نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية

عرض: كاظم فرج العقابي
الكتاب الموسوم بالعنوان اعلاه رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الآداب جامعة بغداد ، للباحث موفق خلف غانم وقد صدرت في كتاب عن دار الرواد المزدهرة في طبعة اولى عام2014 .
يقع الكتاب في 226 صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمة واربعة فصول وخاتمة.
يشير الباحث في مقدمة رسالته ، ان اختيار نزيهة الدليمي ودورها في الحركة الوطنية والسياسية العراقية للفترة من 1924 - 2007 موضوعا لرسالته جاء نظراً لاهمية الدور الذي ابدته شخصية البحث ، ليس على مستوى وصولها الى المنصب الوزاري فحسب بل لدورها المتميز والرائد في تطوير الحركة النسوية ونشاطها في الدفاع عن حقوق المرأة العراقية فضلا عن نشاطها في صفوف الحركة الوطنية منذ اربعينات القرن العشرين حتى وفاتها عام 2007.
الفصل الاول يحمل عنوان اوضاع المراة العراقية ومراحل تطورها 1918-1924 وقد قسم على ثلاثة مباحث تناولت العوامل التي ساعدت في حركة النهضة النسوية في العراق
يخلص الباحث في نهاية المبحث الاول الى ان دخول المرأة في مجال التعليم والتوسع فيه له اثر فاعل في تنامي وعيها الاجتماعي والسياسي بضرورة المطالبة بحقوقها المسلوبة لكن هذه المطالبة لم تكن لتتحقق لولا مساندة بعض اصحاب الفكر التنويري من علماء الدين والادباء والشعراء والفنانين، اذ بذلوا ما في وسعهم لخدمة قضية المراة على الرغم من ردود الفعل الكبيرة التي واجهوها من المجتمع بمختلف شرائحه.
اما المبحث الثاني فقد تناول دور بعض الرجال لا سيما علماء الدين والشعراء في مساندة المرأة من اجل نيل حريتها واستقلالها وكان من ابرزهم المرجع الديني العلامة محمد حسين النائيني حيث دعا الى تغيير بعض القوانين واساليب الحكم، وكان يرى بان الاسلام لا يتسامح في اهمال القادرين من المسلمين على تعليم المرأة حيث اكد ان العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. وكان للشعراء دورهم في هذا المجال فالشاعر جميل صدقي الزهاوي كان له الدور الكبير في فتح اول مدرسة للاناث في العهد العثماني عام 1899 وهي مدرسة رشيد مكتبي، كما ان اغلب قصائده عبرت عن آرائه الداعية الى تحرير المراة وتخليصها من القيود الاجتماعية، كما اثمرت دعوته تأسيس اول ناد نسوي في العراق وهو نادي النهضة النسوية وقد ناصره الرصافي في فكرة التأسيس عام 1923وتصدى لمعارضيه فكان الرصافي خير سند لزميله الزهاوي في مناصرة تحرير المرأة العراقية. ويؤكد الباحث ان مناصرة هذه النخبة للمرأة من الشعراء ورجال الدين المتنورين قد ساهمت في تقدم نهضتها وبروزها كقوة في المجتمع العراقي، وقد ازدادت المرأة اصرارا على تحقيق مطالبها اثر دخول افكار جديدة الى العراق في العقد الثاني من القرن العشرين تلك الافكار التي غيرت كفة المعادلة لصالح قضية المرأة لا سيما ان اصحابها قد جاهروا علانية في قضية تحرير المرأة وضرورة نزولها الى ميادين العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ومن ابرز من دعا الى تلك الافكار هم اصحاب الفكر الماركسي.
في حين تطرق المبحث الثالث الى اثر الفكر الماركسي في مسيرة المرأة العراقية ويستعرض الباحث في مستهل هذا المبحث النظرية الماركسية بصورة عامة وموقفها من قضية المرأة وارتباطها الوثيق بتحرير المجتمع من كل اشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والديني، ثم يسلط الضوء على دور حسين الرحال وحلقته الماركسية عبر كتاباتهم في مجلة الصحيفة التي اسهمت في تغيير مسار عملية تحرير المرأة، اذ انهم اخرجوا قضيتها من مجرد دعوات متفرقة الى حملة واسعة تمت عقلنتها وتقديمها لجعلها مطلبا من مطالب العملية التاريخية، ولم يكن هذا التاثير مقتصرا على الرجال الذين اسهموا في دعمهم لتلك الافكار المنادية بضرورة اشراك المراة في الحياة العامة واخراجها الى معترك الحياة بكل جوانبها، بل كان للمرأة العراقية ممثلة بالدكتورة نزيهة الدليمي دور في هذا الجانب.
الفصل الثاني- المبحث الاول: بدايات التكوين لنزيهة الدليمي ونشاطها السياسي المبكر 1924-1957
في المبحث الاول يتطرق الباحث الى نشأتها ومسيرتها التعليمية، فقد ولدت نزيهة جودة اشكح الدليمي في بغداد في الاول من تموز عام 1924 وهي الابنة البكر لعائلة مكونة من سبعة افراد (4 ابناء و3 بنات) اما المستوى المعيشي للاسرة فكانت ذات دخل متوسط وذلك لان والدهم السيد جودة كان يعمل مفتشا في اسالة ماء بغداد وكان جل اهتمامه منصبا على التنمية الثقافية لأبنائه وتطوير قدراتهم على المناقشة والتساؤل، وغرس الروح الوطنية في نفوسهم فكان من فئة الرجال المتنورين والمتأثرين بالافكار التحديثية.
دخلت نزيهة الدليمي مدرسة تطبيقات دار المعلمات عام 1930 واثناء وجودها في المدرسة تأثرت باحدى معلماتها وهي (سعدية سليم) التي كانت تدعو في تدريسها الى التحرر والانفتاح كشرط اساسي لبناء مجتمع حديث ومتطور يكون للمرأة دور فيه فأثرت تلك الكلمات في بناء شخصيتها وبروزها بين طالبات المدرسة. ان سنوات دراسة نزيهة الدليمي الابتدائية والمتوسطة للفترة من 1930-1939 كانت مليئة بالتطورات السياسية والاجتماعية الداخلية والخارجية، كما شهدت تلك الفترة حدثا مهما تمثل بالانقلاب العسكري الذي قاده بكر صدقي عام 1936 بتأييد ومؤازر? جماعة الاهالي. وبعد اكمال دراستها الابتدائية والمتوسطة انتقلت نزيهة عام 1939 الى الثانوية المركزية للبنات لاكمال دراستها الاعدادية وتزامن ذلك مع اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939-1945 التي احدثت تاثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية على مختلف فئات الشعب العراقي،وفي السنة الاخيرة من دراستها حدثت حركة عسكرية في الاول من نيسان عام 1941 (حركة رشيد عالي الكيلاني) فاعتقد الكثير من ابناء الشعب العراقي ومنهم الطالبة نزيهة الدليمي بانها نهاية الوجود البريطاني في العراق، وعندما نزلت الطالبة نزيهة الى ساحة المدرسة لتهتف ضد الاستعمار البريطاني استدعتها مديرة المدرسة صبيحة ياسين الهاشمي ونصحتها بالابتعاد عن السياسة لانها تقضي على من يمارسها، كانت نزيهة الدليمي مندفعة بتاثير الحدث اذ انها لم تفهم معنى كلمة السياسة ولا تعرف حسب ما ذكرت في احدى المقابلات معها بان الهتاف ضد الانكليز سياسة وكان هذا اول نشاط سياسي علني تمارسه نزيهة، في العام الدراسي 1940-1941 تخرجت نزيهة بمعدل 5. 72 ما اهلها الى الدخول في الكلية الطبية الملكية، وقد ساهم دخولها الحياة الجامعية في الاحتكاك بقطاع الطلبة حيث اصبح لهم دور مؤثر في صياغة الاحداث السياسية، ويستطرد الباحث: في خضم الاجواء المشحونة انذاك سياسيا عاشت نزيهة مرحلة الدراسة الجامعية وتاثرت بحلقات النقاش السياسية التي كانت تدور بين الطلبة، كما انها كانت تشارك في النقاشات والحلقات وبدأت تتآثر بآراء زملائها من ذوي الافكار والميول التقديمة الديمقراطية.
المبحث الثاني: نشاطها في الجمعية النسائية لمكافحة النازية والفاشية
ان ظروف الحرب العالمية الثانية افرزت مواقف متباينة بين القوى والتيارات السياسية على الساحة العراقية التي تمخض عنها تاسيس اول جمعية نسائية ذات صبغة سياسية عام 1942 وهي (الجمعية النسائية لمكافحة النازية والفاشية) وقد تعرفت نزيهة على نشاط هذه الجمعية خلال دراستها في كلية الطب عن طريق زميلتها فكتوريا نعمان وحضرت احدى ندواتها في حزيران 1943 على قاعة كلية الحقوق وكان تاثير تلك الندوة كبيراً عليها اذ تذكر:" فتحت المحاضرة عيني على امور كثيرة حول النازية..." وبعد زوال خطر النازية وانهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بانتصار الحلفاء على دول المحور انسحب نشاط الجمعية النسائية، لكن سرعان ما اعيد نشاطها في تشرين الثاني 1945 وكانت نزيهة ضمن المشاركات في هذا المؤتمر واستبدل اسمها الى جمعية الرابطة النسائية في العراق وانتخبت عفيفة رؤوف رئيسة لها وتم الاتفاق في المؤتمر على اصدار مجلة بعنوان (تحرير المرأة).
بعد انتساب نزيهة الدليمي الى الجمعية المذكورة عام 1942 ومشاركتها في كافة فعالياتها اصبحت من العضوات البارزات ولدورها المتميز انتخبت ضمن الهيئة الادارية للجمعية (جمعية الرابطة النسائية). وقد تزامن نشاطها مع ظهور حزب التحرر الوطني حيث كان له حضور ملموس بين الطلبة لذا قررت الانتماء له، وبعد اجتماع واحد في تنظيم الحزب اخبرها المسؤول بان وزارة الداخلية لم تمنح اجازة للحزب لممارسة نشاطه لذا قررت الانتماء للحزب الشيوعي العراقي عام 1947 وبعد عام من العمل السري منحت شرف العضوية عام 1948 وفي محاضرة لها في البيت الثقافي العراقي في هولندا قالت: (لو ولدت ثانية لسلكت نفس الطريق، لان هذا الطريق كانت فيه سعادتي، سعادتي في الكفاح ضد من ارادوا التخلف والتقهقر لمجتمعنا) وبسبب نشاطها السياسي انهيت اقامتها في المستشفى الملكي وجرى نقلها الى مستشفى الكرخ وبعد مدة قصيرة ابعدت الى لواء السليمانية ومنها الى كربلاء كمحاولة من قبل الحكومة لاضعاف نشاطها السياسي. ان انتقالها وتنقلها في مناطق مختلفة من العراق رسم صوراً عن الاوضاع المتردية التي يعاني منها الناس لا سيما ان مجال عملها كطبيبة كان على احتكاك مباشر مع حياتهم، ودفعها ذلك الى اعادة النشاط الى جمعية الرابطة النسائية، الا ان السيدة عفيفة رؤوف رئيسة الرابطة اعتذرت بسبب مشاغلها الوظيفية والاسرية ثم توجهت الجهود الى تأسيس جمعية جديدة باسم تحرير المرأة هدفها النضال من اجل السلم والتحرر الوطني والدفاع عن حقوق المرأة لكن السلطة لم توافق على منح الاجازة للجمعية المذكورة.
ويختم الباحث هذا المبحث بالفقرة التالية: لم تثن الاجراءات الحكومية الدكتورة نزيهة الدليمي ومن معها من النساء عن مواصلة النشاط الوطني ولم تحبط عزيمتهن سيما بعد ان حصلت جمعيتهن على تاييد جماهيري نسوي واسع من مختلف مناطق العراق ما دعا الى التفكير بتأسيس جمعية نسوية سرية بمسمى اخر تهدف الى تحقيق ما تصبو اليه.
المبحث الثالث: نشاط نزيهة الدليمي في الحركة الوطنية 1952-1957
1- دورها في تأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة اذار 1952
بعد رفض وزارة الداخلية طلب الدكتورة نزيهة ورفيقاتها بتأسيس جمعية تحرير المرأة التي انتخبتها كاول رئيسة للرابطة لدورها الفعال في مسيرة الحركة النسائية، اسهمت الجهود التي بذلتها الدكتورة نزيهة الدليمي في مؤتمر كوبنهاغن النسوي 1952 في اختيار رابطة الدفاع عن حقوق المرأة عضوا في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي بل اصبحت عضوا دائما في سكرتارية الاتحاد وانتخبت الدكتورة نزيهة عضوا في مجلس الاتحاد. كانت الرابطة قد عقدت كونفرنسها الاول بشكل سري عام 1954 شاركت فيه 54 مندوبة يمثلن 1000 عضوة في بساتين ضواحي بغداد وبالتحديد في جديدة الشط.
2- نشاط الدكتورة نزيهة الدليمي في تأسيس حركة السلم عام 1954، لقد ساهمت حركة انصار السلام في توحيد القوى الوطنية بجبهة اطلق عليها (الجبهة الوطنية المتحدة) التي اشتركت في الانتخابات النيابية في حزيران 1954 وحصلت على 11 مقعدا في المجلس النيابي، وكان لها مشاركات عديدة في المؤتمرات العالمية كمؤتمر السلام العالمي في ستوكهولم عام 1956، ويخلص الكاتب الى القول ان عمل الدكتورة في صفوف الحركة الوطنية كان عملا كبيرا سواء على مستوى الحركة النسوية أو في الحركات والمنظمات الجماهيرية أو في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، ذلك العمل الذي اثمر في توحيد القوى الوطنية في العراق بجبهة وطنية واسعة جبهة الاتحاد الوطني التي ساهمت في الاعداد والتخطيط لاسقاط النظام الملكي وقيام النظام الجمهوري في العراق وهو ما تحقق في صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958.
الفصل الثالث - المبحث الاول: تنامي دورها الوطني والسياسي في ظل صعود اليسار العراقي 1958-1964
المبحث الاول تناول نشاطها في الحركة النسوية العراقية، حيث شهدت الساحة السياسية العراقي عام 1958 تحولا تاريخيا بقيام ثورة 14/ تموز 1958 التي اطاحت بالنظام الملكي واعلان النظام الجمهوري وهذا التحول ساهم في تشجيع الكثير من المنظمات التي كانت تعمل سرا قبل الثورة على الظهور والعمل العلني، من تلك المنظمات رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية التي ظلت تمارس نشاطها سرا منذ تأسيسها عام 1952 حتى اعلان الثورة 1958.
ومن بين الانجازات الكبيرة التي ساهمت الدكتورة نزيهة في تحقيقها هو صدور قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959.
ويتطرق الباحث الى المؤتمر الثاني لرابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية الذي عقد في اذار عام 1960 (في هذا المؤتمر غيرت الرابطة اسمها الى رابطة المرأة العراقية) حضرته 432 مندوبة يمثلن 42 الف عضوة ولم يقتصر دور الرابطة على المواقف الوطنية فقط بل كان لها مواقف من القضايا القومية والعالمية لا سيما القضية الفلسطينية والتضامن مع الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي من اجل استقلاله وحريته.
وعقدت الرابطة مؤتمرها الثالث في اذار عام 1961 في ظروف صعبة بسبب تغير سياسة الحكومة من القوى اليسارية في العراق لا سيما الحزب الشيوعي العراقي حيث رفضت الحكومة طلباً تقدم به لمنحه اجازة للعمل، ولم تتمكن الرابطة في تلك الظروف من العمل بحرية بل ان اسلوب عملها كان يميل الى السرية اقرب منه الى العلنية بعد ان تعرضت الكثير من العضوات الى الملاحقة والاعتقال، وفي السابع من ايار عام 1961 صدر امر باغلاق اغلب المنظمات الجماهيرية التي لها صلة بالحزب الشيوعي، فاغلقت على اثره معظم فروع الرابطة الثلاثة والخمسين وطال المنع مراكز محو الامية والتدريب كذلك لم تمنح الرابطة اجازة لعقد مؤتمرها الرابع الذي كان من المقرر عقده عام 1962.
المبحث الثاني: نشاطها السياسي واثره في توليها الوزارة
تناول الباحث نشاط الدكتورة نزيهة الدليمي ابان ثورة تموز عام 1958 ويشير الى انها في تلك المدة كانت عضوا في اللجنة المركزية في الحزب ومسؤولة اللجنة النسائية في ل / بغداد وبحكم موقعها المتقدم في الحزب فانها على اطلاع بما يجري اذ تم اخبارها بالحدث وتسلمت التوجيه الحزبي.
في ساعات الفجر ليوم 14/تموز 1958 وعلى اثر سماع بيان الثورة الاول نزلت الدكتورة من بيتها الكائن في الاعظمية متوجهة الى الشارع العام هدفها تنفيذ تعليمات الحزب، وتقول في احدى المقابلات: وبعد عدة خطوات كنت وسط التظاهرات القادمة من الاعظمية ومن الكاظمية عبر الاعظمية وقبل ان اصل الى البلاط شاهدت سلام عادل وهو يرتدي سترة وبنطلونا وهذه هي المرة الاولى التي اراه بتلك الهيئة وليس بالملابس العربية التي كان يتنكر بها واخبرني بانه ارسل برقية باسم اللجنة المركزية تهنئة بانتصار الثورة وقال عليكم ان تنشطوا من اجل نشر شعارات الحزب في هذه التظاهرات" وكانت شعارات الحزب تصل الى الناس بالهتافات والهوسات المنطلقة من الحناجر في جو من الحماس والفرح الغامر وكانت الشوارع تعج بمئات الالوف من الناس حتى ساعة بدء منع التجول مساء، ويضيف الباحث: كانت الدكتورة نزيهة تحث النساء على الانخراط في لجان المقاومة الشعبية وطالبت باشراك المرأة فيها خلال زيارة وفد الرابطة برئاستها الى الزعيم الركن عبد الكرم قاسم في 12/ تشرين الاول /1958 كما شاركت في وفد 4 /ك1/1958 الذي ضم عددا من الشخصيات الشعبية والحزبية والتقى الزعيم عبد الكريم قاسم وطالبت من خلال الحكومة باطلاق حرية الراي والتعبير عن طريق اجازة الصحف التي يمكن ان تسهم في تنوير الجماهير وتعبئتها فكريا ضد اعداء الثورة، ولنشاطاتها المختلفة في صفوف الحركة النسوية والوطنية ادى الى ان تضع حكومة الثورة ثقتها فيها بمنحها حقيبة وزارة البلديات وبتسنم نزيهة الدليمي منصب وزيرة البلديات كانت اول امراة في تاريخ العراق المعاصر والمشرق العربي تصل الى منصب وزاري، وعلى الرغم من قصر تلك المدة في منصبها اذ انها لم تدم سوى 10 اشهر، حاولت خلالها تقديم الخدمات البلدية الى كافة المناطق من خلال النزول الى ميادين العمل والاشراف المباشر على تنفيذ المشاريع. وفي 15/ت2 /1960 اجرى عبد الكريم قاسم التعديل الوزاري الخامس على وزرائه حيث جرى اعفاء الدكتورة من منصب وزيرة البلدية وتعيينها وزيرة للدولة، وشعورا من قيادة الحزب بالخطر على حياة الدكتورة نزيهة الدليمي فقد ارسلت للدراسة الحزبية في الاتحاد السوفيتي في آب 1961 وبقيت هناك حتى انقلاب 8/شباط 1963. وكان للدكتورة نزيهة الدليمي دورها المشهود في تشكيل حركة الدفاع عن الشعب العراقي في لفت نظر الراي العام العالمي الى ما يحدث في العراق من تجاوزات ضد القوى السياسية والمنظمات الديمقراطية على يد الانقلابيين وجهاز ما يسمى بالحرس القومي، وتضامنا مع الشعب العراقي ضد جرائم البعث تأسست لجنة الدفاع عن حقوق الشعب العراقي في براغ وتم انتخاب الجواهري لرئاستها فضلا عن لجنة عليا تكونت من الدكتورة نزيهة الدليمي وفيصل السامر ومحمود صبري ورحيم عجينة وغيرهم.
العودة الى العراق: يذكر الباحث ان عودتها جاءت في اواخر عام 1967 ولكن بصورة سرية وتقول السيدة بثينة ان ظروف عودتها كانت سيئة من الناحية الاسرية اذ انها بعد عودتها وجدت مجلس عزاء مقاما في بيتهم لوفاة احد اشقائها بسكته قلبية مفاجئة تاركا ثلاثة من الابناء.
وبعد عودة حزب البعث الى السلطة في تموز 1968 وباصدار قانون العفو عن السجناء السياسيين في 5 ايلول 1968 تمت اعادة المفصولين السياسيين الى وظائفهم، فساهمت تلك التطورات في الاعلان عن عودة نزيهة الدليمي الى العراق بصورة علنية واعيدت الى الخدمة بوظيفة طبيبة وعودتها الى نشاطها الوطني لا سيما في المجال النسوي وحضورها للمؤتمرات الدولية النسوية.
المؤتمر الوطني الثاني للحزب في اواخر عام 1970
اصبحت نزيهة الدليمي من ضمن المرشحين للجنة المركزية وعلى الرغم من الظروف السياسية الصعبة التي كان يمر بها الحزب الشيوعي في تلك الفترة الا ان الدكتورة واصلت جهودها في تنظيم العمل الحزبي والمشاركة الفعالة في بناء منظماته وكانت قيادة الحزب توليها اهمية خاصة وذلك لمعاصرتها كافة التطورات السياسية التي مر بها الحزب منذ العهد الملكي.
دور الدكتورة نزيهة الدليمي في المؤتمر الوطني الثالث للحزب الشيوعي العراقي
يشير الباحث الى ان هذا المؤتمر هو اول مؤتمر علني يعقد 4-6 / ايار عام 1976 وكان لها دور واضح في التهيئة للمؤتمر وفي الجلسة الثالثة والاخيرة من جلساته جرت عملية الانتخابات لاختيار اعضاء اللجنة المركزية ومرشحيها وقد اسفرت عن فوز الدكتورة بعضوية اللجنة المركزية.
في تموز عام 1976 اختارها الحزب لتكون ممثلة عنه في مجلة قضايا السلم والاشتراكية في براغ فهي اهل لهذه المهمة كونها تجيد البحث والتحليل وتجيد ثلاث لغات اجنبية واستمرت في عملها هذا حتى عام 1978 حيث شهد هذا العام تدهورا كبيرا في العلاقة بين الحزب الشيوعي العراقي والبعث ما ادى بالاخير الى شن حملة واسعة النطاق ضد الحزب، غادرت الدكتورة العراق واستقرت في سوريا وعملت في منظمة الحزب هناك وهي من اهم المنظمات في الخارج وهناك عملت على اعادة نشاط رابطة المراة العراقية واعادة عضويتها في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي ?في الرابع من ايار 1981 انعقد المؤتمر الرابع للرابطة وتم انتخابها في منصب رئيسة الرابطة.
المؤتمر الوطني الرابع للحزب الشيوعي العراقي
يذكر الباحث ان المؤتمر الوطني الرابع كان قد عقد في المدة من 10- 15 / تشرين الثاني /1985 في قرية زيوه كة في كردستان وكان من اهم ما تمت مناقشته في ذلك المؤتمر وثيقة تقييم سياسة الحزب من 1968 -1983 وقد كلفت الدكتورة نزيهة الدليمي من قبل الحزب بكتابة تلك الوثيقة وفي اليوم الاخير من ايام المؤتمر جرت انتخابات اللجنة المركزية التي اسفرت عن عدم انتخابها وكان ذلك نهاية عملها في المناصب القيادية للحزب كما انها غادرت في عام 1986الى المانيا ليكون مقرها الدائم ومنفاها حتى اخر ايام حياتها لكنها بقيت مستمرة في العمل الس?اسي في صفوف الحزب فضلا عن عملها في مجال الحركة النسوية وقيادتها لرابطة المراة العراقية.
واصلت الدكتورة نزيهة الدليمي جهودها في الاعداد لعقد المؤتمر الخامس لرابطة المراة العراقية المزمع عقده في عام 2002 لكنها اصيبت بجلطة دماغية في اذار من العام نفسه جعلتها طريحة الفراش وتذكر السيدة انعام كجه جي الصحفية والناشطة في مجال حقوق المرأة، انها زارتها في شتاء 2004 في مدينة بوتسدام الالمانية وتقول عن تلك الزيارة :- ذهبت اليها لعمل فلم وثائقي عنها ورايت سيدة انهكتها المنافي من دون ان تخدش طيبتها وحنانها وذكاءها وحس النكتة لديها بل انها ما زالت تلك المتطوعة للنضال، المهمومة بمصير الشعب الساعية لمعرفة كل ?حداث العالم، بقيت في منفاها وحيدة دون عائلة كونها لم تتزوج والسبب كما تذكر : لان الجيدين من رفاقي كانوا في السجون وان النضال التهم جميل سنوات عمري.
وفاتها
في التاسع من تشرين الاول 2007 توفيت الدكتورة نزيهة الدليمي في برلين عن عمر يناهز 85 عاما بعد 7 سنوات من المرض الذي اقعدها طريحة الفراش ونقل جثمانها بناء على وصيتها لتدفن في العراق وكان مثواها الاخير في مقبرة الشيخ معروف في بغداد وقد نعاها رئيس الجمهورية جلال الطالباني في بيان قال :- مني العراق بخسارة فادحة بفقدان مناضلة بارزة وشخصية وطنية مرموقة هي الدكتورة نزيهة الدليمي اول وزيرة في تاريخ العراق والمراة التي امضت ستة عقود في سبيل حرية الانسان وسعادته.
تناول المبحث الثاني من الفصل الرابع اثارها من الكتب المنشورة وغير المنشورة: يشير الباحث ان نزيهة الدليمي مارست الكتابة في مرحلة مبكرة من حياتها واستمرت حتى اقعدها المرض في اواخر ايام حياتها، واهم نتاجاتها:
1- المرأة العراقية 1952
2- المرأة تحل مشاكلها 1953
3- دور المرأة في عالمنا المعاصر 1969
ولها مخطوطات غير منشورة بسبب مرضها هي
1- العراق منذ سنوات الحرب العالمية الثانية حتى ثورة تموز 1958.
2- الحركة الوطنية العراقية 1941-1958
ويشير الباحث الى انها نشرت ايضا الكثير من المقالات في الصحف والمجلات العراقية والعربية والعالمية كانت تدور حول قضية المرأة وضرورة تحررها الاقتصادي والاجتماعي.
الخاتمة
توصل الباحث خلال دراسته الى مجموعة من الاستنتاجات يمكن ايجازها بما يلي.
1- قلة الدراسات التاريخية المعاصرة في العراق التي تناولت شخصيات نسوية ما ترتب عليه صعوبة الخوض في هذا الحقل من الدراسة لا سيما شخصية مثل نزيهة الدليمي وذلك لقلة عدد الكتابات حولها وعدم كتابتها مذكراتها الشخصية.
2- اظهرت الدراسة ان نزيهة الدليمي تبنت الدفاع عن حقوق المراة منذ بواكير حياتها وعملت على تأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المراة (رابطة المراة العراقية) في عام 1952 وبقيت رئيستها حتى وفاتها كما انها من اوائل النساء العاملات في صفوف الحركة الوطنية من خلال انتمائها الى صفوف الحزب الشيوعي العراق في عام 1949.
3- كان لمكانتها في الحركة النسوية والحركة الوطنية في العهد الملكي وبعد قيام ثورة تموز 1958 اثر في توليها منصب وزيرة البلديات وكان لها دور كبير في تشريع اول قانون للاحوال الشخصية في تاريخ العراق الحديث وهو قانون 188 لسنة 1959.
4- كان لممارسة نزيهة الدليمي لمهنة الطب وتنقلها بين مختلف الألوية اثر إطلاعها عن كثب على الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي كان يعيشها افراد الشعب العراقي لا سيما النساء.
5- اظهرت الدراسة ان حياة نزيهة الدليمي مرت بمصاعب كبيرة تمثلت بهجرتها من الوطن عام 1961 بسبب تعرضها لهجمة من قبل المتشددين واشتراكها في تشريع قانون الاحوال الشخصية كما حكم عليها بالسجن المؤبد غيابيا عام 1964 لكنها عادت الى الوطن عام 1968 ثم غادرته عام 1979 وبقيت متنقلة بين مختلف الدول حتى استقرارها الاخير في المانيا ووفاتها عام 2007.
6- بروزها كشخصية نسوية على المستوى العربي والعالمي منذ اشتراكها في مؤتمر كوبنهاغن النسوي عام1953 كما انها انتخبت لمكتب سكرتارية الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي وبقيت فيه حتى عام 1979.
7- امتازت شخصيتها بتاثيرها الكبير في النساء العراقيات ما دفع الكثيرات منهن الى الانتماء الى رابطة المرأة العراقية فقد وصل عدد المنتميات لها أكثر من 42000 عضوة في العام الثاني من تأسيسها.
8- ان نزيهة الدليمي شخصية مخضرمة عاصرت العهد الملكي والعهود الجمهورية في كل تحولاتها فان دراستها برسالة أكاديمية امر له مبرراته فهي من النساء القلائل التي احترفت السياسة وخاضت في دهاليزها. اما من الناحية الاخرى فهي تصديها لقضية الدفاع عن حقوق المرأة ورفع الحيف عنها ونضالها في سبيل ذلك واصرارها على انهاء تلك المعاناة لا سيما عن نساء الطبقات الفقيرة.