باريس .. قمة يسارية تبحث خططا بديلة عن سياسة الاتحاد الاوروبي

رشيد غويلب
احتضنت العاصمة الفرنسية باريس في الفترة 22 -24 كانون الثاني 2016 قمة أممية، شارك فيها المئات من كوادر نقابية وشخصيات يسارية ونشطاء في الحركات الأجتماعية يمثلون 12 بلدا، لمناقشة بدائل للسياسة السائدة في الاتحاد الأوروبي. وكان من المقرر ان تعقد القمة في منتصف تشرين الثاني الفائت، ولكنها أجلت بسبب الهجمات الإرهابية التي شهدتها باريس مؤخرا. وتعد القمة نتاجاً للقاء جرى خلال مهرجان جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي "لومانيتيه".
ويعتبر المؤتمر جزءا من سلسلة من الفعاليات والمناقشات بشأن طرح بدائل واقعية لسياسة البلدان المتنفذة في الاتحاد الأوروبي ولمنطقة اليورو. ويأتي المؤتمر في اطار طرح اجابات على الاسئلة التي اثارها نجاح سياسة الضغط والإبتزاز التي مارستها المراكز الراسمالية ضد حكومة اليسار في اليونان.
ويشارك في هذه الجهود، منذ البداية، عدد كبير من شخصيات قوى اليسار الأوروبي، منهم رئيس حزب اليسار الألماني السابق أوسكار لافونتين، ورئيس حزب اليسار الفرنسي جان لوك ميلينشون، ورئيسة البرلمان اليوناني السابقة زوي كوستنتوبويلوس، التي انشقت من حزب اليسار اليوناني، في اطار حزب"جبهة الشعب الموحدة" ولم يستطع الحزب الجديد الدخول إلى البرلمان في آخر انتخابات مبكرة،والتي حافظ حزب اليسار اليوناني بموجب نتائجها على تمتعه بالأكثرية، والاستمرار في قيادة الحكومة اليونانية. وعضو كتلة اليسار في البرلمان الأوربي، الألماني فابيو دي ماسي ، والايطالية دة سوزان جورج، التي تعد من ابرز نقاد العولمة في بلدها، ونائب وزير الشؤون الاقتصادية السابق في ايطاليا ستيفانو فاسينو. وانسحب في اللحظة الأخيرة من المشاركة في القمة الجديدة وزير المالية اليوناني الأسبق يانس فوراكس المنشغل هذه الأيام في تأسيس حركة يسارية اوروبية تعمل على بلورة بدائل بعيدة المدى ، تؤكد على تعزيز الديمقراطية في اوروبا.
وقال اوسكار لافونتين الذي افتتح اعمال القمة السبت الفائت بكلمة شدد فيها على ان" لا مستقبلاً لأوروبا الليبرالية الجديدة"، و"اننا كيساريين نعلم ان الرأسمالية والديمقراطية لا يتوافقان". وفي حوار صحفي قبل السفر إلى باريس قال لوفانتين:"اتفق مع فوراكس في ان اوروبا تحتاج المزيد من الديمقراطية، وان كل شيء يساعد على هذا الطريق يستحق الدعم". وعلى ما يبدو لا يريد لوفنتين الأنظمام الى حركة فوراكسن وبدلا عن ذلك يركز على سؤال: اين نجد في الواقع فرصة حقيقية على المدى القصير لإحداث تغيير ما؟ ولكون "الأكثرية الليبرالية ستستمر طويلا في اوربا، وفي المانيا ليس هناك افق لمشاركة اليسار في الحكومة، يمكن لليونان، البرتغال، وربما اسبانيا ان تحاول استعادة فضاء مناورتها الاقتصادية". وبالنسبة للوفانتين يعني هذا " عليها خفض قيمة العملة الوطنية، وزيادة نفقات الدولة، لتعزز الدورة الاقتصادية مرة اخرى، وتمول الاستثمار عبر بنك مركزي يتمتع بالاستقلالية"، اي العودة الى العملة الوطنية، وهذا الموضوع كان احد المواضيع التي ناقشها مؤتمر باريس، في اطار مناقشة السياسية النقدية في اوروبا والبدائل والمقترحات الممكنة في سبيل تعامل جذري مع ازمة مديونية الدولة، ومشاكل الديون في جميع أنحاء العالم، ولتغير نهج السياسات الأقتصادية، ووضع الخطط من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وقد كان المجتمعون في مهرجان "لومانتيه" قد وضعوا المحاور الرئيسة في النداء الذي صدر بعنوان "التضال من اجل الخطة (ب) لأوروبا"
والمشاركون في المؤتمر ينطلقون وعلى أساس ما ورد في ندائهم الأول، من مواجهة" كذبة خطرة، تتمثل في إن اليورو جاء ليخدم شعوب اوروبا، وحمايتها من الأزمات". ويؤكدون " ان اوربا الحالية تخلق الأذى داخل وبين بلدانها: بطالة جماعية، وتعميق الهوة الاجتماعية، واهانة بلدان الأطراف فيها".
ومن المعروف ان قوى اليسار الجذري في اوروبا تتفق على ضرورة مواجهة الليبرالية الجديدة وجميع السياسات المرتبطة بها، ولكن تطور الصراع في اليونان طرح داخل صفوفها على الأقل تصورين أساسيين:
الأول والذي تتبناه اوساط واسعة من اليسار الأوروبي، يشدد على ان العمل في تنفيذ سياسة اليسار اليوناني كان يجب ان يكون اعمق، وان حزب اليسار اليوناني ترك وحيدا في مواجهة المراكز المالية، وان ضغط قوى اليسار في البلدان الأوربية الأخرى على حكومتها لم يكن بمستوى الحدث
الثاني يقول ان هناك امكانية افشال الابتزاز الذي تعرضت له حكومة اليسار اليوناني، لو توفرت خطة (ب) لمواجهة المراكز المالية،والتي تتمثل في تهديد الحكومة اليونانية بالخروج من منطقة اليورو، وبعض انصار هذا التصور يرى في الخروج من منطقة اليورو ان كان تدريجيا او مرة واحدة هو البديل الوحيد.
ويسعى رموز مؤتمر باريس، وفق ما اعلنه رئيس حزب اليسار الفرنسي، الى خلق حركة في عموم القارة الأوربية. وكما اعلنت لولا سانشيز عضو البرلمان الأسباني عن حزب بودوموس الأسباني، ان مدريد ستستضيف النسخة الثانية من المؤتمر في الفترة 19 - 21 شباط المقبل، وستعقد الدورة الثالثة للمؤتمر، كما اعلن لوفانتين في المانيا.