الهند.. تصاعد مؤشرات التنسيق في مواجهة الصين

رشيد غويلب
منذ وصول اليمين ممثلا بحزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي بزعامة "مودي" الى سدة الحكم في الهند، تتصاعد مؤشرات جهود البلدان الغربية، وحلفائهم في اليابان واستراليا الرامية الى جر الهند وانخراطها في مشاريع مواجهة جمهورية الصين الشعبية، وخصوصا في مجالي الاقتصاد والتسلح.
وفي هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية الالماني "فرانك -فالتر شتاينماير"، التي بدأها السبت الفائت الى العاصمة الهندية نيودلهي، "بهدف تعزيز التعاون الإقتصادي والسياسي". وفي الملف الاقتصادي تحاول المانيا والاتحاد الاوربي البحث عن بدائل، وتعويض الشركات عن تداعيات الازمة الاقتصادية، واضطراب العلاقة الاقتصادية والتبادل التجاري مع روسيا الاتحادية. وبالإضافة إلى ذلك، تهدف برلين الى تعاون وثيق في مجال السياسة الخارجية والعسكرية من شأنه ان يؤدي الى ربط الهند بالغرب وأحلافه العسكرية.
وتكتمل الصورة مع جهود رئيس الوزراء الهندي الجديد "مودي"، الذي ينشط حاليا لتعزيز تعاون بلاده في مجال السياسات الخارجية والعسكرية مع اليابان وأستراليا، الحليفان المهمان للغرب في منطقة المحيط الهادئ. والمعروف ان استراليا تقترب من الانظمام لحلف الناتو، في وقت تصعد اليابان من الصراع مع الصين.
ويرى المتابعون لزيارة الوزير الالماني، انه لا يسعى فقط لزيادة صادرات بلاده بشكل عام للهند، وانما يركز على عقد توريد طائرات مقاتلة إلى الهند، التي أعلنت منذ عدة سنوات، رغبتها في شراء 126 طائرة. وكانت الحكومة الالمانية قد تبنت بقوة مشروع انتاج "مقاتلات اليورو"، الذي يجري العمل فيه من قبل مجموعة من الشركات الألمانية والبريطانية والإيطالية والإسبانية.
ومن المعروف ان الحكومة الهندية السابقة قد قررت في عام 2012 التوجه لشراء طائرات "رافال" الفرنسية الصنع، واليوم تتردد انباء عن عزم حكومة "مودي" على تغيير وجهتها. واذا ما تحقق ذلك، فسيعني خسارة الشركة الفرنسية لعقد تصل قيمته 8 مليار يورو تقريبا. وسيمثل القرار خسارة شديدة لباريس، ومساهمة أخرى لإعادة توزيع النفوذ الاقتصادي والازدهار داخل الاتحاد الأوروبي. وقبل ان تتولى الحكومة الهندية الجديدة مهامها، نشط الدبلوماسيون الالمان في العاصمة الهندية بتقديم عروض ارخص من تلك التي قدمتها الشركة الفرنسية. وفي مقابلة اجرتها "جريدة "الهندي" مع وزير الخارجية الالماني قال نعتقد ان "مجموعة مقاتلات اليورو قد قدمت عرضا جيدا، ونحن ندعم ذلك".
وفي ضل التوازنات العالمية المتحركة، تلعب المصالح السياسية دورا اقوى من العقود التجارية، فالهند بلد شاسع لديه إمكانات هائلة، وخصوصا نموه السكاني، الذي وصل 1.2 مليار نسمة، ومؤشرات النمو الاقتصادي التي يمكن أن تجعل منه عام 2050 ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، بالاضافة الى امتلاكه الأسلحة النووية، الذي يجعله إستراتيجيا منافس محتمل للصين، ولهذا يرى فيه الغرب شريكا مغريا. وعلى الرغم من سعي الهند الى دور مستقل في السياسة العالمية، وتعاونه مع الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا في اطار مجموعة "بريكس"، التي أسست اخيرا "بنك التنمية"، لكي تتحرر من المؤسسات المالية الغربية التي يهيمن عليها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ولكن خبراء يشيرون الى امكانية نجاح الغرب في سحب الهند الى جانبه، مستفيدا من النزاعات الحدودية مع جمهورية الصين الشعبية، والتي ما زالت تؤدي الى توترات بين البلدين.
يضاف الى ذلك توجه رئيس الوزراء الهندي الجديد في السياسة الخارجية، والمبني على دور اكثر فعالية وعدوانية، مقارنة بالحكومة السابقة، وهذا ما استنتجه متابعون من زيارته، لكل من اليابان واستراليا. ففي محادثاته في طوكيو تم الاتفاق على عقد اجتماعات دورية لنواب وزراء الخارجية والدفاع، و اجراء مناورات مشتركة من أجل السيطرة على الطرق البحرية. ويأتي هذا في وقت تتخذ فيه اليابان المزيد من المواقف المتشددة تجاه الصين.
وخلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الاسترالي توني ابوت في نيودلهي، ردا على زيارة نضيره الهندي، تم الاتفاق على اجراء مناورات بحرية هندية - استرالية. وفي مقالة نشرتها جريدة "الهندي" بقلم الضيف الاسترالي نقرأ ان "كلا البلدين لديهم مصلحة في استمرار التزام الولايات المتحدة الامريكية تجاه بلدان المنطقة". وعززت استراليا من علاقاتها مع التحالف العسكري الغربي، خلال قمة الناتو، التي انهت اعمالها الاسبوع الماضي، وهي تناقش الآن امكانية انظمامها اليه. ومع تعزيز علاقات الهند مع اليابان واستراليا، فانها تقترب أكثر وأكثر من المنظومة الغربية، بما في ذلك احلافها العسكرية.