النظرية العامة للتأمين الاجتماعي وقانونه / المحامي هاتف الاعرجي

النشأة الحديثة لقانون التأمين الاجتماعي تقتضي منا محاولة تفهم ابعاد هذا القانون وجوهره.
ان هذا الفهم لن يتأتى إلا من خلال لمحة سريعة لتطوره، وللمكانة التي يحتلها في التشريعات المقارنة. ان قانون التأمين الاجتماعي يتميز عن غيره من فروع القانون بارتباطه الشديد بالمجتمع الذي يُطبق فيه وبتفاعله الملحوظ مع العوامل السائدة في هذا المجتمع.
وهذا يدفعنا الى محاولة استجلاء مفهوم هذا القانون كخطوة اولية لاستظهار سماته وخصائصه.
مفهوم قانون التأمين الاجتماعي:
ان وجود المخاطر البسيطة والخطر قد يكون مصدره الطبيعة وقد يتأتى من انشطة الانسان اليومية لكسب قوته ومعيشته وتلك المخاطر سواء في الماضي او الحاضر كانت دائماً محل تفكير الانسان ومصدرا لقلقه ولمخاوفه المستمرة.
ورغم تعدد المخاطر الاجتماعية التي يهدف التأمين الاجتماعي الى العمل على ايقافها، الا ان هناك سمات مشتركة بين هذه المخاطر دفعت الفقه القانوني الى محاولة التعرف عليها وتقسيمها الى مجموعات مختلفة.
مفهوم الخطر – Risk
الخطر بشكل عام هو كل ما يتعرض له الانسان في حياته اليومية من حوادث مسببة له نقصاً في دخله او زيادة في اعبائه. ومجرد احتمال وقوع هذه الحوادث يشكل في ذاته خطراً يقلق الفرد ويدفعه الى التوقي منه. وتتعدد الحوادث التي تشكل خطراً يقلق الفرد ويدفعه الى التوقي منه كما تتعدد الحوادث التي تشكل خطراً يمكن ان يسبب للفرد خسارة مالية. فقد تكون طبيعية مثل الزلازل والبراكين والسيول، وقد تكون دولية مثل الحروب، وقد تكون سياسية مثل التظاهرات والحروب الاهلية، وتغير نظام الحكم،، بما يصاحب ذلك من مخاطر يتعرض لها بعض الافراد او رجال الأعمال واصحاب الأموال. وقد تكون الحوادث ذات طبيعة اجتماعية، مثل خطر الموت والعجز والمرض والاصابة، وذلك النوع من الخطر هو اذي يشكل موضوع قانون التأمين الاجتماعي.
تعريف الخطر الاجتماعي: تتنازع الفقه القانوني عدة اتجاهات لتعريف الخطر الاجتماعي:
أ- تعريف الخطر الاجتماعي بالنظر الى سببه: اذ يرى البعض ان الخطر الاجتماعي هو ذلك الناشئ عن العيش في المجتمع، فالتأمين الاجتماعي يواجه اساساً الأخطار اللصيقة بالمعيشة والوجود في المجتمع وان الخطر الاجتماعي يجب ان يُعرف عن طريق تحديد نتائجه وآثاره على الذمة المالية للفرد.
فالحوادث والمخاطر لابد ان تؤثر بالضرورة على المركز الاقتصادي للفرد وما أجمل ان يحصن الانسان ضد كافة المخاطر، لكن القانون لا يتحرك إلا في حدود الواقع، ومن ثم فأن قانون التأمين الاجتماعي لا يغطي إلا بعض المخاطر التي تؤثر على الذمة المالية للأفراد مثل الشيخوخة والعجز ولا يغطي مخاطر أخرى مثل الحرب والحريق.
الاخطار الاجتماعية بين النظرية والتطبيق
ينبغي في نظرنا عدم الخلط بين ما هو كائن وما ينبغي ان يكون، فالاخطار الاجتماعية في تعريفها الصحيح هي ما يمكن ان يؤثر على مركز الفرد الاقتصادي. فالخطر الاجتماعي هو الذي يشكل مساساً بذمة الفرد المالية سواء أكان ذلك بإنقاص دخله ام بزيادة نفقاته. وهذا ينطبق على كافة المخاطر أياً كانت اسبابها شخصية او مهنية او اجتماعية.
والانسان بطبيعة الحال في حاجة الى الأمان ضد كافة هذه المخاطر. فقانون التأمينات الاجتماعية المصري اقتصر عند صدوره على تغطية نوع واحد من الاخطار الاجتماعية وهي تلك التي تتعرض لها طائفة العمال، غير ان التطور التشريعي انتهى اليوم الى شمول معظم فئات القوى العاملة. بل شمل اليوم اصحاب الاعمال، ومن جهة اخرى نلاحظ ان التأمين الاجتماعي الفرنسي يغطي من المخاطر ما لا يشمله نظيره المصري. بينما يصل النظام النيوزيلندي الى تغطية كافة الاخطار الاجتماعية بما في ذلك أخطار الحروب والطوارئ المختلفة وبما يحول دون تحمل اعباء ال?وارث المفاجئة.
وبالرجوع الى نظم التأمين الاجتماعي الوضعية في البلاد المختلفة يتضح لنا ان أهم الاخطار التي تغطيها وينطبق عليها وصف الأخطار الاجتماعية هي الاتية: المرض، الأمومة، العجز، الشيخوخة، اصابة العمل، امراض المهنة، وحوادث العمل، والوفاة، (وحماية اقارب المتوفين الباقين على قيد الحيا)، الاعباء العائلية، والبطالة.
وقد تطور التشريع ليشمل معظم هذه المخاطر، الشيخوخة والعجز والوفاة وجاءت البدايات الاولى للتأمين الاجتماعي في الاتحاد السوفيتي مع قيام الثورة البلشفية لعام 1917، تعددت المحاولات الى ان صدر قانون 1923 الذي اعتبر الوثيقة الاساسية للتأمينات الاجتماعية، وكان من أهم التوجهات التي أوصى بأتباعها التقرير، امتداد الضمان الاجتماعي الى كل افراد الشعب فالضمان الاجتماعي ليس قضية عمالية فحسب بل انه قضية انسانية فيجب ان يغطي الضمان الاجتماعي كل المخاطر الاقتصادية بما في ذلك الاعباء العائلية، على ان يقترن ذلك بضرورة وجود سياسة شاملة للرعاية الصحية المجانية ولجميع افراد الشعب.
لقد اتضح لنا ان تشريعات التأمين الاجتماعي قد احتلت مكاناً هاماً في معظم دساتير وقوانين دول العالم، بل ان الأمر تعدى ذلك الى الاعلانات والمواثيق الدولية والتي عملت على تعضيد الحق في التأمين الاجتماعي والعمل على اقراره على الصعيد الدولي.
ان ربط التأمين الاجتماعي بالعمل كان هو السائد في روسيا والبلاد الاشتراكية، لقداسة العمل في هذه الدول.