- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 06 كانون2/يناير 2015 19:13
رشيد غويلب
في الحادي والعشرين من الشهر الفائت شارك مئات الآلاف في ايطاليا في تظاهرات الاحتجاج ضد سياسات التقشف، التي تفرضها البلدان المتنفذة في منطقة اليورو منذ سنين، والتي اوقفت الانتاج في عدد لا يحصى من المصانع، وشلت تقريبا حركة السير المحلي والبعيد في البلاد.
واعلنت النقابات خروج اكثر من ربع مليون مشارك للتعبير عن غضبهم. وجاءت التظاهرات على خلفية خطط "إصلاح سوق العمل" التي ينوي رئيس الحكومة ماتيو رينزي تنفيذها. وتستنسخ هذه "الاصلاحات" أنموذج الليبرالية الجديدة المطبق في المانيا والمعروف بـ"أجندة 2010"، ولهذا كانت التظاهرات ايضا احتجاجا على الدور السيئ الذي تستمر حكومة المستشارة الالمانية ميركل في ممارسته، من خلال اصرارها على المضي في فرض برامج التقشف الجائر على بلدان الازمة في الاتحاد الاوربي. وسبق لميركل غداة التظاهرات، ان وجهت نقدا لسياسة رينزي، واعتبرتها غير كافية، وطالبت زميلها الايطالي بمزيد من الجور في فرض التقشف. وفي السياق نفسه اضطر الرئيس الفرنسي اولاند، في منتصف الشهر الحالي للاعلان عن خطة تخفيضات هائلة في الانفاق الحكومي، حتى عام 2017 ، تبلغ قيمتها 50 مليار يورو، وتقديم تسهيلات ضريبية للقطاع الخاص تبلغ قيمتها 30 مليار يورو، وقد رحبت برلين بهذا الاعلان.
ضحايا على مذبح الليبرالية الجديدة
شهدت باريس في آب الفائت ضغطا كبيرا من القواعد الشعبية، دفع وزير الاقتصاد الفرنسي الى الرد العلني والصريح، ففي حوار أجرته معه جريدة لوموند الفرنسية ، قال: "اذا كان علينا التكيف مع عقيدة اليمين الألماني المتشدد، فهذا يعني ان الفرنسيين عندما يصوتون لليسار- يعني حزبه الاشتراكي الحاكم فأنهم سيصوتون لتنفيذ برامج اليمين".
وعلى اثر هذه التصريحات كان على الوزير مغادرة منصبه، وقد علقت وسائل الاعلام على ما حدث : "تمت التضحية بالوزير من اجل المانيا".
ولم ينحصر النقد في النقابات وقوى اليسار،ففي اللقاء السنوي لحملة جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي عقد في مدينة لانداو الالمانية، وحضرته المستشارة ميركل، تعرضت خلاله الى نقد حاد، كما تشير جريدة "العالم" الواسعة الانتشار، واكد نقد خبراء الاقتصاد ان سياسة التقشف التي تفرضها المانيا ستجعل الاتحاد الاوربي يعيش ركودا لسنوات طويلة، فيما دعا خبير آخر حكومات اليونان، اسبانيا، والبرتغال الى التفكير جديا في الخروج من منطقة اليورو.
شبيبة بلا مستقبل
وما زالت اوضاع الشبيبة في البلدان المتضررة من الازمة دراماتيكية، ففي ايطاليا على سبيل المثال تصاعدت معدلات البطالة من 6.1 في المائة في عام 2007 الى 13.2 في المائة في تشرين الاول 2014 . وفي الصيف الفائت اعلنت دائرة الإحصاء ان 16.6 في المائة، اي ما يعادل اكثر من 10 ملايين يعيشون تحت مستوى الفقر، اما نسبة الذين يعيشون في فقر مدقع، فقد ارتفعت من 6.8 الى 7.9 في المائة، اي ما يعادل 5 ملايين تقريبا. وبحسب منظمة "الكريتاز" التابعة للكنسية الكاثوليكية، فان نسبة البطالة بين الشبيبة تضاعفت تقريبا، ووصلت في عام 2014 الى 44.2 في المائة. وتضاعف ايضا عدد الذين غادروا البلاد للبحث عن العمل، وهي معطيات بدأت تحتل الاولوية في اهتمام خبراء الاقتصاد، وأخذوا يحذرون من فقدان جيل كامل في سوق العمل، وجيل لم يعتد على روح الانضباط في المصانع، وبالتالي يصبح غير مرغوب فيه من قبل الرأسماليين، ويشمل هذا الامر رجال الاعمال الشباب، وبالتالي نحن ازاء عملية حرق لطاقات المستقبل.
وتنعكس التطورات الاقتصادية في هذه البلدان على توازن القوى في الساحة السياسية. وهذا ما عكسته استطلاعات الرأي في كانون الاول 2014 ، التي اجريت في اليونان، والتي وضعت حزب اليسار في المرتبة الاولى. واليونان هو البلد الاكثر تضررا من الازمة، ومن تداعيات التقشف الجائر: فهناك 2.5 مليون يوناني، من اصل مجموع السكان البالغ 11 مليونا، يعيشون تحت مستوى خط الفقر، وعليهم ان يعيشوا بدخل شهري لا يتعدى 425 يورو في الشهر. وهناك ايضا 3.8 مليون مواطن يواجهون خطر الوقوع تحت براثن الفقر.
وفي اسبانيا تصاعد الفقر ومعدلات البطالة بشكل هائل، وادى ذلك الى صعود مفاجئ لحزب "نحن قادرون" اليساري الحديث التشكيل، والخارج من قلب حركة "الغاضبون" الاحتجاجية، في استطلاعات الرأي. وحتى في البلدان غيرالشديدة التأثر بالأزمة، انطلقت في منتصف كانون الاول 2014 في بلجيكا موجة إضرابات عمالية شلت الحياة اليومية في البلاد.