لا يجوز طرد الدواعش من العراق ..!/ علي فهد ياسين

تتطور الاحداث في العراق بشكل متسارع وبأتجاهات تنذر بالأسوأ ، رغم دخول الذراع الجوي الأمريكي في دائرة المواجهة مع ( داعش ) ، بطلعات جوية لا تتناسب مع حجم الخطر وخارطة اتساعه ، حتى لتبدو للمراقبين أن الايام القادمة حبلى بالكثير من المفاجآت ، أكثرها خشية أن تعمل الأطراف الساندة للأرهاب على ابقاء خرائط النفوذ دون تغيير ، لتؤسس الى وضع جديد على الأرض يقترب من الأعتراف بخطوط جغرافية جديدة على الارض كأمر واقع .
بعد شهرين من ( خراب الموصل ) الذي جاء بعد ( خراب البصرة ) الذي سبقه بقرون ، يجري حثيثاً مخطط ( خراب العراق ) على ايدي عراقيين وعرب وأجانب ، ساهموا ومازالوا في تدمير البلاد والعباد ، في مسلسل مستمر بحلقاته منذ عقود ، بسيناريوهات تتناوب فيها الاطراف المسؤوليات للتنفيذ وتوزيع الغنائم، غير آبهةِ بأروح مئات الآلاف من الضحايا الابرياء من جميع أطياف الشعب العراقي ، وعلى أيدي بعضهم البعض بدلاً من أن يعملوا معاً لاعادة الأعمار والبناء .
لكن كل صفحات الدمار السابق لا تعادل ما يتعرض له العراق الآن على أيدي برابرة القرن الحادي والعشرين ( الدواعش ) ، فقد تجاوزت جرائمهم كل التوصيفات لأسلافهم على مدى تأريخ البشرية ، وتجاوزت أفعالهم خلال شهرين فقط ، ما قاموا به في سوريا خلال السنوات الثلاثة الماضية لسببين رئيسيين، الأول هو اصطفاف طيف عريض من السياسيين ( اصحاب النفوذ ) في سدة الحكم في العراق معهم ، مما وفر لهم الحواضن الممتدة على طول الخارطة الجغرافية التي استهدفوها في المرحلة أولى من اجتياحهم للاراضي العراقية ، والثاني هو المخطط الاستخباري الدولي الذي جرى تنفيذه بدقة وبخطوات متعاقبة ومدروسة للسيطرة على اعداد هائلة من الاسلحة والاعتدة والتجهيزات والمعدات العسكرية العراقية الحديثة ، وهما حالتان لم يتوفر عليهما التنظيم الارهابي في سوريا طوال الفترة السابقة .
لايزال الوقت مبكراً لكشف تفاصيل الأحداث وجهات تنفيذها بشكل نهائي ، رغم أن ذلك ليس عصياً على المراقبين اذا ما جرى تتبع خيوط نسيجه وتوقيتات تطور مراحله وصولاً الى مابات عليه الوضع الآن ، فاللاعبين الرئيسيين لم ينزلوا من السماء ، وهم أطراف الصراع السياسي في العراق منذ عقود ، لكن الجديد هو نوعية ذراع التنفيذ التي هي ( عنوان اسلامي ) موجه بأوامر جهات ليس لها علاقة بالاسلام ، ان لم نقل انها معادية للاسلام أصلاً.
لقد تصاعدت الدعوات الى ضرورة تكاتف الجهود المحلية والعالمية ، الرسمية والشعبية ، لـ ( طرد ) عصابات داعش من العراق ، وهي دعوة لا أعتراض على مضمونها ، بعد الكم والنوع الهائل من الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها يومياً تلك القطعان البربرية التي تنشر الدمار في كل مكان تهاجمهه ، لكن معنى الـ ( الطرد ) هنا هو ابعادهم خارج حدود العراق ، وهذا أمر غير مقبول أطلاقاً ، لأن هؤلاء استباحوا كل المحرمات القانونية والانسانية ، فقد احتلوا اراضي عراقية، وقتلوا آلاف المواطنين ، وأنتهكوا أعراض النساء العراقيات، واحرقوا وهدموا دور العبادة والرموز التاريخية والحضارية العراقية ، اضافة الى قائمة طويلة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون العراقي والقوانين الدولية .
أن مسؤولية حماية العراق وشعبه وثرواته وحدوده تتحملها الحكومة العراقية المنتخبة وفق الدستور العراقي الذي مررته احزاب السلطة، وهي ملزمة بتنفيذه ، وعلى اسسه والقوانين الصادرة بموجبة تتحمل كل التبعات المترتبة على جرائم داعش ، وهي ملزمة بالتصدي لهذه العصابات والقضاء على اخطارها بشتى السبل والوسائل التي يسمح بها القانون ، وهنا تكون عملية طرد داعش من الاراضي العراقية لا تتوافق مع واجبات السلطات العراقية ، لأن هؤلاء مجرمون يجب معاقبتهم على جرائمهم وليس السماح لهم بالافلات من العقاب ، ومعلوم بان هروب المجرمين من الاراضي العراقية يعني خلاصهم من مواجهة القانون ، وعندنا امثلة صارخة على ذلك ، منها هروب أربعة وزراء عراقيين بعد سرقة مليارات الدولارات من ثروات العراق الى دول يحملون جنسياتها وتدعي انها صديقة للشعب العراقي ، والى الآن لم تستطع السلطات العراقية تحريك ساكناً لاسترجاع هؤلاء السراق ولا الاموال التي سرقوها ، فكيف تستطيع محاسبة قتله مرتزقة اوباش ليس لهم عناوين ثابتة اصلاً.؟
لاشك أن قيادات داعش اعتمدت اساليب خاصة بها لتجنيد التابعين من المناطق التي استولت عليها ، هؤلاء عراقيون تختلف اسبابهم ودوافعهم للانتماء لتلك العصابات ، لكنهم في الغالب يعتمدون اللثام لأخفاء هوياتهم، وهو مؤشر واضح على أنهم على قناعة راسخة بأن الأمر مؤقت مهما طال أمده ، أما غير العراقيين فانهم لا يحتاجون هذا اللثام ، والخطير في الامر هنا ان هؤلاء المشاركين مع داعش في جرائمها ، اذا كان الامر بعد كل هذه الجرائم هو طرد المجرمين دون القصاص منهم ، فان هؤلاء الباقين من العراقيين الذين سينزعون الزي الداعشي ولثامه ، سوف لن يحتاجوا الى من يأتيهم من خلف الحدود مرة أخرى ، لأنهم هم سيكونون قادة لفصول قادمة من مسلسل داعش وبنفس اللثام المؤقت الذي سيصبح شعاراً للمجرمين كلما اختلف السياسيون .
على ذلك لن يكون من الصائب الدعوة الى طرد ( قطعان داعش ) من العراق ، انما يجب ان تتكاتف كل الجهود للحيلولة دون هروبهم من الاراضي العراقية ، ليواجهوا مصيرهم الاسود جراء ارتكابهم الفضائع التي يندى لها جبين الانسانية ، ولتتكشف شبكات مسانديهم وداعميهم ومموليهم العراقية والعربية والاجنبية ، لتكون الصورة واضحة لاهالي ضحاياهم وللعراقيين والعالم أجمع ، عسى أن تكون درساً بليغاً لأعداء العراق والانسانية .