متابعة "طريق الشعب"
أبدى مواطنون في بغداد تذمرهم من تكرار فيضان شوارع العاصمة وبيوتها من أول هطول مطر في هذا الشتاء، في حالة تحصل للعام الثاني على التوالي، فيما ظلت مؤسسات الدولة تلقي بالمسؤولية على بعضها البعض.
وبدت شوارع المدينة في معظم مناطقها مغطاة بمياه الأمطار، في وقت منحت فيه الحكومة المواطنين عطلة رسمية في ظل الظروف الصعبة التي يعانونها، فيما شكا مواطنون من عدم فاعلية أنظمة المجاري التي يفترض أن تستوعب المياه.
وشكا مواطنون في مناطق مختلفة في الكرخ والرصافة من أن المياه دخلت بيوتهم وأتلفت أثاثهم وسط حالة من التذمر من تكرار سيناريو غرق المدينة مع بدء كل موسم شتاء.
وقال حسين (39 عاما) أحد سكان مدينة الصدر "هذه المرة الثانية التي أخسر فيها أثاث منزلي بسبب طفح المياه"، مردفا "في شتاء العام الماضي تعرضت وعائلتي الكبيرة لخسارة فادحة وظروف نفسية صعبة بسبب الأمطار وضعف منظومة المجاري"، مضيفا في لهجة يائسة "واليوم تتكرر الحالة ويبدو أنه لا علاج لدى الحكومة لهذه المشكلة".
وكانت بغداد شهدت في شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي موجة أمطار استمرت أسبوعا وتسببت بغرق معظم مناطق المدينة وطفح مجاريها.
وأبدى حسين استغرابه مما وصفه بـ "عدم اتعاظ" المسؤولين من سيناريو العام الماضي.
وقال محمد جواد الطالب الجامعي من منطقة الشعلة الذي كان يحمل "سطلا" مثل أخوته وجيرانه يخرجون بها المياه من داخل منزلهم الواقع في شارع طفحت فيه المياه "إن الحكومة لو لم تمنح عطلة رسمية لما ذهب أحد أصلا إلى الدوام"، مضيفا "نحن محاصرون في بيوتنا التي دخلت المياه الكثير منها". وقالت أم سيف الساكنة في منطقة الغدير قرب ساحة ميسلون شرقي بغداد "إن المياه دخلت صالون منزلي"، مضيفة "الحالة تكررت برغم الوعود، وكنا نتوقع أن هذا الشتاء مختلف بعد أن رأى المسؤولون الحالة المزرية العام الماضي".
فيما قال المواطن أبو أحمد من منطقة زيونة شرقي بغداد أيضا إن "المياه وصلت أبواب الشقق".
في غضون ذلك أعلنت أمانة بغداد سيطرتها على مياه الأمطار في معظم مناطق العاصمة بغداد.
وقالت في بيان رسمي لها، أمس الثلاثاء، إن مياه الأمطار التي هطلت على مدى الأيام الأربعة الماضية بلغت نحو (83) ملم, مشيرة الى أن "مثل هذه الكميات بامكانها إغراق العاصمة البريطانية لندن".
ونقل البيان عن مصدر مسؤول في أمانة بغداد قوله إن "معظم الدوائر البلدية أكملت عملية تصريف مياه الأمطار من الشوارع فيما تواصل الدوائر الأخرى خصوصا في منطقة الشعب ومدينة الصدر عمليات التصريف بجهد استثنائي لملاكاتها والياتها مع تشغيل محطات المجاري بأقصى طاقاتها".
مجلس بغداد يحمل الأمانة المسؤولية
من جانبه، أكد مجلس محافظة بغداد، أن "فشل" أمانة بغداد في إكمال مشاريع تصريف المياه منذ سبع سنوات، ناجم عن "سوء" الإدارة، في حين اتهم رئيس الحكومة نوري المالكي، بعدم إطلاق الأموال اللازمة للمشاريع الاستراتيجية التي تخص تصريف المياه ومنها "مشروع مجاري الخنساء المتوقف".
وقال رئيس هيئة خدمات بغداد، علي جاسم، في تصريح صحفي على هامش الجلسة الطارئة لمجلس محافظة بغداد، التي عقدت، أمس الأول، بمبنى المجلس، إن "حجم الفيضانات التي اجتاحت الجانب الغربي من العاصمة لا يقارن بما شهده جانبها الشرقي"، مشيراً إلى أن ذلك "هو ما حاول مجلس محافظة بغداد مناقشته خلال جلسته الطارئة".
وأضاف جاسم، أن "مياه الأمطار بدأت بالتسرب إلى بيوت المواطنين منذ الساعات الأولى ليوم أمس الأول، ومن دون سابق إنذار"، عاداً أن "الأسباب والأعذار الخاصة بذلك كثيرة، لاسيما أن أمانة بغداد تعمل بمشاريع أكل الدهر عليها وشرب".
على صعيد متصل قال رئيس مجلس محافظة بغداد، رياض العضاض، إن "مجلس المحافظة طالب رئيس الحكومة نوري المالكي شخصياً، أكثر من مرة، بإطلاق الأموال اللازمة للمشاريع الاستراتيجية التي تخص تصريف المياه ومن بينها مشروع الخنساء المتوقف"، معرباً عن "الأسف لعدم وجود حلول واقعية وجذرية لتخليص المواطنين من الأمطار التي تقض مضجعهم كل شتاء".
التقصير والفساد هو السبب
وقال محافظ بغداد علي التميمي في بيان صدر، أمس، إن "تقصير وفساد بعض المسؤولين وراء غرق بغداد خلال العام الحالي وكما غرقت بالعام الماضي"، مبينا أن "عددا كبيرا من المواطنين الذين تضرروا جراء مياه الأمطار في العام الماضي لم يحصلوا على أي تعويض". وأضاف التميمي أن "المحافظة سعت بتجهيز جميع إمكانياتها لمواجهة أي طارئ أو أزمة جهد الإمكان على الرغم من أنها ليست مؤسسة خدمية وليست لديها الإمكانيات الكافية بما يتعلق بالجهد الآلي ومصروفات الوقود".
وطالب محافظ بغداد بـ"إقالة مدير بلدية الغدير الذي لم يحضر أو ينزل الى الشارع وإقالة مدير بلدية الصدر اللذين لم يقدما أي شيء خلال هذه الأزمة الى مناطقهم وعدم تواصلهم مع المواطنين"، مشيرا الى أن "هناك مدراء سيقالون أيضا من مجلس المحافظة نتيجة التقصير الكبير الذي لحظناه بالتزامن مع هذه المشكلة".
ألف منزل متضرر في ديالى
إلى ذلك، أعلنت محافظة ديالى، أمس الثلاثاء، عن إحصائها أكثر من 1000 منزل سكني متضرر بسبب الأمطار الغزيرة في جميع مناطق المحافظة. وقال محافظ ديالى عمر الحميري في بيان إن "الإحصائية الأولية عن إجمالي عدد المنازل السكنية المتضررة بفعل الأمطار الغزيرة تجاوز الـ1000 الى جانب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إضافة الى نفوق أعداد من المواشي والأغنام". وأضاف أن "إدارة ديالى سوف تشكل لجنة لإحصاء الأضرار بشكل سريع في الفترة القادمة من اجل الحفاظ على الحقوق القانونية للمتضررين".
وانتقد الحميري "تلكؤ مشاريع هامة للوزارات الحكومية في بعقوبة اغلبها يتعلق بتطوير منظومة البنى التحتية للخدمات الأساسية". ودعا الى ضرورة "زيادة اطر التنسيق مع الحكومة المحلية من اجل تجاوز العقبات"،
مبينا أن "منظومة المجاري في بعقوبة شبه معطلة لأسباب متعددة منها ما يتعلق بأخطاء عمليات الإعمار والبناء وتجاوز بعض المقاولين على خطوطها إضافة الى تقادمها".
ذي قار تعطل دوائرها
وأعلن مجلس ذي قار، أمس الأول، عن تعطيل الدوام الرسمي ليومين وتشكيل لجنة للتحقيق في أسباب طفح المجاري وغرق شوارع مدن المحافظة فيما أكد مسؤولون وجود أخطاء بتصميم المجاري ساهمت في إغراق بعض المناطق.
وقال رئيس المجلس هلال السهلاني إن "مجلس محافظة ذي قار قرر تعطيل الدوام الرسمي ليومي الثلاثاء والأربعاء في دوائر الدولة كافة باستثناء الخدمية والأمنية والصحية، بسبب الأمطار وكذلك لإتاحة الفرصة أمام المواطنين لإحياء الشعائر الحسينية التي تصادف هذه الأيام بالتزامن مع هطول الأمطار على المنطقة".
مضيفا أن "مجلس ذي قار شكل لجنة للتحقيق في أسباب غرق الشوارع بمياه الأمطار وطفح المجاري بمعظم مدن ذي قار"، مؤكدا أن " هنالك خللا كبيرا في أداء الدوائر المعنية والشركات المنفذة للمشاريع وتم إعداد تقرير مصور عن الحالة المأساوية التي شهدتها المحافظة نتيجة المشاريع السيئة التي نفذت طيلة السنوات الماضية وصرفت عليها أمول طائلة، وسيتم عرضه على الهيئة العامة للمجلس لاتخاذ قرارات صارمة بحق المقصرين".
وقد اعتبر رئيس لجنة الخدمات، "إن الأخطاء التصميمية للمجاري ساهمت بفيضان شوارع الناصرية". وقال رشيد السراي إن "المجلس غير راض عن أعمال مديرية المجاري وخصوصا مع غرق معظم شوارع الناصرية بمياه الأمطار، وأمر باقالة مدير المجاري مطروح على طاولة المجلس مع بقية مدراء الدوائر"، مضيفا "إن أخطاء بالتصاميم المنفذة من قبل شركات محلية لبعض مناطق شمالي الناصرية تسببت بزيادة معاناة المواطنين حيث فاضت بيوتهم بعد دخول مياه الأمطار إليها وكذلك فاضت الشوارع الفرعية لمعظم المناطق".
ضحايا جراء الأمطار
قالت الشرطة إن امرأة وطفليها لقوا مصرعهم عندما انهار منزلهم في ناحية النصر والسلام في قضاء "أبو غريب" غرب بغداد. الطفلان في الثالثة والرابعة من العمر.
وفي سنجار في محافظة نينوى توفي أربعة أشخاص وتضرر أكثر من 160 منزلا ومحلا تجاريا وذكرت أنباء أن آلاف المواطنين لاسيما في القرى يعانون من زخم الأمطار. في الأنبار انهارت أربعة منازل فيما غرقت معظم مناطق البصرة بعد ساعتين فقط من بدء هطول الأمطار فيها مما أدى الى عرقلة حركة السير والتنقل.