد سكانها وحسب إحصاءات 2006 إلى 550,000 , اذ يتركز اغلبهم في مركز القضاء, لكن هذه المنطقة رغم إستراتيجية موقعها, وتاريخها العريق إلا أنها تعاني من سوء الخدمات, والمتمثل بالماء والكهرباء وتراكم النفايات, وان أهالي المحمودية مستاءين من تردي تلك الخدمات، ومن تدهور الوضع الذي يعيشونه, وان من أكثر ما تعانيه بعض المناطق هي وجود مبزل مار بالقرب من منازلهم, وهذا بالنسبة لهم يعد مشكلة عظمى وتحتاج إلى حل سريع.
المواطنة ام جمال "40عاما" تقول "نعاني من مشاكل عديدة, ومن أبرزها مشكلة وجود مبزل امام منازلنا , وللأسف لم نجد اهتماما ملحوظا من قبل المسؤولين, ولم تهتم بلدية المحمودية ولا دائرة المجاري بهذه المشكلة بشكل جدي ,وان هذا المبزل هو ملتقى مجاري البيوت القديمة؛ "العرصة" القريبة من النهر, مما أدى الى تراكم النفايات والأوساخ مما زاد الطين بله.
وبصدد هذه المشكلة يضيف ابو سالم "50عاما":"ان قضاء المحمودية يعاني من إهمال وتقصير في الخدمات, فتأخر تأسيس شبكة المجاري أدى الى طفح مياه الإمطار لأن الأهالي يسلطون مجرى الحمامات على المبزل الموجود قرب بيوتهم, مما أدى إلى تجمع الحشرات السامة كالبعوض والبرغش, الذي يتطاير لبيوتنا, وينقل الإمراض الينا,وأيضا يؤثر على الرئتين عند استنشاق رائحته الكريهة, وقد سئمنا من ذلك فهي حالة سيئة وتضر بصحتنا وصحة أطفالنا.
ومثال آخر وآخر!
يستغرب غازي فيصل "سائق تكسي" من ما وصل حال العراق اليه لا سيما في مجال القطاع الصحي وما يعانيه من تردي الخدمات الصحية في المستشفيات الحكومية وصعوبة الحصول على العلاج بشكل كامل من المراكز الصحية وتفاقم أزمة الحصول على علاج فعال او كما درج على تسميته بـ "علاج اصلي"، اضافة الى عدم تشييد المستشفيات الجديدة منذ تسعينيات القرن الماضي برغم تزايد أعداد السكان الى اكثر من 32 مليون نسمة بحسب ما يقول به السياسيون في الانتخابات عندما يريدون زيادة التمثيل البرلماني فيما لم يدر في خلد احدهم او حساباته او برنامجه الانتخابي بناء مستشفى جديد، وهذا ما يعانيه الفقراء الذين يقع عليهم العبء الأكبر من انعدام الخدمات الصحية فمازال من الصعب عليهم وفي كثير من الأحيان علاج انفسهم او علاج ابنائهم في حال تعرض أي منهما الى ما يستدعي العلاج فيما نجد بعض المسؤولين في حال تعرض احدهم الى وعكة صحية مهما كانت بسيطة يهرعُ للمطار للسفر إلى ألمانيا أو بريطانيا أو أمريكا، فيما يجد فقراء العراق الكثير من المطبات وقد يضطرون إلى التخلي عن حقهم في الحصول على العلاج بسبب العوز والفقر وتقادم الأجهزة الطبية، وعدم مواكبتها للتطور الذي عرفه ووصل إليه الغرب، فيما القطاع الصحي ظل يراوح في مكانه ثابتا ولم يتفاعل مع الخريطة الصحية في بقية دول العالم.
استمرار مظاهر الرشوة والفساد
ما لا يمكن تصديقه ما وصل اليه خطر تنامي حجم الفساد والرشوة والابتزاز في المستشفيات الحكومية
ويرى ماجد حامد "مريض بالقلب" ان ما لا يمكن تصديقه ما وصل اليه خطر تنامي حجم الفساد والرشوة والابتزاز المستشري في المستشفيات الحكومية لاسيما ما يمارسه بعض ممن حسبوا في غفلة من الزمن على الأطباء فهؤلاء لا يشغلهم الا كيف يبتزون المرضى ويساومون أسرهم أثناء الفحص وإعادة المراجعة أكثر من سبع مرات وصولا الى إجراء العمليات الجراحية التي قد لا يحتاج اليها المريض ولكن ما تدره عليهم العملية من أموال هو المهم، فهناك حالات لا يتم فيها إدخال المريض الى صالة العمليات لأن أسرته لم تؤد الثمن المتفق عليه مع الطبيب أو أدت أقل من القدر المالي المتفق عليه، وهي ظاهرة انتشرت كثيرا في المستشفيات الحكومية رافقها انتشار مظاهر الفساد المالي ومن ضمنها الرشوة والعمل خارج المستشفيات أو الطلب من المريض ان يراجع العيادة الخاصة للطبيب أو مراجعة المستشفى الفلاني الذي يعمل به، بل إن بعض الأطباء حولوا المستشفيات الحكومية إلى مجرد محطة لاستقبال المرضى قبل توجيههم نحو عياداتهم الخاصة بحجة عدم وجود التجهيزات الكافية إضافة إلى التلاعب في مواعيد العلاج بغرض حمل المريض على التوجه إلى عياداتهم.
أسعار الدواء.. نار
ويؤكد ابراهيم الكناني ان أسعار الدواء في العراق تعد الأعلى مقارنة مع مثيلاتها في الدول المجاورة فسعر الدواء في العراق أعلى بنسبة تتراوح بين 300 إلى 500 في المائة مقارنة مع دول المنطقة، بل وحتى الهند بالنسبة للأدوية الأصلية، فيما ظلت وزارة الصحة تتعهد بخفض ثمن الدواء من دون أن تتمكن من ترجمة هذه الوعود إلى حقيقة على أرض الواقع، فيما أصبحت الأدوية المجانية بالنسبة لبعض الأمراض المزمنة مثل السكري والضغط والقصور الكلوي تباع لدى الصيدليات والصيدليات الوهمية للمضمدين والممرضات.