اسبانيا .. هل يأتي التغيير المرتقب؟ / رشيد غويلب

بعد مرور أكثر من شهر على إجراء الانتخابات البرلمانية العامة في اسبانيا، اعترف رئيس الوزراء اليميني، ومرشح حزب الشعب المحافظ ماريانو راخوي، الجمعة الفائتة، بفشله في تشكيل الحكومة الجديدة. وكان اليمين قد احتفظ بموقع الصدارة في الانتخابات، الا انه خسر الأكثرية المطلقة التي كان يتمتع بها. ورفضت جميع الكتل الممثلة في البرلمان الدخول معه في تحالف حكومي. وفي اليوم التالي هدد راخوي في كلمة له في قرطبة باستخدام الأغلبية التي يتمتع بها في مجلس الشيوخ لإفشال اية حكومة قد يشكلها تحالف ينشأ بين الحزب الأشتراكي الأسباني (وسط) وقوى اليسار الرئيسة في اسبانيا.
قوى اليسار تدعو إلى تشكيل حكومة التغيير
بعد الإعلان عن فشل اليمين في تشكيل الحكومة، بادر السكرتير العام لحزب "بودوموس" (نحن قادرون) اليساري بابلو اغليسياس إلى دعوة الحزب الاشتراكي للدخول في مفاوضات لتشكيل "حكومة التغيير" بزعامة السكرتير العام للحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز، على ان يتولى فيها اغليسياس منصب نائب رئيس الوزراء. وشجع الزعيم اليسار الاشتراكيين للدخول في المفاوضات بالقول "ان امكانية ان تكون رئيس هي ابتسامة القدر"، وفي نفس الوقت اكد معرفته بالضغوط الهائلة التي يتعرض لها الاشتراكيون، ولكنه شدد على " الناس مع التغيير"
اليسار المتحد يشارك في الحكومة المرتقبة
واكد بابلو اغليسياس على ان الحكومة المقبلة ستكون "حكومة تعددية"، وفقا للقوة التصويتة للأطراف المشاركة فيها. وذكر بان تحالفات اليسار قد حصلت في كاتالونيا، غاليسيا وفالنسيا على 5 ملايين صوت بفارق 300 الف صوت فقط عن الحزب الاشتراكي. وكذلك هناك مليون صوت حصلت عليه قائمة اليسار المتحد "الجبهة الشعبية" تؤهله للحصول على الأقل على حقيبة وزراية. ولهذا طالب بمشاركة رئيس حزب اليسار المتحد الشاب البرتو غارثون في الوزارة، من جانبه كتب غارثون على موقعه في التويتر: "لقد تحدثت مع بابلو اغليسياس، ونحن متفقون معه على ضرورة التغيير".
وفي المؤتمر الصحفي شدد غارثون على ان الأمر لا يتعلق بالمناصب الوزارية، بل بـ"السياسة الملموسة". وان التغيير السياسي والبديل ليس مهما فقط لأسبانيا، بل لعموم اوربا. وان بلدان جنوب اوربا قد نهضت لتعلن القطيعة مع سياسة التقشف القاسية. وعلى هذا الطريق فان اليسار الأسباني المتحد سيعمل كل ما في وسعه لتحقيق ذلك.
ومن المفيد الإشارة إلى إن اليسار المتحد، الذي يشكل الحزب الشيوعي الأسباني قوته الأساسية، كان قد حصل على مقعدين عبر قائمته والوطنية وعلى ثلاثة مقاعد اخرى عبر تحالفات اليسار في الولايات المذكورة، وحسبت هذه المقاعد وفق النظام الانتخابي على كتلة بودوموس البرلمانية، فضلا عن ان الحزب كان ضحية لآلية توزيع المقاعد في البرلمان، ففي الوقت الذي يساوي فيه كل مقعد يحصل عليه اليسار المتحد 454,102 الف صوت، يكون العدد لحزب الشعب اليميني 57,692 صوتا، وللحزب الاشتراكي 59,697 صوتا، ولحزب بودوموس 74,164 صوتا. أضف إلى ذلك مراهنة بودوموس على كسب اصوات الوسط واليسار لحسابه، وعدم تعاونه الواسع مع اليسار المتحد، و رفضه التعامل مع الاحزاب التقليدية في معسكري الوسط واليسار، دفعه إلى رفض مقترح الحزب الشيوعي واليسار المتحد، تشكيل قائمة "الجبهة الشعبية الموحدة" في عموم أسبانيا، واكتفى بدعوة شخصيات قيادية في الحزب الشيوعي للمشاركة في قوائمه، او الدخول في قوائم مشتركة في بعض الولايات الأسبانية. وتأتي الجهود المبذولة الآن لتؤكد صحة سياسة اليسار المتحد المبنية على فكرة تشكيل "الجبهة الشعبية" بمشاركة واسعة لقوى اليسار والديمقراطية. ان إصرار بودوموس على عدم الدخول في قائمة وطنية مع اليسار المتحد كلف قوى اليسار الجذري، حسب المتابعين لحساب المقاعد، 16 مقعدا كان ممكن ان تعزز الآن الموقف التفاوضي لبودوموس واليسار عموما.
ويرى متابعون إمكانية التوصل إلى اتفاق مشترك شبيه بذلك الذي تحقق في البرتغال، وان الخلاف بين قوى اليسار والحزب الاشتراكي حول قضية إجراء استفتاء شعبي في ولاية كاتالونيا بشأن استقلالها عن الدولة الأسبانية يمكن تجاوزه باعتماد آليات أخرى، كما دعا إلى ذلك عدد من النواب اليساريين.
وفي ضوء التطورات السياسية في اسبانيا، وتشكيل حكومة يسار الوسط في البرتغال، وقبلهما نجاح حزب اليسار اليوناني في الاستمرار في قيادة الحكومة، تعيش مراكز الرأسمال في برلين وبروكسل أوقاتا عصيبة. فهذه التطورات تؤشر فشل سياسة الليبرالية الجديدة، ونزوع شعوب هذه البلدان رغم صعوبة الظروف إلى البحث عن بديل جدي لها. ووجدت هذه الشعوب في أحزاب اليسار الجديد وتحالفاته الواسعة، القوة القادرة على بناء أوربا أكثر ديمقراطية، وأكثر عدالة اجتماعية.