الاقتصاد السياسي للاصلاح الاقتصادي في العراق/ 2-7/ د.صالح ياسر

 

الركيزة الاولى: الخيار الناظم للاصلاح حسب "القانون": اقتصاد السوق من خلال " بناء اقتصاد مترابط ومتين يستند على مبادئ السوق ".

 إقتصاد السوق - بين صراع المعاني داخل الخطاب الإيديولوجي المسيطر وحقيقة التجليات الملموسة لهذا المفهوم.

   النقطة المحورية في "القانون" هي المادة (1) – اولا والتي تنظر الى الاصلاح بكونه عبارة عن " إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي وفقاً لمبادئ الاقتصاد الحديثة ومتطلبات التحول لاقتصاد السوق، وضمان توسيع قاعدة الإنتاج من خلال اعتماد آليات السوق وتحرير التجارة الخارجية والداخلية وضمان المنافسة العادلة".  

   وتتفرع عن هذه الفرضية المنطلقية كل القضايا الواردة في "القانون". ومن هنا اهمية تدشين نقاش يدخل في جوهر القضايا بما يساعد في تفكيك "القانون" وكشف مضامينه العامة وايضا المستور منه لان صائغيه يحاولون المراوغة عبر الجمع ما بين المتناقضات. وهذا يتطلب رفع مستوى النقاش بالعودة الى الجذور بحيث يكون نقاشا مفاهيميا وليس تسطيحا للامور او المعالجة التبسيطية لقضية جوهرية.

   عند استخدام مقولة "اقتصاد السوق" في النقاشات الدائرة يضيع المفهوم بين الحق والباطل كما يقال، وتمتزج الايديولوجيا بالمفهوم العلمي. ومن هنا فلابد من التأكيد في بداية هذه الفقرة على ضرورة التمييز بين مقولة " السوق بشكل عام " و " السوق الرأسمالية " التي تفترض تبادلاٌ قائماً على الإنتاج السلعي الرأسمالي. فالسوق هو ميدان التداول السلعي، وهو مقولة ترتبط بالعلاقات السلعية بشكل عام وبظهور ونمو الإنتاج السلعي الذي بلغ أبعاده الواسعة عند تفسخ الإقتصاد الطبيعي في المدينة والريف وظهور التقسيم الإجتماعي للعمل، وتعمق هذا التقسيم وتطورت أشكاله المختلفة. إن الانتاج السلعي، أي الإنتاج الذي يكون هدفه المباشر المبادلة، هو سيرورة طويلة المدى يمتد تاريخها لقرون عديدة، سابقة للرأسمالية. ومن هنا لايجوز المطابقة بين السوق والرأسمالية، لأن الرأسمالية ليست الإنتاج السلعي بشكل عام، بل هي مرحلة تاريخية محددة من تطور الإنتاج السلعي هذا. ولهذا ليس صحيحاً، من الناحية المنهجية، المطابقة بين السوق والرأسمالية، ذلك لأن السوق وكثافة المبادلات السلعية يمكن الإستدلال عليها في فترات سابقة على الرأسمالية بعشرات القرون [1] .

إن تطور التقسيم الإجتماعي للعمل وتعمقه، والتخصص الإنتاجي الواسع، وتطور العلاقات السلعية – النقدية والروابط الإقتصادية بين مختلف مناطق البلد الواحد، كلها عوامل أدت الى تبلور السوق الوطنية الواحدة كإمتداد وتبلور ونفي للأسواق المحلية المبعثرة. وينطبق هذا التحليل المكثف مع ظهور السوق الرأسمالية.

   لقد نشأت السوق الداخلية الرأسمالية بفعل نشوء وتطور الرأسمالية، كتشكيل إجتماعي تاريخي قائم على أنقاض الإقطاعية وساعدته السيرورات المرافقة للتطور، مثل تعمق التقسيم الإجتماعي والتخصص والإنهيار المتواصل للإقتصاد الطبيعي، وفصل المنتجين عن وسائل الإنتاج والبلترة المتعاضمة وسيرورات التراكم البدائي الراسمالي…الخ، الى أن يتخذ هذا السوق سماته المميزة له. وفي القرن السادس عشر ولدت " السوق الرأسمالية العالمية " التي هي مجموعة الأسواق الوطنية لبلدان العالم الرأسمالي الصاعد حينذاك، حيث وحّدتها التجارة الخارجية المتنامية بإستمرار، وأسهمت في توطيدها فيما بعد قوة البوارج البحرية ونارها التي لاترحم. لقد إكتملت معالم هذه السوق بصيغتها " المثلى " وأصبحت تتطور في القرن التاسع عشر، عشية تطور نمط الإنتاج الرأسمالي وإخضاعه الأنماط الأخرى لمنطقه، وتحوله الى اسلوب سائد وذي بُعد مركب: محلي وعالمي في الوقت نفسه. وعقب تطور الصناعة الآلية الضخمة في عدد من البلدان الأوربية والولايات المتحدة، ومع إنتقال التشكيل الإجتماعي الرأسمالي الى مرحلة أعلى، الإحتكار، نشأت السوق الرأسمالية العالمية الشاملة الموحدة التي حكمت وتحكم في منطقها وقوانينها الصارمة، وخصوصاً قانون القيمة، مختلف بقاع العالم مخضِعة إياها لمنطقها الصارم الذي لا يرحم [2].

   لابد إذن من مواجهة إشكالية السوق الرأسمالية مواجهة مباشرة داخل دائرة الإشكاليات التاريخية والسياسية المعاصرة، المرتبطة بالتشكيل الرأسمالي ذاته، وليس خارجه.

   ومن هنا ثمة ضرورة لطرح أسئلة تساهم في وضع هذا المفهوم ( السوق) أمام محك النقد والمساءلة مما يتيح زحزحة وفرز العناصر المكونة له، وبالتالي الإنتقال بالمفهوم وموضعه من مستوى المراوغة الى مستوى الفهم والجدل. إن تناولاً كهذا يفتح المجال من جديد لوضع هذه القضية موضع المساءلة والتفكير بها بهدوء، بعيدا عن صخب الإيديولوجيا النيوليبرالية، وحتى لا يستمر المرء في ترديد الشعارات أو يستعير إستعارة رديئة للمفاهيم أو المقولات دون إعمال العقل، وبالتالي نستطيع أن نكشف المغازي الأساسية للمزدوجة الشائعة سوق/ديمقراطية.

   يتعين الأن الإنتقال الى معالجة أكثر ملموسية للإشكاليات المرتبطة بـ " اقتصاد السوق " بحسب الوصفة " النيوليبرالية "، أي اقتصاد مدار ذاتياً، ودون أي تدخل من قبل الدولة. سنسعى هنا لنبين بأن " اقتصاد السوق " بطبعته " النيوليبرالية " ليس له أي رصيد في الواقع، بل هو مجرد بنية نظرية خالصة!.

   تاريخياً وبغض النظر عما حدث لاحقا، يمكن القول أن القرن العشرين شهد هيمنة شكلين تاريخيين من من الإقتصاد هما " إقتصاد السوق " في الرأسمالية و " الإقتصاد المخطط " في الإشتراكية، بالرغم من كل ما يثيره هذا التمييز من ملاحظات، على الصعيد المنهجي. وطبيعي أنه لا يمكن إستيعاب هذا التمييز بمعزل عن الدور الذي تلعبه الدولة في النشاط الإقتصادي وحجم هذا الدور بالملموس.

   وتأسيساً على ذلك يمكن أن نعثر في الأدب الإقتصادي المعاصر، الخاص بهذه القضية، على مفهومين هما مايسمى بـ " دولة العقلانية السوقية " و " دولة العقلانية التخطيطية " [3].

   في المثال الأول يتم التأكيد على أن السوق، بحسب عتلاته "المجربة"، قادر على حل جميع المشاكل التي تعترض السيرورات الإقتصادية، وبالتالي فإن وظيفة الدولة يجب أن تنحصر في الضبط regulation ، أي بالتأثير غير المباشر، وخصوصاً في تلك الحالات حيث يظهر خطر " تهديد فعلي للمصالح العليا للبلاد " أو لمختلف فئات المجتمع. كما يتعلق الأمر، بحسب هذا المفهوم/التصور، بضرورة التخلي عن حفز النمو الإقتصادي ذاته من طرف الدولة، الذي يتضمنه السوق ذاته، وتسمى الدولة هنا بـ " الدولة الضابطة أو الناظمة". وطبقا لهذا التصور فإن هذه الدولة، دولة العقلانية السوقية، تنشغل بتنظيم أشكال وإجراءات المنافسة الإقتصادية، في حين لا تنشغل بالمضمون المادي النشاط الإقتصادي [4].

   وعلى العكس من ذلك فإنه يجري، في المثال الثاني، التأكيد على تفوق " العقلانية التخطيطية " تجاه " العقلانية السوقية "، وارتباطا بذلك فإن قضية التطور لايمكن أن تكون مرهونة بالقوى العفوية للسوق. وبحسب هذا الطرح فإن المهمة الرئيسية للدولة تصبح هنا، ترقية هذا التطور ودفعه. تنشغل دولة " العقلانية التخطيطية "، إذن، بالحقل المادي، بالأهداف الإقتصادية الإجتماعية للتطور.

   إن هذا التقسيم الثنائي للعالم ظل يشتغل " نظرياً " حتى نهاية الثمانينات من القرن العشرين، ولم يعد له وجود الآن. وبدلاً من ذلك تهيمن، في الإقتصاد العالمي المعاصر، آليات إقتصاد السوق الراسمالية أو تلك الساعية الى بنائه أو إعادة بنائه وإعادة صياغة موقع الدولة في السيروروات الإقتصادية.

   غير أنه بالرغم من هذا التحول فلا ينبغي إستخلاص إستنتاج متعجل حول وجود تصور محدد وموحد لمفهوم " إقتصاد السوق" بصيغته الرأسمالية، حيث تشير التجربة التاريخية الى أن هذا الإقتصاد يظهر بتجليات متنوعة، إذ نستطيع أن نميز أو نفرز نموذجين متعارضين، ومعيار التمييز بينهما هو الدور الذي تلعبه الدولة في حقل الإقتصاد وحقل تدخلها المختلف.

   يمثل النموذج الأول لإقتصاد السوق مايسمى بإقتصاد السوق الموجهة (المنضبط) مع تدخل محدد للدولة، ويسمى كذلك بالنظام التأشيري، حيث يتم بموجبه تسيير الإقتصاد أساساً وبشكل رئيسي بوسائل التوجيه غير المباشر، وذلك عن طريق العتلات المالية وما يماثلها.

   أما النموذج الثاتي لإقتصاد السوق فيلغي نظرياً، تدخل الدولة، وينطلق من قناعة مطلقة بطابع "الضبط الذاتي" لإقتصاد السوق. يعتقد أنصار هذا النموذج أن كل تدخل للدولة في العمليات الأقتصادية إنما يعرقل ظروف المنافسة، التي يقوم عليها الأقتصاد الرأسمالي، أو يضر بها على الأقل، مما يتسبب في عرقلة ( أو كبح) النشاط العفوي للميكانيزمات السوقية. يسمى هذا النموذج كذلك بـ " إقتصاد السوق المدار ذاتياً أو إقتصاد السوق الحرة " [5].

   يطابق هذين النموذجين لإقتصاد السوق تياران فكريان في النظرية الإقتصادية المعاصرة في البلدان الرأسمالية.

- التيار الأول هو التيار مابعد الكينزي أو الكينزي الجديد.

- أما التيار الثاني المقابل للنموذج الثاني، فهو التيار الليبرالي الجديد. إن هذا التيار يمثل رد فعل ناقد على مفهوم كينز، المطروح في سنوات الثلاثينات، ويرفض فكرته حول التدخل الحكومي.

   غير أنه يتعين التأكيد على حقيقة أن العلم يرفض طرحاٌ كهذا، أو صيغة : أما – أو، ذلك لأن العالم معقد بما فيه الكفاية، لذا فمن الممكن تعايش عدة عناصر من النموذج الأول والنموذج الثاني، مما يخلق لوحة متنوعة من مختلف الحلول. ثم أن هذا التقسيم ( النظري) يبتعد عن الممارسة الإقتصادية العالمية، ذلك أن أي من النماذج لا يظهر بصيغة صافية في الواقع. ومن هنا فإن الخلافات والسجالات المتواصلة بين أنصار هذه النماذج إنما هي ذات طبيعة إيديولوجية تبريرية وليس علمية. كما أنه حتى لو كان لهذا التقسيم الثنائي تعليل محدد في حقل الإقتصاد، فإنه لايمكن القبول به أو إستخدامه في حقول الحياة الإجتماعية المتنوعة، الثقافية، العلمية، المعتقدية...الخ.

   وفي مثل هذه الظروف فإن شعار " إقتصاد السوق " لا يكفي بحد ذاته، بل يجب دائماً الإجابة على السؤال التالي: حول أي نسق لإقتصاد السوق يجري الحديث، هل حول إقتصاد للسوق مع تدخل محدد للدولة، أم هو إقتصاد مدار ذاتياً، أي طبقاً للنشاط العفوي للأليات السوقية ؟ ونظراً لأن النموذجين يختلفان عن بعضهما البعض، في جوانب مختلفة، فإنه سيكون من الصعب فهم جذور ومعنى إختلاف ميكانيزمات التسيير والحلول المطروحة في هذا المجال بدون فهم خاصية كل منهما.

نموذج إقتصاد السوق الموجه

   يشتق هذا النموذج من التراث الكينزي ( نسبة الى البريطاني اللورد جون مينارد كينز 1883 - 1946)، وإن كان يمتد بأصله الى عمق الماضي. إنه يقوم على فرضية قوامها فشل، أو على وجه الدقة عدم جدوى الميكانيزمات السوقية والمنافسة الحرة في بعض الحقول ذات الأهمية الجوهرية بالنسبة للمجتمع. يتعين التأكيد هنا، منعاً لأي التباس على أن هذا النموذج لا يهمل دور السوق على العموم، وعلى وجه الدقة لا يهمل (أو يرفض) دور السوق من حيث قدرته على تأمين فعالية أعلى للإنتاج على صعيد مختلف المؤسسات الإقتصادية، أي على المستوى الميكرو إقتصادي أي الجزئي micro.

   وحسب اعتقاد ممثلي هذا الاتجاه، بدأ من منظره الاساسي- كينز، فإن تدخل الدولة يكون ضرورياً لأسباب عديدة من بينها أن اقتصاد السوق الى جانب محاسنه الكثيرة لا يتيح عقلانية تامة على مستوى الماكرو macro (على صعيد عموم الإقتصاد). وفي هذا المجال كتب الإقتصادي البولوني المعروف، البروفيسور سادوفسكي قائلاً: إن السوق يفشل في العديد من الحقول الهامة للحياة الإجتماعية. فعلى سبيل المثال لم تنجح السوق في حقل العدالة الإجتماعية، المفهومة طبعاً ليس كعدالة التوزيع، بل كمساواة للفرص. السوق لا تتيح ذلك، بل أنها ليست في وضع يسمح بتحقيقه. ثم أن السوق تفشل في حقل استخدام الموارد الإقتصادية، لأنها تخلق بطالة لا تتوقف وذات طبيعة اجتماعية، وهذا هو عيبها الأساسي (...) كما لم تنجح في حقل الاستقرار الإقتصادي، حيث تؤدي الى تذبذبات متواصلة وغالباً ما تقترن بعواقب هامة ٌ [6].

   في إطار نموذج " إقتصاد السوق الموجه " يمكن تمييز شكلين أساسيين للتدخل الحكومي، وذلك إرتباطاً بالهدف الذي يسعى التدخل المذكور لتحقيقه عن هذا الطريق، وكذلك إرتباطاً بطبيعة الموضوع الرئيسي لإهتمام الدولة.

   الشكل الأول للتدخل الحكومي، ويرتبط بتحقيق الهدف الخارجي، إذ ينصب التدخل المذكور على ضمان تأمين متطلبات المنافسة في الأسواق العالمية وتعزيز الموقع الدولي للبلد الذي ينتهج مثل هذا الشكل من التدخل الحكومي. وتكاد اليابان تمثل النموذج المثالي لهذا النوع من التدخل.

   أما الشكل الثاني للتدخل الحكومي فيرتبط بتحقيق الأهداف الداخلية. يتمثل الهدف الأساسي لتدخل الدولة هنا في الحفاظ على التفاوتات الإجتماعية عند مستوى مقبول، وضرورة تأمين الرعاية والدعم للفئات الإجتماعية ذات الدخول المتدنية أو شمول العاطلين عن العمل بـ " المظلة الإجتماعية ". وتشكل السويد ( وبعض الدول الإسكندنافية) النموذج الأساسي لهذا الشكل من التدخل الحكومي، وان شهدت السنوات الاخيرة بعض التغيير نتيجة صعود ائتلاف اليمين الى الحكم وتطبيق سياسيات جديدة.

   وكما تشير التجربة التاريخية فإن حقل تدخل الدولة يتعرض للتطور عبر الزمن، ويخضع لعمليات إصلاح متواصلة. إن إصلاحات هذا النسق، التي تحافظ على الدور الجوهري للدولة في الإقتصاد مع تغيير طرق هذا التدخل فقط، تسمى في الأدب الإقتصادي بـالضوابط الإصلاحية [7] ، كما تسمى هذه الإصلاحات بـ " الإصلاحات التأشيرية السوقية ".

   إن الإصلاحات المطبقة منذ نهاية الثمانينات من القرن العشرين، في العديد من البلدان، التي تعتمد هذا المنهج، تهدف الى تحسين أداء العتلات المالية والإقتصادية الموجهة للإقتصاد، غير أنه تحدث فيها، في الوقت نفسه، تغيرات أساسية. يتجلى جوهر هذه التغيرات في الإنتقال من الضبط الهيكلي الى تحديد قواعد للسلوك في السوق [8] ، كما تتسع في الوقت نفسه الضوابط الهادفة الى تعديل مايسمى بـ " أخطاء السوق ".

نموذج الضبط الذاتي أو موديل السوق الحرة

      يمثل نموذج الضبط الذاتي نقيضاً لنموذج إقتصاد السوق الموجه. إنه ينطلق من فرضية قوامها أن السوق (وميكانيزماته) يؤدي، آليا، الى حل مختلف المشكلات التنموية. وإرتباطاً بذلك يكون من الضروري خلق الشروط للحرية التامة لنشاط الميكانيزمات السوقية. ومن هنا فإن هذا الموديل هو مرادف معاصر للمبدأ السميثي (نسبة الى آدم سميث 1723 - 1790): دعه يعمل دعه يمر، واليد الخفية للسوق.

   وإرتباطاً بالطرح السابق فإن جوهر هذا النموذج يتجلى بالسعي الى "طرد" الدولة من الحقل الإقتصادي، وتقليص دورها في الهياكل الإرتكازية، التي تسهل نشاط المؤسسات الخاصة وتطور المنافسة، كما يسمى هذا الموديل بالموديل الليبرالي الجديد [9].

   غير أنه يتعين الإشارة الى أن هذا المفهوم للسوق الحرة ( بصيغته المتطرفة) يمثل بنية نظرية خالصة وليس بنية تشتغل في الواقع الملموس. إنه موديل نظري صافي، وهو بهذه الصورة لم يتحقق حتى في البلدان التي تدعي تطبيق المذهب النيوليبرالي، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. آيا من البلدان الرأسمالية المتطورة لا يسود فيه إقتصاد السوق الحرة بصيغته الخالصة، إذ يلاحظ اشتغال لآليات السوق المقترنة بضبط متعدد الجوانب لتلك الآليات من طرف الدولة. وبالرغم من النزوع المتصاعد لتقليص هذا الضبط الدولاني (نسبة الى دولة)، ورغم الجنوح المتصاعد نحو الخصخصة privatization ، فإن الضبط هذا مازال يعمل، وفي بعض الحقول يشتغل بقوة. إن الواقع يقدم لنا، إذن، ليس اقتصادا سوقياً بحسب الوصفة النيوليبرالية، بل اقتصادا مختلطاً، حيث إقتصاد السوق مقروناً بتدخل حكومي ملحوظ في قطاعات متعددة. ويعني ذلك أن الأمر لا يتعلق، في الممارسة، بتدخل أو عدم تدخل الدولة، فمثل هذا الأمر حسمته التجربة التاريخية، بل أن القضية توجد على مستوى آخر، ويتعلق الامر هنا بالفرو قات في حجم وأشكال التدخل الحكومي هذا.

   إن خصوم النموذج النيوليبرالي يطرحون الفكرة القائلة بأن مفهوم " السوق الحرة " أو " المدارة ذاتياً " هو مفهوم ينتمي الى الماضي، أو لحقل النظرية الصرف، وقد تجاوزه التاريخ والواقع، وهم بذلك ينكرون اشتغال سوق كهذه في الظروف المعاصرة. إن العبارات التالية تؤكد هذه الأطروحة : " إن السوق المدار ذاتيا قد بدأ بالموت مع بداية القرن العشرين. وقد كانت الحرب العالمية الأولى تمثل المعلم الذي لا يخطئ لمرضة المميت هذا، في حين كانت الأزمة الإقتصادية 1929 – 1933 تمثل رصاصة الرحمة. يتمثل السبب في ذلك في أن السوق المدار ذاتياً يتضمن العديد من العناصر الطوباوية " [10].

   لقد كانت قضية إختيار الشكل المحدد لتدخل الدولة، في إقتصاد السوق الرأسمالية، موضوعاً لسجالات ساخنة، وإنتقلت من حقل النقاشات النظرية الصرفة الى حقل الممارسة الإقتصادية الملموسة. فقد إحتدمت هذه النقاشات وإتخذت أبعاداً جديدة في سنوات الثمانينات من القرن العشرين، إي لحظة إنتقال السلطة الى المحافظين الجدد في كل من الولايات المتحدة (ريغان) وبريطانيا (تانشر). ففي هذه السنوات بدأ الليبراليون الجدد بتطبيق مذهبهم المتطرف في الممارسة الإقتصادية. وقد بلغت المناقشة حدتها في بداية التسعينات، وخصوصاً في الولايات المتحدةـ تحت تأثير المخاطر التي خلقتها اليابان أمام الإقتصاد الأمريكي، والتي لم يستطع الأمريكان تذليلها في ظروف سيادة المذهب الليبرالي الجديد [11].

   وقد تغذى السجال السابق بالنقاشات التي كانت تدور حول مايسمى بـ " المعجزة اليابانية ". فمن المعلوم أن هذا البلد قدم مثالاً لأهم نجاح إقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، ومن هنا فإن نتائجه إستخدمت بمثابة حجة لصالح كل من أنصار النموذجين السابقين. فأنصار التدخل الحكومي يرجعون النجاح الياباني في الحقل الإقتصادي الى السياسة الصناعية والدور الفعال للدولة، في حين يرجع أنصار المذهب الليبرالي الجديد ذلك الى النشاط العفوي لأليات السوق.

يتعين التأكيد على أن التحول نحو مذهب الليبرالية الجديدة ليس " بدعة " نظرية داخل الإقتصاد السياسي المسيطر في البلدان الرأسمالية المتطورة بل يجب دراسته إنطلاقاً من فرضية بسيطة قوامها أن هذا " التحول الفكري " هو نتاج الأزمة الإقتصادية العميقة التي يعاني منها الإقتصاد الرأسمالي منذ بداية سبعينات القرن العشرين، بالرغم من كل مظاهر الفرح السياسي الغامر بإنهيار القطب الأخر. يتعين، إذن، النظر الى الليبرالية الجديدة بإعتبارها إنعكاساً لعمق الأزمة في النسق الرأسمالي العالمي وتمثل إيديولوجية كاملة لإدارة تلك الأزمة البنيوية. إن أحد المخارج النظرية هو هذا المذهب الذي أرتبط بهيمنة العناصر المحافظة أو تكتلات القوى التي لعب فيها المحافظون الجدد دوراً مقرراً، فمع استمرار هذه الأزمة وتفاقم الأوضاع الإقتصادية بدأ يترسخ وعي محدد في أوساط القوى المسيطرة في هذه البلدان بحقيقة الفشل الذي منيت به فلسفة إدارة رأسمالية الدولة الإحتكارية التي وضع أصولها الإقتصادي الإنكليزي المعروف كينز. لقد بدت الوصفة الكينزية عاجزة عن مواجهة الأحداث المعقدة التي جرت في بداية السبعينات بسبب عجز جهازها المفاهيمي عن تقديم تفسيرات منطقية مقبولة للقضايا والصعوبات التي إرتبطت بالأزمة المذكورة، وبالتالي عدم قدرتها في صياغة حلول تتجاوز الأزمة المذكورة [12]. ويتعين التأكيد على أن السياسات الكينزية، التي إستندت الى تدخل نشيط للدولة في الحياة الإقتصادية، قد حققت نجاحات ملموسة على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي. غير أن الأدوات التي إستخدمتها تلك السياسة لم تستطع كبح جماح التضخم أو على وجه الدقة لم تستطع مواجهة أزمة الكساد التضخمي وما رافقها من مظاهر، وما إقترن بذلك من تفشي للبيروقراطية والعسكرة، مما وضع هذه السياسات موضع النقد والمساءلة، وبالتالي بدأت تفقد بريقها لصالح السياسات النيوليبرالية [13].

   في مواجهة هذه الحقائق، راح الجناح اليميني في الفكر الإقتصادي المسيطر في البلدان الرأسمالية يشن هجوماً قوياً على الكينزية بوصفها قد أصبحت وصفة " بائرة "، داعياً لنبذها والتخلي عنها، ومطالبا في الوقت ذاته بتبني سياسة جديدة، وضعت أسسها النظرية في " مدرسة شيكاغو " بقيادة ميلتون فريدمان (1912-2006)، وهي السياسة التي عرفت بمصطلح " النقدوية " وهو تيار ينتمي الى المدرسة الكلاسيكية الجديدة. إن هذا التيار حاول جاهداً العودة بالرأسمالية الى جذورها الأولى رافعاً شعاراته الشهيرة : الحرية الإقتصادية وآليات السوق الطليقة، داعياً في الوقت نفسه الى تقليص دور الدولة في النشاط الإقتصادي وإلغاء الدور الذي تلعبه كمضخة للطلب الفعال، أو من حيث التركيز على مايسمى بـ " إقتصادات العرض " لتنشيط آليات النظام [14]. وقد اقترن ذلك كله بالهجمة العاصفة للديمقراطية على صعيد عالمي، قادتها القوى المسيطرة في هذه البلدان، حتى بدا لمتابع المشهد المتحرك على الأرض تشكل مجموعة من المعادلات التي يتعين التوقف عندها. فعلى سبيل المثال يجري الإلحاح على مساواة الديمقراطية (كبنية سياسية) بالإقتصاد الليبرالي وبالتالي يمكن كتابة المعادلة الشهيرة : السوق = الديمقراطية.

   ونظراً لأن هذا " السوق " الذي يجري التأكيد عليه في الفترة الراهنة، هو ليس مقولة معلقة في الهواء، بل أن السوق المطلوب هو سوق رأسمالي في إطار الرأسمالية، فإنه يمكن كتابة معادلة أخرى هي : السوق = الرأسمالية.

   وإذا كشفنا " الرابطة " الوثيقة بين هاتين المعادلتين، نستطيع أن نستنتج أن " جوهر " تلك المعادلات بحسب أطروحات الفكر الإقتصادي المسيطر هو التالي : رأسمالية = ديمقراطية.

   وهذه المعادلة تثير الشكوك منذ بدايتها. ذلك لأن التشديد على الديمقراطية في مثل هذه الظروف، يخلط الحق بالباطل، على حد تعبير المفكر الاقتصادي المصري د. سمير أمين. فمن ناحية التطور التاريخي كانت الرأسمالية كأحد موديلات التطور تحمل الديمقراطية والقمع في آن، حيث أن سيادة مبادئ الليبرالية قد إقترنت بالتدخل الإستعماري، ولا حاجة للدخول في التفاصيل فتاريخ التراكم البدائي لرأس المال شاهد لا يخطئ على هذه الفكرة [15]. حقاً لقد حققت الرأسمالية عبر تطورها التاريخي المديد شكلاً أو صيغة للديمقراطية، افضل بالمقارنة مع التجارب التي سبقتها أو رافقتها. غير أن ديمقراطية المستوى السياسي ظلت، وستظل كذلك لأسباب تكمن في طبيعة النظام ذاته، تسير متناقضة مع المستوى الإقتصادي، الذي لايمكن أن يكون ديمقراطيا، لأنه يرتكن الى منطق الملكية الخاصة والمنافسة، التي لا يمكن أن تكون ديمقراطية أصلاً، لأن القانون الإقتصادي المحرك للنظام لا يجري تحقيقه بين أطراف العملية الإقتصادية بإتفاق سادة " جنتلمان "، بل عبر عمليات صراع ومنافسة ضاربة وإبتلاعات متواصلة. كما ان العلاقة بين الراسمالي والعامل ليس علاقة متكافئة بل تقوم على الارغام الاقتصادي، فالعامل وان كان يتمتع بالحرية الا انه مضطر لبيع قوة عمله وفقا لشروط تحددها "قواعد العرض والطلب". هذا هو المنطق الموضوعي لعمل القوانين الناضمة للتشكيل المذكور وليس من إختراع خصومه الفكريين. إن النمط الرأسمالي لا يفرض الديمقراطية فرضاً، بل تم التوصل إليها عبر مساومات تاريخية بين القوى المتصارعة، وكانت هذه الصيغة معمدة بالدم والتضحيات الجسيمة. غير أن التشكيل الرأسمالي قد خلق مجموعة من الميكانيزمات الإقتصادية وغيرها تجعل أفراد المجتمع لا يشعرون بالإضطهاد المرافق للتناقض الناشئ بين المستوى السياسي ( الديمقراطية ) والمستوى الإقتصادي ( الملكية الخاصة والمنافسة بصيغتها التقليدية أم المعاصرة) وذلك بفضل ظاهرة الإغتراب التي تحكم جميع أوجه الحياة الإجتماعية والوعي [16].

   ولاشك أن إصرار المؤسسات الدولية المتخصصة (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحديداً) من خلال التبشير بالديمقراطية صنواً لإقتصاد السوق وحصيلة للتحرير الإقتصادي الليبرالي والتأكيد بأن الديمقراطية سبب ونتيجة معاً للنمو الإقتصادي في إطار الليبرالية الإقتصادية، إن هذا الإصرار مناهض لحقائق التاريخ الصارمة. فالتاريخ الإقتصادي غني بالدروس والعبر المناقضة لمقولات الصندوق والبنك الدوليين بصدد ديمقراطية التحرير الإقتصادي الليبرالي، ذلك لأن الثورة الإقتصادية الرأسمالية والتنمية قد تحققتا في غياب الديمقراطية والتعددية في العديد من البلدان منها تحديداً في ألمانيا زمن بسمارك وفي فرنسا زمن نابليون الثالث وفي اليابان زمن الميجي. كذلك فإن التجارب الجارية للإصلاح الإقتصادي في العديد من البلدان العربية والنامية وتجارب النمو العارم في إطار الرأسمالية أو الليبرالية الإقتصادية في البرازيل وبعض دول امريكا اللاتينية الاخرى وكذلك في دول الجنوب الأسيوي قد إقترنت تحديداً بغياب الديمقراطية وتواصل النزعة السلطوية [17]. وإذا كانت الليبرالية الجديدة ، بطبعتها المتطرفة، على الصعيد العالمي هي وسيلة الرأسمالية المعاصرة لرفع متوسط معدل الربح لإعادة الحيوية لتراكم رأس المال والنفي الجزئي لتناقضاتها الداخلية، فإن تطبيقها في " البلدان النامية " يعني، من بين أمور عديدة، السعي لإحتواء هذه المناطق وإبتكار آليات جديدة للهيمنة والاستغلال تمكّن الإحتكارات المتعدية الجنسية والبلدان الرأسمالية المتطورة في خلق " فائض قيمة تاريخي جديد " يمول جزئياً علاج تناقضات تصدع دولة الرفاه ونظم الإشتراكية الديمقراطية بعد فشل الليبرالية المعاصرة في قلاع رأس المال في علاج هذا التصدع وتناقضاته [18].

     خلاصة القول، ان حرية الأسواق المعمَّمة لا تحقق توازنا بين العرض والطلب، وذلك حتي في الفرضية المتطرفة الخيالية بأن تسود الشفافية في معاملات السوق. يُضاف إلي ذلك أن النظرية الاقتصادية الليبرالية لم تبرهن بالدليل العلمي على أن مثل هذا التوازن المتوقع حدوثه من شأنه أن يحقق أيضا الحل الأمثل اجتماعيا. وعلي خلاف كل هذه الأقوال فإن حرية الأسواق تؤول فقط إلي انتقال النظام من وضع اختلالي إلي وضع اختلالي آخر دون أن تميل الحركة إلي انجاز التوازن المزعوم. ويرجع السبب في اتجاه هذه الحركة من اختلال إلي إختلال آخر.. إلي فعل صراع المصالح الاجتماعية والوطنية؛ وذلك هو العامل الذي يتجاهله المذهب الليبرالي. وبالمثل، فإن الفرضيات التي تقوم علي أساسها الطروحات الليبرالية تصف عالما خياليا لا علاقة له بالواقع القائم، وهو رأسمالية الاحتكارات المعممة.

   لقد توصل عديد من الباحثين، بناء علي هذه الملاحظة، إلي الاستنتاج بأن الليبرالية نظام غير قابل للاستقرار، وأن انفجاره ــ الذي يتجلى في أزمة متفاقمة – كان متوقعا. وبالتالي فإن تطبيق مبادئ الليبرالية علي مجتمعات "الاطراف" التي ترضي بالخضوع لها لن ينتج سوي قيام رأسمالية من نوع خاص سماها سمير امين "راسمالية المحاسيب" التي تلازم تكريس دولة كومبرادورية في خدمتها، ولن يُسمح بإقامة دولة وطنية تعمل من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية قابلة للدوام [19].

*************



يمكن الحصول على معرفة أكثر تفصيلاً حول إشكالية السوق وتطوره التاريخ بالإطلاع على أي كتاب جاد من كتب الإقتصاد السياسي أو تاريخ الفكر الإقتصادي.قارن : م.ميشجانوفسكي : الإحتكار – الجزء الثالث وارشو 1982، وخصوصاً الفصول من 13 حتى 16 ( باللغة البولندية).Ch.Jonson : MITI and the Japanes Miracle The Growth of Industrial Policy 1925- 1975, Tokyo 1986, P.18Op. cit, p.19لمزيد من التفاصيل قارن : أ.كاربينسكي: حقل تدخل الدولة في إقتصاد السوق المعاصرة. وارشو 1992، ص 14 – 23 ( باللغة البولندية).راجع ستانسلاف سادوفسكي : السوق والتدخل الحكومي. مجلة " الإقتصاد القومي "، العدد 1/1989، ص 4 ( باللغة البولندية). أنظر : J.Kay and J.Vickers: Regulatory Reform in Britain, Economic Policy, October 1988قارن : أ.كاربينسكي : حقل تدخل الدولة .....، مصدر سابق، ص 20 لمزيد من التفاصيل حول هذا المذهب قارن :م.بيلكا : المذهب الإقتصادي الإجتماعي لميلتون فريدمان، وارشو 1986، وخصوصاً الفصلين الأول والثاني ( باللغة البولندية).Conference in Budapest 1998,p.1 J.Kovacs: Regulative planning , Referat in UNESCOقارن م.بيلكا : الريغانية – نجاح أم فشل ؟ وارشو 1991، وخصوصاً الفصل الرابع، ص 108 ولاحقاً.قارن : د.رمزي زكي: الإقتصاد العربي تحت الحصار. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1989، ص 91، كذلك : د.صالح ياسر حسن : جدلية العام والخاص في الأزمة الإقتصادية الرأسمالية الدولية " الفكر الديمقراطي " ، العدد 14/1988، ص 103 ولاحقاً. قارن : عصام الخفاجي : البرجوازية المعاصرة والدولة المشرقية " الثقافة الجديدة " العدد 237.قارن : د. رمزي زكي : الإقتصاد العربي ......، مصدر سابق، ص 91، كذلك م.بيلكا : المذهب الإقتصادي .... مصدر سابق، ص 72 ولاحقاً.لمزيد من التفاصيل راجع الدراسة الهامة لأريك هوبسباوم : عصر رأس المال. ترجمة د.مصطفى كريم، دار الفارابي، بيروت 1986.قارن : فالح عبد الجبار : من تاريخ مفهوم الإغتراب " الفكر الديمقراطي العدد 11/1990، ص   ولاحقاً، كذلك: سمير أمين : قضية الديمقراطية ..... مصدر سابق، ص 12 لمزيد من التفاصيل أنظر الدراسة الهامة : لؤي أدهم : الإصلاح الإقتصادي واستهداف السوق ( إشكالات نظرية أساسية وإشكالات تطبيقية عربية ) – " النهج " العدد 42/شتاء 1996، 45 ولاحقاً.نحن مدينون بصياغة هذا المصطلح الى الأستاذ أنور عبد الملك. قارن : أنور عبد الملك: تغيير العالم. سلسلة عالم المعرفة (95)، الكويت.
قارن: سمير امين، التنمية الرثّـة .. والتحدي الذي يواجه مصر. أسمالية ليبرالية أم رأسمالية المحاسيب!؟ متاح على الانترنيت على الرابط التالي: http://www.alkalimah.net/article.aspx?aid=5701