في وداع مناضل.. نعمة فضل عبيد الزهيري / د. سعدي السعدي

المندائيون يتفقدون بعضهم البعض في أحزانهم وأفراحهم عبر شبكة من الاتصالات الالكترونية.. وذات يوم اهتزت مشاعري لخبر وفاة واحد من الجنود المجهولين، ومناضل عارك الحياة وصارع الدكتاتوريات.. ما شدني الى الخبر ان أبناءه يكتبون نبأ الوفاة، متحدثين عن قامة نضالية مغمورة بعد سنوات طوال من النضال، وأخرى من العزلة والانكفاء ..
ففي تاريخ 13 أكتوبر 2013 يكتب ولده "عبادي نعمة فضل عبيد الزهيري" على النت مرثية لوالده الراحل، نعمة فضل عبيد الزهيري، بعد مرور خمسة وأربعين يوماً على وفاته، كتقليد مندائي، يقول فيها:

(يا أبونا الغالي .. سيظل اسمك دوماً عالي
يا أبونا، ويا هيبة البيت .. ستبقى ذكراك فينا ليل نهار
وداعاً أيها المناضل
وداعاً يا علماً، يا جبلاً شامخاً لا تهزه الرياح
وداعاً يا من أحببت الفقراء، ومن أجلهم ضحيت
وداعاً يا من ضحيت من اجل الوطن والعقيدة والسلام
وداعاً يا من كنت عنيداً بوجه الطغاة .. لم تخف يوماً إرهابهم
نم خالدآ في ديار الغربة، وليبقى اسمك محفوراً في قلوبنا نحن أبنائك وأحفادك وأقاربك ومحبيك ..
لقد تأسف على رحيلك الجميع ..
تحية وألف تحية لروحك الطاهرة التي علمتنا كيف نحترم الآخرين، كيف نسامح الآخرين ..
كنت لنا مدرسة تعلمنا منها الكثير ..)

للأسف هناك مناضلون مجهولون طواهم النسيان لكنهم كانوا يوماً رائعين في عطائهم وتضحياتهم .. انطلقت من هذا الرثاء للبحث عن هذا المناضل فهداني حدسي الى مناضل مجهول آخر، هو غازي عبود الزهيري، وهو قريب للمناضل الراحل .. فزودني ببعض الذكريات عنه انقلها هنا بتصرف علني استطيع ان أضيف لسجل هذا الرجل الخالد بعضاً من سجله النضالي أملاً في أن نحصل على إضافات منيرة في صفحة هذا المناضل طيب الذكر ..
يقول غازي عبود .. أن نعمة من مواليد العمارة .. ناحية المشرح (الحلفاية) .. وحين إلتقاه كان يسكن منطقة (باب الشيخ) .. وبعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 انظم نعمة الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي .. وقد عرفه شخصية مقدامة، لا يهاب الموت، صلب متحصن مبدئياً، وطني صادق، لا يساوم على الوطن أبدا، متشبع بالمبادئ، ومتفهم لها ومتحصن بعلوم السياسة ذو حس طبقي مرهف ..
عايش غازي عبود الراحل نعمة فضل عندما كانوا يسكنون محلة واحدة ولغاية انقلاب شباط الأسود عام 1963 فأبلى الراحل بلاءاً حسناً في مقاومة الانقلابيين الفاشيين، هو وزوجته .. وبعد سيطرة الانقلابيين على الوضع لجأ الراحل إلى العمل السري، حاله حال العديد من الوطنيين الذين فلتوا من قبضة البعث الفاشي، حتى انطلاق حركة الشهيد حسن سريع في 3 تموز 1963 ، حركة الثالث من تموز الجيدة، الذي كان مساهماً فيها ..
بعد فشل الحركة طوق الفاشيين بيت الراحل نعمة فضل في باب الشيخ، محلة قيصرية الحاج منيشد (الخندق) فألقي القبض عليه هو وزوجته بتهمة الشيوعية .. فنالوا من التعذيب الكثير خصوصاً الأيام الأولى لاعتقالهم .. بقى هو وزوجته في المعتقل حوالي ستة أشهر، حتى سقوط البعث في 18 تشرين الثاني عام 1963 ، فأطلق سراحهم ..
في نهاية الستينات انظم الراحل نعمة فضل إلى تنظيم عزيز الحاج فافترق غازي عبود عن الراحل ثم مجئ البعث الى السلطة فأشاعوا الفساد وأطبقوا على الشعب إرهاب منقطع النظير وأسسوا لدكتاتورية عفنة أدخلت البلاد الى حروب لا ناقة للشعب فيها ولا جمل .. فتفرقت الجماعات كل الى بلد طلباً للأمان ..