فؤاد نصار .. سيبقى خالداَ في ذاكرة شعبنا وحزبنا والحركة الثورية العالمية

يصادف اليوم الذكرى الاربعين لرحيل القائد الوطني والاممي المناضل فؤاد نصار (ابو خالد)، الابن البار للشعبين الفلسطيني والأردني، الذي رحل عنا في 30 أيلول عام 1976، بعد حياة حافلة بالتضحيات الجسام والنضال الوطني والاجتماعي بكافة أشكاله.
ولد في سوريا (بلودان عام 1914) لأبوين فلسطينيين من الناصرة، وفي عام 1929 شارك في المظاهرات الشعبية ضد الاستعمار البريطاني وضد الاستيطان الصهيوني، واحتجاجا على إعدام الوطنيين الفلسطينيين الثلاثة حجازي وجمجوم والزير، وقد القي القبض عليه وسجن لمدة أسبوع، وكانت بداية حياته النضالية.
عرف المنافي والتشرد وحياة الاختفاء القاسية، وتنقل في أكثر من سجن، في فلسطين والعراق وإيران والأردن، وعاش مرارة الهزائم والنكسات التي حلت بشعبه، فلم تخفت عنده روح التفاؤل، ولا غاب عن ناظريه نجم الأمل .
عمل على إنشاء مجموعات “أنصار” المسلحة عام 1936، أنتخب أمين عام “مؤتمر العمال العرب ” في فلسطين عام 1945، أنشأ الحزب الشيوعي الأردني باندماج الماركسيين بشرق الأردن مع عصبة التحرر الوطني في فلسطينيين عام 1951م. وأنتخب نصار أمينا عام للحزب. إلا أنه أعتقل في نهاية العام وحكم بعشر سنوات يقضيها في سجن الجفر. عمل على إنشاء قوات الأنصار عام 1970، الجناح العسكري للحزب الشيوعي.
وكانت حياته زاخرة بالنضال والمواقف المشرفة والمبدئية التي ستظل مصدر فخر للحزب، ولحركة التحرر الوطني العربية وللحركة الشيوعية العالمية، حيث انخرط في صفوف النضال منذ صباه وظل وفيا له.
ودافع عن القضايا الوطنية والعربية وعن العمال والفلاحين والفقراء عامة، قتال قوات الاستعمار والعصابات الصهيونية في فلسطين، وواصل نضاله ضد الاستعمار البريطاني في العراق والأردن.
وترك فؤاد نصار المدرسة من الصف الرابع الابتدائي ليعمل في صناعة الأحذية لتأمين دخل يسهم في نفقات العائلة.
وشكل نصار عام 1936 مجموعة من الثوار كانت تصنع المتفجرات، وتهاجم القوات البريطانية،وبعد اعتقاله في نفس العام قدم للمحاكمة بتهمة الانتماء إلى منظمة سرية معادية للانتداب البريطاني، والقيام بنشاط شيوعي.
اكتشف فؤاد نصار حقد البريطانيين على الشيوعيين مما دفعه للبحث عنهم، وتعرض بعد ذلك إلى الاعتقال عدة مرات، خرج من سجن عكا وفرضت عليه الإقامة الجبرية في الناصرة، فر إلى الخليل والتحق بالثورة الفلسطينية من جديد، استدعته القيادة العامة للثورة الفلسطينية في أواخر عام 1938 إلى لبنان ليعود إلى فلسطين قائدا للثورة المسلحة في منطقة القدس والخليل، بعد انسحاب القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني إلى دمشق بسبب مرضه.
وناضل الى جانب الثوار في لبنان وسوريا الى ان اخذت السلطات الفرنسية في سوريا ولبنان تضيق الخناق عليهم، أصيب بجروح بليغة في يده اليمنى وكتفه في تشرين أول 1939 وفي منتصف كانون أول 1939 انسحب بناء على توجيهات القيادة العامة للثورة، مع مجموعة من رجاله إلى بغداد، عن طريق الأردن التي وصلها مشيا على الأقدام، حيث وفرت له العائلات الأردنية المكان الآمن، ووصل بغداد عام 1940 ودخل الكلية العسكرية في بغداد وتخرج منها بعد 9 أشهر، وفي آذار عام 1941 قامت ثورة الضباط الوطنيين في بغداد (حركة رشيد عالي الكيلاني) ضد الإنجليز، واشترك فيها، وانسحب بعد فشل الحركة مع رفاقه الثوار إلى إيران في حزيران عام 1941، لم تسمح لهم إيران في البقاء على أراضيها، فقد استقر به الأمر في شمال العراق، وتعرض خلال وجوده في العراق للمطاردة والاعتقال من قبل السلطات البريطانية، تعرف على قادة الحركة الوطنية العراقية وقادة الحزب الشيوعي العراقي وفي مقدمتهم الأمين للحزب يوسف سلمان ( فهد ) في أواخر عام 1942 أصدرت حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين عفوا عاما، وعاد فؤاد نصار في بداية عام 1943 إلى فلسطين، وفرضت عليه السلطات البريطانية الإقامة الجبرية في مدينة الناصرة. أعاد اتصاله بالعمال والنقابيين الذين كان قد تعرف عليهم في الثلاثينات، وانضم للحركة النقابية الفلسطينية.
في خريف عام 1943 تم تكوين عصبة التحرير الوطني في فلسطين وانتخب ابو خالد عضوا في اللجنة المركزية بينما كان غائبا وفي عام 1944 انعقد المؤتمر الأول للعصبة واقر برنامجها وانتخب أبو خالد أحد أربعة أمناء للجنة المركزية للعصبة. وفي عام 1945 تم تأسيس مؤتمر العمال العرب في فلسطين وانتخب فؤاد نصار أمينا عاما للمؤتمر ومسؤلا عن تحرير جريدة الإتحاد التي أصبحت لسان حال مؤتمر العمال العرب.
وبعد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948 واحتلال معظم الأراضي الفلسطينية ودخول الجيوش العربية فلسطين تمزقت عصبة التحرير الوطني الفلسطيني، ولم يبقى من قيادتها في الضفة الغربية سوى (8) أعضاء منهم فؤاد نصار وطالب في حينه، بإقامة الدولة الفلسطينية التي نص عليها قرار الأمم المتحدة الصادر في 29/11/1947.
وبناء على المستجدات أعلن في عام 1951عن قيام الحزب الشيوعي الأردني وانتخب فؤاد نصار أمينا عاما للحزب، وفي نهاية 1951 القي القبض عليه وحكم لمدة عشر سنوات وخفض الحكم لست سنوات، وبقي في سجن الجفر الصحراوي طيلة هذه المدة. وفي تموز عام 1956 جرى اطلاق سراحة من السجن بعد حملة تضامن واسعة في أعقاب نجاح الحركة الوطنية في الانتخابات النيابية، وكان آنذاك قد نجح عن الحزب في هذه الانتخابات نائبان د.يعقوب زيادين عن مقعد القدس، وفائق وراد عن مقعد رام الله.
وفي نيسان عام 1957 غادر فؤاد نصار البلاد إلى دمشق بسبب الظروف التي نشأت في الأردن بعد الانقلاب على الحكومة الوطنية، وتنقل بين دمشق وبغداد إلى أن استقر به المقام في أوائل عام 1960 في ألمانيا الديمقراطية وعاد للبلاد بعد حرب حزيران 1967 قائدا للحزب، وكان على رأس كونفرنس الحزب في نيسان عام 1970 الذي أقر تشكيل قوات الأنصار للمساهمة في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وفي عام 1972 اختير عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني، وواصل عمله على رأس الحزب في النضال من اجل تحقيق الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ومن اجل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته على ارض وطنه.
هذا هو أبو خالد الإنسان الذي اتخذ من النضال حرفة، ومن التفاني نمط حياة. لم يعرف حياة خارج الحزب، ولا رسالة اشرف من النضال لخير الشعب، ولا قضية أنبل من الشيوعية.
أبو خالد هذا الاسم الذي اقترن بالقيم والمثل الشريفة، وتردد على السنة البسطاء من شعبنا بالمحبة والتقدير، هو نفسه الذي كان يثير الخوف في نفوس أعدائه، ويستثير حقد الإمبريالية والرجعية والصهيونية، وسائر الأعداء الطبقيين.
رحل أبو خالد.. انطفأ النجم الساطع الضيا، ولكن حرارته ستظل تشع وستظل ذكراه المجيدة عزيزة على قلوبنا تلهمنا الشجاعة والصلابة، وتثير فينا الحمية والحماس.
فؤاد نصار سيبقى خالداَ في ذاكرة حزبنا وشعبنا والحركة الثورية العالمية.