إندونيسيا تفتح ملفات مذابح 1965 ضد الشيوعيين

رشيد غويلب
شهدت قاعة المؤتمرات في احد الفنادق الفخمة في العاصمة الاندونيسية جاكرتا مؤخرا اجتماعا غير مسبوق، دعت اليه حكومة البلاد، وشارك فيه 200 شخصية معنية، لمناقشة واحدة من أبشع جرائم القرن العشرين. وفي ظل دكتاتورية الجنرال حاجي محمد سوهارتو حيث تمت حسب المصادر التقليدية تصفية نصف مليون انسان، في حين تشير وسائل إعلام يسارية ان عدد الضحايا يصل إلى ثلاثة ملايين، ومئات الآلاف من المعتقلين، على خلفية اتهامهم بالعمل في صفوف الحزب الشيوعي الاندونيسي او التعاطف معه.
تمتع الدكتاتور سوهارتو بدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين.وكانت أهداف الانقلاب إسقاط حكومة الرئيس سوكارنو المناهضة للإمبريالية ، وتدمير الحزب الشيوعي الإندونيسي، الذي كان ثالث أكبر حزب شيوعي في العالم حينذاك ، وفتح حدود البلاد، الغنية بالموارد الطبيعية، أمام جشع الشركات الغربية.
وتنازل سوهارتو عام 1998 عن السلطة، إلا إن نظامه السياسي ظل قائما.
والجناة وأسرهم لا زالوا يتربعون في أعلى مستويات السلطة السياسية. وفي السنوات الأخيرة استطاعت المنظمات المطالبة بحقوق الضحايا أن تنظم نفسها، وتنشر يوميات الناجين من المجازر للرأي العام. وفي 2012 أصدرت لجنة حقوق الإنسان تقريراً يصنف مذابح عام 1965 باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وحمل التقرير الجيش المسؤولية الأولى في ارتكابها، إلا أن الجناة ظلوا حتى اليوم دون عقاب. وهناك مجاميع في المجتمع الإندونيسي لا تزال تزدري الضحايا ، وتتعرض اجتماعاتهم، في كثير من الأحيان، لهجمات الغوغاء.
وشكل الاجتماع بالنسبة للضحايا وعوائلهم بصيصا من الأمل على طريق كشف الحقائق واستعادة الحقوق. وتشير مصادر مطلعة إلى ان القوى الرجعية في أجهزة الدولة حاولت حتى اللحظة الأخيرة منع تنظيم الاجتماع، ولهذا يعتبر مجرد عقده نجاحا للمتضررين . ومع ذلك، سيواصل معسكر الجناة جهوده للاستمرار في تزوير التاريخ عهد سوهارتو، وقلب الحقائق وتقديم الضحايا باعتبارهم خونة ومصاصي دماء.
الوزير المنسق لشؤون الأمن والسياسة والقانون لوهوت بانجايتان، اكد في كلمة الافتتاح رفض الحكومة تقديم اعتذار رسمي عما حصل، ولكنه دعا الى التصالح مع الماضي وكشف الحقائق. اما كيف يقرأ الضحايا هذه الدعوة؟ هذا ما عكسه تصريح احد الجنرالات المتقاعدين بعد الاجتماع مباشرة، الذي قلل من عدد الضحايا ونفى وجود مقابر جماعية على الرغم من ان هذه الحقائق موثقة من منظمات الدفاع عن الضحايا والمختصين. ولم يتردد المنظمون في السماح للشاعر توفيق إسماعيل بإلقاء خطبة محرضة ضد الضحايا، ومع ذلك كان الاجتماع الفعالية العامة الأولى التي تنظم من قبل الحكومة ويسمح للناجين من المذبحة عرض معاناتهم على الرأي العام. الهام عايدت نجل ديبا نوسانتارا عايدت سكرتير الحزب الشيوعي الاندونيسي، الذي تمت تصفيته في الأحداث، أكد ان تحقيق المصالحة ممكنا فقط عندما تعترف الحكومة بالمجازر، وتصحح كتابة التاريخ، وتعتذر رسميا للضحايا و ترد اعتبارهم وتعوضهم.
وطالبت السجينة السابقة نينا نوراني باقامة تمثال الضحايا التعذيب من النساء اللواتي تعرضن في معتقلات التعذيب والسجون إلى الاغتصاب الجنسي المنظم. ووصف عبد الصمد الذي كان معتقلا في جزيرة سولاويزي، كيفية إجباره على ممارسة إعمال قسرية، وإصابة زوجته بإمراض على خلفية تعرضها لحرب نفسية امتدت إلى سنوات أدت إلى وفاتها. كما اعتبرت عوائل ضحايا آخرين الدعوة إلى المصالحة نفاقا،وقال ابن احد الضحايا "كيف لي ان اصدق بالمصالحة؟ هل علي نسيان والدي العزيز الذي تمت تصفيته في عام 1965 "؟
الكاتب بوتو أوكا سوكانت، الذي امضى عشر سنوات في سجون مختلفة، والذي تناول جرائم عام 1965 في كلمته في معرض الكتاب الدولي في فرانكفورت في العام الفائت، رأى في الاجتماع "خطوة أولى" على طريق العدالة، مشيرا إلى دور البلدان الغربية: "إن المسؤولية لا تقع على عاتق الحكومة الاندونيسية فقط، ولكن أيضا على الولايات المتحدة وحلفائها".
ومن الجدير بالذكر أن انقلاب عام 1965 هو تكرار لسيناريو انقلاب 8 شباط الأسود في العراق ، والذي راح ضحيته الآلاف من الشيوعيين والديمقراطيين العراقيين ، بتخطيط وتنفيذ فعال من جانب المخابرات المركزية الأمريكية، التي نسقت مع قوى سياسية واجتماعية عراقية، مماثلة لنظيرتها الاندونيسية، حيث كان حزب البعث ابرز ممثليها، ممن ناصبت لثورة 14 تموز العداء، وسعت إلى القضاء على الحزب الشيوعي العراقي. لكن السلطات العراقية لم تفتح حتى الآن أية تحقيقات في هذا الشأن لمعاقبة المجرمين الطلقاء.