الرفيق فهد دعاني لعضوية الحزب / ضياء العقابي

ولادتي كانت في 30 آذار 1934 سابقة لميلاد الحزب 31 آذار 1934 بيوم واحد فقط،، وهذا ما يعني أني لم أكن في عمر يؤهلُني للانتساب للحزب خلال قيادة الرفيق فهد . كما أني لم التق الرفيق فهد في حياتي لكي يدعوني للانتساب إلى الحزب إنما حصل الآتي.
كُنتُ في بدايات عام 1949 طالباً في الصف الثالث في متوسطة ألكاظمية مُشوش الاتجاه الفكري ما بين دُعاة القومية والفكر النازي وحماسهُم الفوضوي و بين حملة الفكر الشيوعي العلمي المتزن رغم علمي من أن أخي الكبير وأبن عمي كانا يحضران آنذاك لقاءات لحزب التحرُر مع صديقهما الشهيد محمد حسين أبو العيس.
في هذه الفترة بالذات علمتُ أن الحكومة ستشنق خلال اليومين القادمين قادة الحزب الشيوعي وفي ساحات بغداد العامة. في حينها قررتُ الذهاب إلى هذه الساحات للتفرج على عملية إعدام.
بداية شاهدتُ الرفيق فهد مُعلقاً في ساحة المتحف، في تلك اللحظة وأنا أُشاهد هذا المنظر إنتابني صراع غريب دفعني الى أن أسائل نفسي.. تُرى لماذا يُفضل إنسان الموت بملء إرادته على هذه الحياة الجميلة؟ لا بُد أن لديه ما يدفعهُ لذلك. وإستمر هذا الصراع يدقُ طبولهُ ويخترق خليط الأفكار التي تُعشعشُ في مُخيلة شاب يافع قليل التجربة الحياتية و الفكرية. عندها وبدافع لا شُعوري قررتُ أن لا أذهب لمُشاهدة إعدام الآخرين. كانت لحظة ذهول مُرعبة وأنا أُشاهد الشموخ والبطولة مُعلقة في الفضاء،وإذا بصوت شرطي يدعوني الى التحرك من المكان الذي طال الوقوف به في الوقت الذي كان البعض القليل ممن حضروا يمرون دون توقف .تحركتُ لأقف في مكان ليس بالبعيد وسط عملية تهذيب وتنظيف للأفكار كانت تجري وتحُركها إشعاعات كنتُ أحسُ مصدرها حزمة الأفكار الانسانية النبيلة المُعلقة. أحسستُ وكأن هذه الأفكار النبيلة تدعوني للتعرف عليها وعلى الأسباب التي دفعتهُم لهذه التضحية الغالية.
وكانت البداية.. حالما عدتُ الى البيت أخبرتُ أخي الكبير بما شاهدتُهُ وطرحتُ عليه نفس تساؤلي .. ما السر الذي يحملهُ هؤلاء والذي يدفعهُم الى أن يذهبوا غير مُبالين الى هذه النهاية المأساوية. كان رد أخي قصيراً وغير كاف.عندما تكبر ستفهم الحقيقة. ولما لم أحصل من أخي على التفسير المُقنع إتجهتُ الى زميل لي في نفس الصف .دمث الأخلاق و يتكلم في حالة الجد.مُجتهد في دروسه.كان يوم اعدام الرفيق فهد ورفاقه يبدو عليه الهم والغضب دون أن يشعُر الآخرون. بادرتُهُ بسؤال.. سمعتُ يوم أمس أن الحكومة أعدمت عدداً من الشيوعيين،هل لديك معلومات عن سبب أعدامهم؟ فرد علي: لأنهم يُطالبون بتوفير الخبز والسكن للفقراء والحياة الإنسانية الكريمة للشعب العراقي عامة. و كانت البداية. سيما وأن بداية البداية كنتُ أعيشُها ولم أكن أدركُها في حينه.كوني من عائلة ميسورة الحال من ملاكي الأراضي ،كنتُ أتلمس الفرق بين حياتنا وأخص بالذات الحالة المعاشية وبين الحالة المعاشية للفقراء المُحيطين بنا أو بقربنا.هذه الحالة التي لم أكن قد تعرفتُ على أسباب هذا التفاوت في مستوى المعيشة.
وكان التحول.. بداية استجابة لنداء خفي من حزمة الأفكار التي شاهدتُها تتأرجح على أعواد المشنقة منذ أيام والسر الخفي الذي دعاني للتقرب منها، الى الصدر الرحب والأحتضان الودي والمسؤول من زميلي شاكر الذي أخذ بيدي خلال فترة من الزمن أوصلني بها الى رفيق متمرس فاضل ثم الى عامل النسيج ناصر. ويوماً بعد يوم وبخطوات ثابتة ومبدئية تتطلبها مرحلة التحول الفكري التي حولت بوصلة مسيري نحو الطريق الصحيح وضمن سُلم التدرج الحزبي .. صديق، صديق منظم، خلية مرشحين ثم عضوية الحزب.