تركيا وفنلندا وورقة اللاجئين في لعبة السياسة

هلسنكي - يوسف أبو الفوز
رئيس الوزراء التركي، أحمد دواد أوغلو، الذي وصل العاصمة الفنلندية، الاسبوع الماضي، في زيارة لبحث العلاقات بين البلدين، ومتابعة الاتفاق بين تركيا والاتحاد الاوروبي حول ازمة اللاجئين، فالعلاقات الفنلندية التركية متميزة، اذ دعمت فنلندا قبول تركيا كعضو مرشح في الاتحاد الاوروبي، ومن هنا يرى المراقبون اختيار فنلندا لهذه المهمة، في اول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى بعد توقيع اتفاق "واحد مقابل واحد" مع الاتحاد الاوربي حول معالجة أزمة اللاجئين.
تركيا تبتز اوروبا
ويبدو ان مهمة فنلندا ودول الاتحاد الاوروبي، في متابعة ملف اللاجئين، لن تكون سهلة، فالحكومة التركية، اجادت اللعبة تماما في ابتزاز اوروبا بعد الاحداث الارهابية في باريس وبروكسل، ودفعت الاتحاد الاوروبي إلى توقيع اتفاقية معها، والتي تقضي باعادة جميع اللاجئين الجدد، خصوصا من سوريا، الذين يصلون اوروبا بطرق غير شرعية عبر تركيا والجزر اليونانية، وفي مقابل كل لاجئ سوري يعاد من الجزر اليونانية سيتم استقبال لاجئ سوري اخر من تركيا في دول الاتحاد الاوروبي، خصوصا الذين لم يحاولوا السفر بطرق غير شرعية.
وحدد الاتحاد الاوروبي سقفا برقم 72 ألف لاجئ، ومقابل موافقة تركيا على هذا الاتفاق، فسيتم التسريع بإعفاء مواطني تركيا من تأشيرات الدخول إلى أوروبا، وتحصل تركيا على مساعدات مالية تتجاوز الثلاث مليارات يورو ، يمكن زيادتها حتى نهاية 2018.
انضمام تركيا الى اوروبا
والاهم من هذا كله بالنسبة للجانب التركي هو فتح ملف انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي الذي يلاقي معارضة وعرقلة من قبل قبرص وبعض دول الاتحاد تبعا لواقع ملف حقوق الانسان في تركيا الذي لم تتوقف منظمات حقوق الانسان الاوروبية والعالمية من فتحه في كل مرة يجري الحديث بها عن هذا الامر.
وقد اشار رئيس الوزراء الفنلندي، يوها سيبلا ، في كلمته خلال استقبال رئيس الوزراء التركي، بان فنلندا دعمت انضمام تركيا إلى الاتحاد الاوروبي فان الانضمام لا يمكن ان يتم الا بعد تلبية تركيا معايير العضوية ودعاها إلى احترام مبادئ الديمقراطية والقانون وضمان حرية التعبير.
رئيس الوزراء التركي، من جانبه اعلن ان بلاده بدأت بتطبيق الاتفاقية بخصوص اللاجئين، وان اعداد اللاجئين غير النظاميين المتدفقين الى اوربا بدأ بالانخفاض بشكل كبير.
غض النظر عن المهربين
مما يثير الانتباه بشكل مباشر الى اصابع تركيا في غض النظر عن نشاط المهربين. وادانت منظمات حقوق الانسان هذا الاتفاق، وبينت ان الحكومة التركية، ولتبدو كأنها حامية الحدود الاوروبية، اغلقت الحدود مع سوريا امام تدفق اللاجئين السوريين لتضعهم في وضع مأسوي اسوأ، وشنت حملة امنية واسعة اعتقلت فيها مئات من ركاب "قوارب الموت".
ان الاتفاق بالنسبة لاوروبا، يأتي ضمن استراتيجية لما بعد أمكانية انهاء الحرب في سوريا التي تلوح لها بعض البوادر في الافق، فعندها ان اعادة الاف اللاجئين السوريين الى بلادهم تكون اسهل. الحكومة التركية تدرك هذا الامر جيدا، فتتاجر من دون مواربة بملف اللاجئين السوريين، وعموم القضية السورية لاجل مصالحها، خصوصا بعد مؤشرات الاتفاق الامريكي الروسي لحل الازمة السورية، مما دعاها إلى التلويح بورقة اللاجئين. وبسبب حاجة اوروبا لتركيا في تنفيذ هذا الاتفاق، فأن الحكومة التركية من جانبها تأمل ان دول الاتحاد الاوروبي تغض النظر عن ملفات حقوق الانسان وتقف الى جانبها في التوتر الحاصل بينها وبين روسيا.
وشهدت فنلندا، ولاول مرة في تأريخها تدفقا للاجئين بهذه الكثافة، حيث بلغ عددهم اكثر من 32 الف لاجئ لعام 2015، مقابل 3 الاف و500 لاجئ خلال عام 2014. واذ تعاني فنلندا من ازمة اقتصادية وسياسية، فأن حكومة اليمين الحاكم، والتي تتبع سياسة تقشفية، ترى في اتفاقية الاتحاد الأوروبي مع تركيا عاملا مساعدا لها في التخفيف عن الضغوط على ميزانية الدولة التي تأن تحت ازمات متتالية، خصوصا وان قوى الحراك الاجتماعي الفنلندي بدأت بالتحرك، وسلسلة من الإضرابات تتواصل، وتشكل عامل ضغط حقيقي عليها. وهنا تجد تركيا نفسها الرابح الكبير كما تعتقد، فالدول الاوروبية في حاجة لها، ويمكنها ان تساوم على ملف اللاجئين لأجل تحقيق غايتها في نيل عضوية الاتحاد الاوروبي.
في حين احتشد نشطاء حقوق الانسان ومنظمات معارضة تركية امام مقر إقامة الضيف التركي، رافعين شعارات تدين سياسة الحكومة التركية، وتورطها في الملف السوري ودعم قوى الارهاب، وكانت صرخات "اردوغان قاتل" تتردد مدوية من قبل المتظاهرين، لكن الذي لفت الانتباه، إن عدد من المارة الفنلنديين تضامن مع المتظاهرين، وردد شعاراتهم.