أردوغان الإقصائي يسعى جاهداً الى ائتلاف يخلص حزبه من المأزق

متابعة "طريق الشعب"
قال مراقبون إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دفع ثمن تسميم الأجواء داخل البلاد والمنطقة، وإن رغبته في الاستحواذ الكامل على السلطة كانت السبب الرئيس وراء تراجع نتائج حزبه في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي.
ولجأ مئات الآلاف من الأتراك إلى أسلوب التصويت التكتيكي العقابي لمنع حزب العدالة والتنمية من تحقيق أغلبية برلمانية ومن ثم قطع الطريق أمام رغبة أردوغان في تعديل الدستور والتشريع للدكتاتورية باسم الأغلبية.
وبعد إدراكه ضياع طموحه بشكل كبير، دعا الرئيس التركي أمس الأول الأحزاب السياسية في بلاده إلى التصرف بمسؤولية للحفاظ على استقرار البلاد غداة الانتخابات التشريعية التي تلقى حزبه فيها ضربة قاسية.
ويبدو اردوغان يائسا بعد ان تقلص طموحه في تغيير الدستور التركي بشكل كبير. وشبه محللون مساعي تغيير الدستور الذي كان اردوغان يسعى إليه بشكل حثيث بكفاح لتحويل تركيا إلى دولة دكتاتورية.
ولم تبتعد الإصلاحات التي كان يطمح إليها أردوغان عن تشديد الرقابة على وسائل الإعلام وقمع المعارضين والناشطين الحقوقيين والتمتع بصلاحيات مطلقة.
وبدلا من الذهاب بتركيا العلمانية إلى أقصى اليمين، انتقل "اليسار" بقوة إلى واجهة المشهد لكي يخلق توازنا سيؤثر على قدرة حزب العدالة والتنمية على وضع يده على المؤسسات الحساسة منفردا.
فلم يعد الحزب وحده قادرا على تحديد اسم رئيس البرلمان كما اعتاد في السابق، كما لن تكون رئاسة اللجان المهمة داخل البرلمان ضمن حصته لوحده، وسيجد صعوبات كبيرة لتمرير حزم القوانين التي تعزز من قبضة الشرطة وتسهم في قمع المعارضين وفرض الرقابة على وسائل الإعلام.
ووجد الرئيس التركي حزبه أمام عدة خيارات أقربها إلى التحقق كان منذ أيام كابوسا بالنسبة إلى أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الذي أثبت فشله في قيادة حزب العدالة والتنمية.
ويتمثل هذا الخيار في إجراء انتخابات تشريعية مبكرة إذا فشل حزب العدالة والتنمية في التوصل إلى اتفاق مع أحد أحزاب المعارضة بما يمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية يبدو متلهفا لقيادتها. لكن بعد نفي زعماء حزبي الشعب الجمهوري (132 مقعدا) والشعوب الديمقراطي (79 مقعدا) إمكانية المشاركة في هذه الحكومة الائتلافية، ودعوة زعيم حزب الحركة القومية (81 مقعدا) إلى إجراء انتخابات مبكرة، بات السيناريو الذي يخشاه أردوغان حتميا.
ويقول مراقبون إن المؤيدين لحزب العدالة والتنمية يعترفون بأن وصولهم إلى هذا السيناريو سيشكل تراجعا قاسيا على المستوى الشعبي.
ويدرك الكثيرون بين القواعد الشعبية التقليدية الداعمة للحزب أن انتخابات السابع من حزيران كانت نهاية محققة لحكم الإسلاميين، وأنه لم يعد لدى أردوغان أي جديد ليقدمه وبات في الوقت نفسه غير قادر على تغيير جلده قبل الانتخابات المبكرة أو بعدها.
وأثرت نتائج الانتخابات على نظرية آمن بها الأتراك منذ الحرب العالمية الأولى وهي أن تركيا لديها ما يكفيها من مشكلات كي تكون بعيدة عن التورط في منطقة الشرق الأوسط. واستحدث أردوغان استقطابات كبيرة داخل البلاد خصوصا، أدت إلى ابتعاد الكثير من الناخبين عن الأحزاب الصغيرة التي لن تستطيع عبور حاجز 10 بالمئة ودفعهم إلى ما يسمى بالتصويت التكتيكي العقابي، أي التصويت لأحزاب كبيرة حتى وإن لم يؤمنوا بالمبادئ التي تنادي بها. وقالت كونستانز ليتش في صحيفة الغارديان البريطانية إن استراتيجية "فرق تسد" التي اتبعها أردوغان لدفع حزبه المحافظ دينيا إلى الواجهة، أدت إلى مزيد من الانقسام في تركيا بل في بعض الحالات إلى العنف.
وبدلاً من أن تزيد من شعبيته بين الناخبين، فإن مواقف أردوغان العدائية لخصومه فرقت الناس من حوله وعزلته، خاصة أن قائمة الأعداء تضم المدافعين عن تركيا أتاتورك في مواجهة عثمانية –السلطان- أردوغان.وتركزت سياسة التصويت العقابي في مدن الجنوب التي تعمد أردوغان إغفال تداعيات الحرب السورية في الجوار وتدفق اللاجئين عليها. وقال الكاتب البريطاني سيمون تسودال إن الانتخابات بشكل عام كانت عقابا لأردوغان الذي رفض الناخبون سلوكه وأن حجمه قد تقلص كما تراجع تأثيره ونفوذه.