نعمة زالت ..و مريم لم تسمع أنين الصغار في سنجار / سهاد ناجي

احتارت الام بتسمية طفلتها المولودة حديثا في احدى مخيمات اللجوء بمدينة اربيل، بعد ان فقدت كل شيء: الدار والديار والعيش الآمن وسط الاهل و الاحبة. فقدت "اللمة " احبتها في يوم ولادتها الذي هو احلى و اقسى يوم يمر على المرأة في حياتها، وحيث مخيم اللجوء الذي لم يكن يوجد فيه احد من اهلها المباركين والفرحين بقدوم المولودة الجديدة في حياة العائلة.
صمتت الام وشرد تفكيرها بعيدا ، رغم ضجيج المخيم و الاصوات المطالبة بتوفير الغذاء والماء لهم بسبب الحر الشديد ورياح السموم التي تتلاعب باركان المخيم ، ربما كانت تحلم بالغرفة التي هيأتها لقدوم صغيرتها، وقد رتبت المهد في مكان هادئ تتوفر فيه مستلزمات الراحة والسكينة لنومها، كذلك الملابس ذات اللون الابيض الناصع. لكن صرخات وجع الصغيرة في المخيم بسبب الحر، والتي شقت عالم الضياع والتشرد والحرمان التي تعيشه العائلة بعد نزوحها من مناطقها الآمنة، اثر المعارك الدائرة بين القوات العسكرية وقوات التنظيمات الارهابية " داعش"، التي فرضت طوقا من الاحكام اللا انسانية على ابناء الطائفة المسيحية، ما اعاد الام لواقعها وهدهدة صغيرتها.
لست اعرف ماذا اسميك. لقد اقترحوا عليّ تسميتك نعمة أو مريم، فأية نعمة تلك التي نعيشها وسط الخيام التي تفتقر للحاجات الضرورية، وشمس لا ترحم بشرتك الرقيقة البيضاء. وبين مريم، فيا مريم الا تسمعين أنين الصغيرات والنساء المسيحيات والايزيديات ممن سبين و بُعن في سوق النخاسة كجوارٍ. اما سمعتِ اصوات الاطفال الذين دفنوا احياء تحت الارض ، يا ... ان شعبي يذبح ويشرد بين الجبال و الفلوات: لا ماء ، لا غذاء .. لا دواء ..
ذرفت الام دموعا سخينة ونظرت الى صغيرتها التي توسدت حضنها ، وقالت ان اخاك دفن حيا مع اصدقائه من الطوائف الاخرى .. و آخرين استخدموهم كدروع بشرية .. و غيرهم ماتوا بسبب ظروف النزوح القاسية في الطرق الوعرة , وآخرين وووو آخرين لا نعرف ما هو مصيرهم و اين التجأوا؟
من يسأل عن اطفال العراق ممن يعانون اوضاعا سيئة ومأساوية بسبب القتل على ايدي العناصر الارهابية ويشردون وينزحون بسبب المعارك. متى يستيقظ الضمير العربي والدولي والمحلي ويحرك ساكنا نحو انتشالهم من واقعهم المتدهور ؟ متى تصلنا الاخبار وتزف البشرى بان المجتمع الدولي قد قرر وعلى لسان الضمير الانساني بان الجرائم التي ترتكب بحق اطفال العراق جرائم ضد الانسانية وستتم محاكمة مرتكبيها . وبان السلام سيحل في ارضنا وسيعود النازحون الى ديارهم كي يتسابق الاطفال للوصول الى اراجيحهم التي صنعوها من الحبال على جذوع الاشجار التي تشمخ قبالة منازلهم..
وبصوت مبحوح، قالت الام: سأسميك مريم ..
يا مريم احلمي بان الدار لازال في مكانه ولم تتهدم اركانه.. وستغفين في مهدك وها انا اهز المهد.. يا مريم الا تسمعين صوت الاطفال ينادونك الخلاص..