بحر العلوم، وداعا .. سيدنا العزيز*

بوفاة السيد العلامة الدكتور محمد بحر العلوم خسر العراق واحدا من القادة السياسيين العراقيين البارزين، الذين لعبوا دورا مشهودا في مقارعة الدكتاتورية والاستبداد ، وفي السعي لبناء عراق جديد يتمتع شعبه بالحرية والاستقرار ، والقدرة على اعادة بناء الوطن اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وبما يؤمّن لابنائه وللاجيال القادمة عدالة توزيع ثرواته، والعيش بدون تمييز واضطهاد، في ظل دولة مؤسسات واحترام للقانون ولحقوق الانسان ، وفي اجواء تعاضد وتعاون واحترام متبادل بين ابنائه جميعا.
لقد كرس السيد بحر العلوم مبكرا جهودا استثنائية لتوحيد صفوف المعارضة العراقية، على اختلاف تياراتها الوطنية : الاسلامية ، والقومية العربية والكردية ، واليسارية والديمقراطية ، والليبرالية ، وتوحيد جهودها في اطار تحالف جبهوي فعال ، ينظم نشاطاتها وفق برنامج كفاحي لانقاذ الوطن وتخليصه من سياسات القمع الدموي المنفلت ، وجرائم الحروب العدوانية التي فرضها النظام الدكتاتوري المقبور على شعبنا وجيراننا ، وعلى السلام العالمي .
وكانت اتصالات العلامة بحر العلوم وحركته الدؤوبة بين اطراف المعارضة تحظى بالتقدير والاحترام، لما لخطابه المعتدل الوسطي من قوة تأثير ، ولما يتصف به من طيب معشر وعلاقات حميمة وروح شفافة ، وحسن تعبير عما يحتاجه شعبنا لتجاوز محنته وضمان تقرير مصيره ، وللخلاص من الازمة العميقة التي تلف الوطن ، وما يتطلبه ذلك من تجاوز للخلافات الثانوية والتباينات الجزئية والمناكدات، والتركيز على ما هو رئيسي واساسي ينسجم مع مصالح الوطن العليا .
لقد كانت مرونة وواقعية السيد بحر العلوم عاملا محفزا ومشجعا لاجتماع الشمل ، والبحث عن المشتركات والحلول الوسط لتقوية بأس وفاعلية معارضة شعبنا لقوى الطغيان ، ولكسب التضامن والدعم الدولي لقضيتنا العادلة .
وبصرف النظر عن الاختلافات الايديولوجية كان السيد بحر العلوم يبحث ببعد نظر عما يوحد القوى السياسية الوطنية من اهداف، تنقذ البلد من الكارثة التي تحدق به ، وتتسبب في شرذمته ، وفي تفكيك وحدته الوطنية ، وتمزيقه بالدمار والخراب والحروب الطائفية والاهلية .
كان الفقيد داعية للحوار والتفاهم طريقا للتوصل الى حلول للمعضلات التي تواجه الوطن ، وللخلافات بين الفرقاء السياسيين ، والتشديد على انه بالوحدة وتضافر الجهود يمكن تأمين النجاح في بناء عراق جديد يرفل بالسلام والوئام واحترام حقوق الانسان العراقي.
بعد سقوط الدكتاتورية وحصول التغيير عمل العلامة بحر العلوم مع العديد من زملائه لاستعادة استقلال العراق وسيادته، وبناء علاقات خارجية متكافئة وعلاقات جيدة مع الجيران، على اساس من الاحترام المتبادل والتعاون والمنافع المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية . وسعى الفقيد الراحل بكل جهده وحتى آخر يوم من حياته لانهاء حالة الفوضى السياسية والاقتصادية التي يعيشها البلد ، وتحقيق الاستقرار والامان والاوضاع الانسانية الطبيعية ، بعيدا عن التزمت والتشدد والتطرف ، وعبر تفعيل احكام الدستور وبناء المؤسسات واعتماد الكفاءات ،?وترسيخ هيبة الدولة ودورها عبر محاربة الارهاب والفساد والجريمة المنظمة .
وعاش المرحوم السنوات الاخيرة من حياته وهو يعاني القلق على مصير الوطن مما آلت اليه امور الادارة السياسية للبلد من سوء تدبير ، ومن جفاء وتوتر وتنافس بين قوى العملية السياسية ، وما يسببه كل ذلك من تدهور في العلاقات السياسية ، وشلل في الحياة الاقتصادية ، وفوضى في الاوضاع الاجتماعية والثقافية . وبذل الفقيد الكثير من الجهد ، وبحركة متواصلة ودؤوبة، من اجل اصلاح الحال وتغيير الاوضاع بما ينسجم مع الاهداف التي قامت عليها العملية السياسية وجسدها الدستور .
لكن الشكوى من تردي اوضاع البلد لم تُفقد الراحل روح التفاؤل ، ولم تجعله يكف عن البحث عن المعالجات الضرورية، او يتخلى عن القناعة بامكانية حصول الافضل . وقد تجلت روحه الايجابية المنفتحة والمتفائلة في المساعي الخاصة التي اقدم عليها والمبادرات الشخصية، لبناء صرح معهد العلمين في النجف - المؤسسة التعليمية العصرية والحضارية والعلمية لنشر المعرفة والعلوم المختلفة في الطب والصيدلة وهندسة الطاقة والاقتصاد وغيرها بين ابناء بلده، بهدف تنوير العقول، والمساعدة على ازالة غشاوة الجهل والتخلف ، وبعث الامل في قدرة شعبنا ع?ى التقدم والبناء ومواكبة متطلبات العصر .
واخيرا فان عزاءنا ونحن نفقد العلامة بحر العلوم يكمن في ثقتنا بمواصلة ابنائه البررة: الدكتور ابراهيم والسيد محمد حسين والسيد محمد علي النهج ذاته والتقاليد الايجابية التي سارت عليها مدرسة المرحوم بحر العلوم السياسية، لبناء عراق مدني ديمقراطي اتحادي موحد ، مستقل وكامل السيادة .
الذكر الطيب والاحترام الدائم للفقيد العزيز
*حميد مجيد موسى
سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة المواطن 17/5/2015