من أضاع هويتي؟ / سهاد ناجي

بعد منتصف ليل ذاك اليوم المشؤوم ، لم يكن أمامهم سبيل غير التوجه نحو جبل سنجار، ذلك لان السيارات المحشوة بالمسلحين المدججين بالحقد والسلاح قادمة نحوهم، وهم عزل لا يملكون غير معبدهم وقريتهم التي يسكنونها. فروا راكضين دون ان يحملوا زادا ولا ماء نحو الجبل الصخري الممتد لمسافة 75 كلم، ذلك الجبل الذي ضم في دروبه وكهوفه العديد منهم أطفالا ونساء وكبار السن ممن يلوذون به خوفا ورعبا من آلات القتل الوحشية للداعشيين.
بعد سبعة ايام من البقاء في أتون الموت، جوعا وعطشا، استطاع البعض منهم الوصول الى اماكن النزوح والمخيمات، وعلى قمة ذلك الجبل «سنجار» كانت هناك طفلة وحيدة لم تتجاوز الثالثة من عمرها تتطلع يمينا وشمالا، من هي؟ ربما ايزيدية؟ او مسيحية ؟ لكنها على كل حال طفلة عراقية نازحة.
كانت ملامحها حزينة وعيونها دامعة.. كيف لا..! وهي تبحث عن ذويها، ومن يدلها عليهم، ذاك الوجه الطفولي البريء يطرح الف سؤال وسؤال: ما ذنبي أن احرم من حضن أمي وعطف أبي؟ ان اجرد من جلدي وينتزع مني لحمي وأخي وأختي ولعبي وكل عشيرتي وصحبي؟
كان ذلك الليل المدلهم السواد والمسجى على صخور الجبل أكثر وحشة من الغربة والهجرة نحو المجهول، ورغم انبلاج شمس الصباح لم تنشف دموعها وصرخاتها المدوية التي تشق عباب السماء (أمي أمي اريد امي)؟ حين اضطر عدد منهم لجلب عدد من الأطفال الى مخيم النزوح ممن أضاعوا ذويهم.
لقد سقط العديد من الأطفال النازحين بين الصخور كورقات الخريف المتساقطة، قد يكون احدهم أخاها او من أقاربها، توسد صخرة وغفا عليها ولم يستيقظ بعد، وأبت أمه ان تتركه لوحده في ليله الطويل، فبقيت تحرسه ليلا ونهارا بدل نجوم السماء ورياح الضياع، ولعل تلك كانت امه.. او غيرها ؟
تلك العيون الدامعة تضيعنا في متاهات الحزن اللا محدود، فتقول: أيحتمل ان تاه وجه امي بين الوجوه الهاربة والمهرولة نحو القمة. لانني هنا وحدي في مخيمات اللجوء.
أناديك علك تسمعينني. أغفوت على تلك الصخرة، ام سبيت، ام باعك من لا ضمير لهم.. او تلحفتِ الضياع وتشردتِ في دهاليز الجنون العمياء، وان كنت بجواري، ايعقل ان لا تسمعي صرخاتي ولا تعي شكواي؟
امي.. ابحث عنك في الوجوه لعل محياي يلوح لك، وتركضين لتضميني وتدفئيني، يكاد صقيع الشمال الذي يلف اوصالي الغضة ان يجعلني اتجمد.. لانك لست معي و لا ابي ولا اخي ولا .. انا وحدي..
في مخيمات اللجوء العديدة ، من يسمع أنين الكثير من الاطفال النازحين ممن فقدوا ذويهم وأضاعوا آباءهم وأسرهم وهم بحاجة الى مساعدة للوصول الى عوائلهم ؟ وان على الجهات المعنية الحكومية والمدنية لرعايتهم تقديم المساعدة لهم ! انهم اطفال صغار لا ماؤى لهم ولا عائلات تضمهم.