نصف مليون طالب في الموصل بين أوامر وزير تربية داعش وقرارات الوزارة في بغداد

بغداد – طريق الشعب
بينما يستعد الطلبة في باقي مناطق العراق للموسم الدراسي الجديد، يواجه نحو نصف مليون طالب في نينوى مصيرا دراسياً مجهولا حتى الآن. فالحكومة العراقية تصر على تأجيل فتح أبواب المدارس والجامعات أمام الطلبة، واكدت مرارا ان اية نتائج تصدر قبل طرد داعش من الموصل (مركز محافظة نينوى)لا يعتد بها.
ومع هذا فان الحكومة لم توقف رواتب موظفي التربية والتعليم البالغ عددهم في نينوى نحو 53 الفا، لكنها منحتهم اجازة اجبارية حتى نهاية العام الحالي وتوعدت المخالفين بعقاب شديد يصل حد الفصل من الوظيفة.
وهذا ليس وحده ما يعوق سير العملية التعليمية في الموصل، أذ أن عددا كبيرا من أبنية المدارس تشغلها عائلات نازحة جراء المعارك العنيفة بين قوات البيشمركة ومسلحي داعش في انحاء عدة من المحافظة لا سيما جزءها الشمالي.
عذاري حسين طالبة في الإعدادية، كانت ترتاد مدرسة مجاورة لبيتها، وهي اليوم ترى من خلال نافذة غرفتها عائلات تسكن الصفوف ورؤوس أطفالهم وهم يلعبون على مقاعد الدراسة. لم تقطع عذاري الامل في إكمال الامتحانات وتحقيق حلمها بدخول الكلية التي ترغب فيها، وكتبت الى إحدى زميلاتها تقول "آمل أن أصحو ذات صباح لأذهب الى المدرسة، لا لأشاهدها من خلال النافذة فقط"، مستدركة "سيكون ذلك رائعا اذا كانت المدينة قد تحررت من قبضة المتطرفين الجهلة". وفقا لما نقله عنها موقع "نقاش" في تقرير نشره عن اوضاع طلبة الموصل تحت سيطرة التنظيم ال?رهابي.
الخليفة الداعشي في الموصل أصدر بياناً عد فيه العام الدراسي 2013/2014 عام نجاح لجميع الطلبة عدا السادس الاعدادي (البكالوريا)، وحدد التاسع من أيلول موعداً لبدء الدوام في المدارس الخاضعة لسيطرة'الدولة الاسلامية.
هذا البيان، وضع المعلمين والمدرسين في نينوى بين مطرقة الخليفة، وسندان قرارات الحكومة المركزية، فمخالفة داعش تعني الموت، او الجلد في أقل تقدير، ومخالفة وزارة التربية يعني الفصل من الوظيفة.
وثمة مصادفة كبيرة تحدث في العراق، وهي متعلقة بنينوى، إذ يوجد الآن وزيران للتربية، الأول داعشي، والثاني حصل على ثقة البرلمان قبل أيام فقط ضمن التوليفة الحكومية الجديدة، وهو محمد إقبال، في وقت يحار فيه طلاب نينوى وتدريسيوها، أي قرارات سيمتثلون لها داعش ام بغداد.
بيان داعش تضمن أيضاً تأسيس ما يعرف بديوان التعليم لوضع مناهج دراسية جديدة وفقاً لنهج "الدولة الاسلامية".
وكشف موظف تربوي طلب عدم ذكر اسمه، لموقع "نقاش"، ان رئيس الديوان (وزير التربية والتعليم) شاب ثلاثيني يحمل شهادة الماجستير في العلوم الاسلامية يدعى خالد الاعفري (تركماني من قضاء تلعفر غرب الموصل).
ورأى الموظف ان "الخطر الكبير يكمن في المناهج التي ستدرس للطلبة خاصة في المرحلة الابتدائية اذا ما تم لهم ذلك، لان الاعفري معروف بين عناصر التنظيم بتشدده الكبير"، مضيفا "الواجب على اولياء الامور منع ابنائهم من ارتياد المدرسة، لأنهم لن يتخرجوا اطباء او مهندسين او محامين ... بل داعشيين فقط".
ايادي الخليفة امتدت الى الجامعات منذ البداية، وفضلا عن اتخاذ بعض أبنيتها مقاراً لداعش، بدأ أشخاص أميون بالتدخل في شؤونها مما اثار استياء التدريسيين.
اكرم حسيب، تدريسي في جامعة الموصل، علق على اوامر إلغاء كلية الفنون الجميلة وتغيير مناهج كلية القانون وغيرها من التوجيهات الغريبة بـأنها "جريمة بحق الفن والعلم لا يمكن السكوت عنها"، لكن زملاءه نصحوه بالصمت والا أسكتته المسدسات الى الأبد.
حسيب لم يغادر المدينة مثل اغلب التدريسيين الجامعيين وهو يبدي حماسة شديدة لاستئناف الدوام،'لان الحياة لا يمكن لها الاستمرار بلا علم ومعرفة'، لكنه يؤكد بأنه سيتخلى عن ايمانه هذا: 'اذا أجبرت على تدريس مناهج المتطرفين لن يكن امامي خيار سوى البحث عن جامعة اخرى في مكان آخر'.
بعد يومين على نشر بيان الخليفة التعليمي على شبكة الانترنت، دعا وزير التعليم الداعشي مسؤولي تربية نينوى للاجتماع وامرهم باستئناف الدوام. التربويون يدركون تماما بان الظرف الحالي لا يسمح بممارسة اي نشاط تعليمي لكنهم لا يملكون سوى الطاعة، خاصة مع تصاعد عمليات الاعدام في المدينة.
ويوم التاسع من أيلول المحدد لبدء العام الدراسي، حضر عدد قليل جدا من موظفي التربية، من دون ممارسة اي نشاط رسمي، احد الحاضرين قال لزميله الذي هاتفه مستطلعا "تبادلنا التحيات وبعد نصف ساعة استأذنا للمغادرة. انه اسقاط فرض لا اكثر".
ليس الطلبة وحدهم المتضررون من تعطل الدراسة، فشارع النجفي - السوق الرئيسة لبيع مستلزمات التعليم- احد اكبر الخاسرين، فهناك يترقب اصحاب المكتبات ايلول من كل عام بفارغ الصبر لينطلق موسم التسوق، لكن هذا العام يبدو مختلفا عن غيره فالركود سيد الموقف حتى الآن.
ومن المرجح مع استمرار الوضع الراهن أن يفكر البعض في تحويل مكتبه الى مطعم او اي شيء يجلب موردا ماليا، الا اذا تغير الحال فجأة وعادت الحياة الى السوق.