مصائب قوم عند قوم فوائد / صادق محمد عبد الكريم الدبش

بعد الأحتلال الأمريكي للعراق ..وأصدر بريمر الحاكم الأمريكي للعراق بعد الأحتلال ، قرارا بحل الجيش وكل القوى الأمنية !...ولم يجد البديل لهذه المؤسسة الهامة في حياة كل شعب وكل بلد ، بأعتباره هو من يبسط الأمن ويحمي المواطنين وأموالهم ....ويحافظ على ممتلكات الدولة ...ويحمي حدودها وسمائها ومياهها ، ويراقب العاملين الأجانب على الساحة الوطنية من أي نشاط يتعارض مع مصالح البلاد العليا . والذي حدث وبشكل متعمد !..وذلك بترك العراق ساحة مفتوحة !...لكل من هب ودب ..وعملت على ساحته دول أقليمية وعربية ودولية كثيرة ، وجميعها كانت تبحث عن مصالحها وتأمينها وبطرق ووسائل مختلفة، وحسب ما يكون ذلك ممكننا ...وما شهدناه بعد عام 2005 م وما تلته من سنوات ، فترات عصيبة ومؤلمة ...بل كارثية ، وما رافق ذلك من صراعات طائفية وأثنية ومناطقية ...والتي قادته وهيأت له وغذته أطراف داخلية وخارجية ....وتصدر إدارة هذا الصراع قوى الأسلام السياسي ، والتي كانت كل الظروف مهيأة لهذا الصراع المحموم ، ولقد تم وبشكل منظم وبأتقان وتهيئة وتخطيط من أطراف كانت تسعى ومازالت جاهدة لتأجيج هذا الصراع ودفعه لنقطة اللاعودة ، من خلال توسيع رقعة الأنقسام والتشظي بين مكونات شعبنا المختلفة ، وهو نتيجة منطقية لما أفرزته السياسة الأمريكية في العراق ، وترتب على ذلك أستحقاقات ونتائج ..وخلق واقع جديدا ، من خلال بروز قوى سياسية وعسكرية وبتموين ودعم خارجيين ...وهي الميليشيات ، وبدأت هذه القوى والتنظيمات ببناء نفسها والتوسع الأفقي والعمودي وتروضها وأتقانها لعبة الحرب الطائفية وأدارتها وتوظيفها لصالح تطور أنشطتها في المجالات كافة ، وأضحت قوة عسكرية وسياسية وأعلامية ومالية ، قادرة على التحكم والتأثير في المشهد السياسي والأجتماعي . وخلال السنوات العشر الماضية ، تمكنت هذه القوى من بناء نفسها وتحصين تنظيماتها ( من خلال التنظيم والتدريب ...والقيام بأنشطة وفعاليات جماهيرية واسعة ) وأستخدمت الدين والحوزة ومدارسها لتجيش الشارع لصالحها من خلال الشعائر والمناسبات الدينية المختلفة ، وتمكنت كذلك من أستغلال الأنفتاح و( الديمقراطية !؟) بتبوئ مراكز الدولة المختلفة ، وهيأت لذلك المال والأعلام والقوة لتحقيق مكاسب سياسية في الحكومة والبرلمان ومفاصل الدولة المختلفة ، مما أكسبها تأييدا جماهيريا واسعا ( طبعا بفعل المال السياسي والأعلام والتهديد والوعيد لكل من يتصدى لمشاريعهم ..وكذلك الترغيب والوعود بهبات ووظائف وأكراميات ....سياسة العصى والجزرة ) . وتحولت الى قوى ميليشياوية تتحكم بمصائر البلاد والعباد نتيجة لما تمتلكه وما أستحوذت عليه وما أكتسبته خلال السنوات العشر الماضية ..ولا توجد قوة في الدولة والمجتمع قادرة على مواجهتها !..أو مخالفتها في الرأي ، بما في ذلك مؤسسات الدولة المختلفة وحتى الساعة ...فتجبرت هذه الميليشيات وتعفرتت ، وبدأت تظهر مخالبها تجاه الأخر المختلف معها بسب أو بدونه ..والغرض هو أخضاع هؤلاء المختلفين معها سياسيا ومذهبيا وعرقيا ..وحتى مناطقيا ، كونهم القوة الأكبر والأقوى والأكثر عددا وعدة ومال وجاه . وبعد أن تحول هذا المشهد ( سيطرة وهيمنة هذه التنظيمات المسلحة ...على مفاصل الدولة والمجتمع ) تحولت الى مشكلة أقليمية ودولية ...تقض مضاجع هؤلاء المتوجسين من هذه الميليشيات وأنشطتها ، من قوى وطوائف ومناطق مختلفة مع هؤلاء في الداخل ، وكذلك الخارج العربي ولأسباب طائفية ، ومع الغرب المتخوف من قيام دولة دينية على شاكلة أيران وطالبان ، فقد جرت محاولات أقليمية ودولية للتصدي لهذه السياسة الميليشياوية !...والتي تمكنت من أبتلاع الدولة ومؤسساتها المختلفة ومن دون منازع ، فقد أوصل هؤلاء المتخوفين من الهيمنة الطائفية واللون الواحد على مقدرات البلد ...وكذلك التخوف من الدولة الدينية للغرب !...رسائل شديدة اللهجة من قبل الغرب ...بقلق هذه الدول وكذلك الدول العربية ..والذي أدى الى أقصاء السيد المالكي ...والتأكيد على أن الميليشيات يجب أن يتم حلها وتصفيتها بشكل كامل ، وبعد الأنتخابات البرلمانية التي جرت في ربيع من عام 2014م ، وما أفرزته الساحة من مستجدات ودخول داعش وأحتلالها الموصل وصلاح الدين والأنبار وحزام بغداد وأجزاء من كركوك ، والذي كان طوق النجاة لهذه الميليشيات ...من وجهة نظري !، وبذريعة التصدي للقوى الأرهابية ...خرجوا علينا هؤلاء ( زعماء الميليشيات والطوائف ، المتداخلين مثل ما أسلفنا في مفاصل الدولة المختلفة ) بالتأسيس لما يطلق عليه اليوم ( الحشد الشعبي ) لكي يتسنى لهم شرعنة نشاط هذه الميليشيات من خلال دمجها في الحشد الشعبي ، ويكونوا قد تخلصوا من المأزق الذي يعانون منه ، من خلال الضغط بحل هذه الميليشيات حسب الطلب الغربي والعربي ، فكان فعلا طوق نجات ، يعني خرجوا من الباب وعادوا الى البيت من الشباك . ولا يفوتني أن أذكر بالنوايا التي تجري اليوم بالتأسيس لما يراد تسميته ( الحرس الوطني ) وهو واجهة أخرى من أوجه شرعنة المنطق الميليشياوي وخاصة في المناطق الغربية ، وهو عمل يحمل بين طياته مخاطر جسيمة !..من خلال خلق تشكيلات عسكرية على أساس مناطقي وطائفي ، وهو ينذر بحالة تمترس وتخندق ..قد يكون سببا في أشعال حرب طائفية ومناطقية قذرة ، وهي لا تقل خطورة عن الميليشيات القائمة الأن ، لذلك لا بديل عن المؤسسة الأمنية والعسكرية الواحدة والوحيدة وتحت أدارة وهيمنة وقيادة الدولة .
وهنا بدوري أسأل ...من يدير الصراع بين الدولة ( أذا أفترضنا !..مجازا بأن لدينا دولة ) وبين القوى الأرهابية من الدواعش والقاعدة وكل من يماثل العراق العداء ؟...هل القوى الأمنية ( جيش ...شرطة ..أمن وطني ......القوة الجوية ...والبحرية وغيرهم ) هل هؤلاء هم من بيدهم ناصية القرار؟.. وهم من يتحكم في ساحات المعارك والمسؤولون عن ادارتها ؟...أم الميليشيات والتي أصبحت أعدادها لا تحصى على الساحة العراقية ؟!..، والمتابعين للمشهد السياسي والأمني والمراقبين والمحللين له ...يقرون بهذه الحقيقة ..بل الأكثر من هذا كله السيد رئيس مجلس الوزراء يقول أصبحت هذه الميليشيات لا تقل خطرا عن داعش ؟!!...تصوروا أيها السادة هذا قول القائد العام للقوات المسلحة ! .....وما تمتلكه هذه الميليشيات من عدة ومال وسلاح ، وتداخلها في مؤسسات الدولة المختلفة ..وهنا تكون الصعوبة مركبة... في لو تم أتخاذ قرار بحل هذه الفصائل والميليشيات !..وهذا ضرب من الخيال في ظل هذا الواقع . أن الكذب على الناس وأيهامهم بهذه الفبركات وهذا الخداع ...والضغط على القوى السياسية بعدم التعرض لهذه الفصائل والمطالبة بحلها !...على أعتبار كونها تقوم بواجبها الوطني ؟!!! والدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات...وتسفيه عقول الناس وأقناع مختلف القوى السياسية والدول الأقليمية والمجتمع الدولي !...بأن من يقود معركة تحرير مناطق العراق المحتلة !!؟...من قبل الدواعش وقوى الارهاب المختلفة ..،هم القوات الأمنية ...وهذه المؤسسة هي من ترسم وتخطط...وتنفذ العمليات العسكرية !...وأن الحشد الشعبي هو مساند لهذه القوات وكأن الشغلة كأنها ( فزعة عشاير ) حتى لا يفهم كلامنا خطأ ...ويتم تحويره وحرفه عن هدفه الحقيقي ؟...أننا نقدر عاليا كل التضحيات والجهود التي تبذل من كل هذه الجموع المنخرطة للدفاع عن العراق بكل مكوناته وأطيافه ، ونجل الشهداء والقرابين التي قدمت خلال الفترة الماضية والحالية ، ولكن علينا أن لا تأخذنا الشيم والتقاليد والأعراف عن علمية أدارة هذه المعركة وتحديد مهماتها ومن المسؤول عن النهوض بهذا الشرف العظيم .؟....يجب أن تكون قوة وحيدة ولا شئ سواها !...وهم القوات المسلحة العراقية وحدها المسؤول ولا شئ سواه ، وكل سلاح أخر خارج هذه المؤسسة هو ألغاء للقانون وشرعنة للأنفلات وللميليشيات ولقانون شريعة الغاب ، وعلينا أن نقول هذه الحقيقة ونقرها ونشرعها وندافع عنها ولا شئ سواها أبد . !......السؤال الذي يطرح نفسه ؟...هل منتسبي هذه المؤسسة وقادتها قادرون على مخالفة الميليشيات وقادتها؟ .. وهل المؤسسة العسكرية هي من تحدد أنشطة هذه الميليشيات ...العسكرية والأمنية ؟..في مواجهة قوى الأرهاب ؟. أن من يدير العمليات العسكرية والأمنية هم قادة هذه الميليشيات ويتحكمون بكل الأنشطة للقوات المسلحة بشكل مباشر أو غير مباشر ، بل يتحكمون بكل مفاصل الدولة المختلفة ، ولا توجد قوة في العراق ...عسكرية أو سياسية أو أقتصادية ، قادرة على التصدي لهذه الميليشيات ...وهنا يكمن الخلل ...بل المصيبة الكبرى في أستمرار وتبرير بقاء المشهد على ما هو عليه الأن ، ومقتل العراق والعراقيين هو أستمرار هذه الصورة الكارثية لتدفع بالعراق الى مزيدا من التدهور والتأجيج الطائفي والمناطقي والأثني ، وسينعكس هذا كله ..على المشهد السياسي والأقتصادي والأجتماعي ، أضافة الى ما ذكرناه وما يتعلق بالجانب الأمني ...والبحث عن الحلول والمعالجات في ظل هكذا مشهد والذي يدعوا الى التشاؤم ..وقتامة المشهد برمته في العراق، أن الحل الوحيد يتمثل بأعادة النظر بكل المؤسسة الأمنية ..وأعادة تشكيلها على أساس مهني ووطني ووفق أسس علمية ومهنية مدروسة ، ويقودها أناس أكفاء ومهنيون ومستقلون ..لا ينتمون لأي فصيل سياسي !!!!؟، ويتمتعون بالوطنية والمهنية واللياقة البدنية والنزاهة ، وأن تكون هذه المؤسسة مستقلة أستقلالا تاما ...وعدم أقحامها بالصراع السياسي وتوزيع المغانم !؟ وأنتشالها وتخليصها من الفساد المالي والأداري والسياسي ومن النزعة الطائفية المدمرة ، ويتم دعمها ماليا وتقنيا ..ويعاد العمل بالخدمة الألزامية ، وبذلك نكون قد أقمنا مؤسسة وطنية بأمتياز ...ومدعومة من كل الطيف العراقي وبمكوناته المختلفة ، والمدافع الأمين عن مصالح شعبنا العراقي بكل أطيافه ومكوناته وشرائحه .
ومن نافلة القول وفي سبيل التصدي للأرهاب والأرهابيين والقتلة وللجريمة المنظمة ولتجار المخدرات والسلاح والفاسدين والمفسدين وللطائفيين ، لتحقيق هذا الهدف يجب أعادة النظر في بناء الدولة والمجتمع وعلى أساس المواطنة ...وبناء الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ، الدولة الضامنة لحقوق الجميع والحامية لأموال وأعراض وكرامة الجميع ، ومن أجل وطن مزدهر وحر وكريم ، ولا خيار أمام العراقيين غير هذه الوسيلة ومهما أرادوا أن يبرر او يفبرك المبررون والمفبركون ، حتى وأن بقوا مائة سنة أخرى في دوامتهم هذه ؟!... فسيعودون الى خيار الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ..أمل الملاين من أبناء وبنات شعبنا فليعملوا في سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل ..وليحقنوا دماء العراقيين وليمسحوا دموع الأرامل والثكالا واليتامى والمعوزين ... وليعيش الناس بامان وسلام ورخاء، ومن أجل قيام الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ...دولة العدل والمساواة والحرية والانعتاق .