من الحزب

كلمة الشيوعي العراقي في اللقاء العالمي السابع عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية *

الرفاق الاعزاء ممثلو الاحزاب الشيوعية والعمالية الشقيقة
تحية النضال والعمل المثابر من اجل غد مشرق للبشرية جمعاء, ترفرف عليه رايات السلام والديمقراطية والاشتراكية.
يسرنا باسم قيادة حزبنا الشيوعي العراقي, أن نحييكم بحرارة, في هذا اللقاء الاممي الهام جدا, واثقين بنجاح اعماله في تعزيز نضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي والحروب الامبرالية وضد الفاشية, ومن اجل تحرير العمال والشعوب, من اجل الاشتراكية.
وفي ذات الوقت نتقدم بالشكر الجزيل والامتنان للحزب الشيوعي "تركيا" على استضافته هذا اللقاء, وتوفير مستلزمات نجاحه.
لقد أصبح برنامج الليبرالية الجديدة خطرا, فنحن أمام عولمة رأسمالية متوحشة, توظفها الدول الرأسمالية المتطورة, لأضعاف الدول الأخرى, وافقار شعوبها, ويدفع الكادحون من العمال والفلاحين وسائر شغيلة اليد والفكر ثمنا باهظا لهذه السياسات الجائرة, بل حتى المكاسب والحقوق التي حصلت عليها شعوب هذه الدول الرأسمالية نفسها, نتيجة نضالاتها الباسلة, وتقديمها ضحايا كثيرة للحصول عليها, بدأت بقضمها تدريجيا الحكومات اليمنية الممثلة لرأس المال المالي والشركات الاحتكارية ولا تتردد هذه الطغم الحاكمة خصوصا في الولايات المتحدة الامريكية بعد انتهاء الحرب الباردة وتحولها إلى القطب الأوحد في السياسة الدولية, لا تتردد ولا تتعفف عن إتباع أقذر الوسائل والأساليب لإخضاع الشعوب, بما فيها شن حروب عدوانية, وإقامة أنظمة دكتاتورية وفاشية.
لكن ما يحدث اليوم على الساحة الدولية, يؤشر إلى بروز أقطاب عدة, رغم انها لا تخرج عن ساحة رأس المال الاقتصادية, ومع ذلك فأن الازمات الاقتصادية التي تعصف بالمنظومة الرأسمالية لا تستطيع ان تتجاوزها, فضلا عن عدم قدرتها على أنتاج رؤية جديدة تنير لها السبيل الى المستقبل, طالما ظلت تقوم على قيمها الفردية المطلقة, فالاستغلال نتيجة بديهية للملكية الرأسمالية, الامر الذي سيوفر الفرصة لتفعيل دور الأحزاب الشيوعية والعمالية والنقابات, وسيعود الصراع الطبقي محركا رئيسيا للتاريخ, كما سيعود اليسار عامة ليتبوأ مركزه, وقد اصبحت بداياته واضحة للعيان من خلال الانتصارات الكبيرة في أمريكا أللاتينية وفي اليونان واسبانيا والعديد من بلدان أوربا.
ان جوهر الشيوعية يكمن في إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان, وتحقيق العدل الاجتماعي والمساواة والحرية, وهذه الأهداف النبيلة تمثل توق البشرية كلها, الذي سيظل قائما إلى حين الوصول إليها, والتمتع بها, ولهذا فأن وجود الأحزاب الشيوعية هو ضرورة موضوعية و تاريخية.
وهذا يتطلب منا تغييراً جذريا في طرق تفكيرنا والقيام بمراجعة نقدية تعتمد على هجران التفسير النمطي والتبسيطي للماركسية لصالح التفسير الديالكتيكي, فالماركسية منهج وليست شعارات جامدة, كما أن المنطق المعمق يقتضي بأن تربط الماركسية بتناقضات الرأسمالية وحركة الواقع المادي والاجتماعي, وليس بانهيار الاتحاد السوفيتي.
نحن بحاجة إلى مزيد من الانفتاح في الخطاب السياسي والإعلامي, وبما ينسجم مع روح العصر, وضرورة التنسيق, وإقامة أوسع التحالفات مع القوى والاحزاب القريبة فكريا وسياسيا, ومع حركات اليسار الجديدة ومنظمات المجتمع المدني, والمنظمات القطاعية والإنسانية. وكان "لينين" قد أكد أكثر من مرة انه لا يمكن لحزب سياسي ان يعيش دون تحالف ألا الذين لا يثقون بأنفسهم,. فكيف أذا كانت جبهة الأعداء الطبقيين موحدة؟
وقبل هذا وذاك لا بد من القيام بتحليل علمي ماركسي للواقع العملي في كل بلد, ومعرفة موازين القوى السياسية والاجتماعية, للتحرك في ضوئها, وبالتالي النضال والعمل الدؤوب لتوثيق الصلات مع الطبقة العاملة والشرائح الاجتماعية الكادحة, وتبني مطاليبها وقيادتها لتحقيقها وكما أشرت الدروس المستخلصة من انهيار تجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان أوربا الشرقية, مخاطر الانتقاص من البعد الديمقراطي, بمضامينه السياسية والفكرية والاجتماعية والمؤسسية في عملية البناء الاشتراكي. فان على الشيوعيين ان يجعلوا من النضال من اجل الحقوق والحريات الديمقراطية السياسية والاجتماعية وتكريسها وتعميقها حقوقيا ومؤسسيا وثقافيا, ركيزة ومنطلقا نحو الافق الاشتراكي.
ويجب ان يأخذ النضال ضد السياسات الرأسمالية طابعا عالميا, نظرا لوحدة الرأسمال العالمي وسعيه لتأبيد هذا النظام الاستغلالي, ولهذا يرتدي التضامن الاممي, خصوصا بين الأحزاب الشيوعية والعمالية وقوى اليسار, أهمية استثنائية, شريطة أن لا يكون متعارضا مع مفردات النضال الديمقراطي على الصعيد الوطني وفي كل بلد على حدة.
ايها الرفاق الاعزاء..
لا يمكن فصل المشروع الامريكي في العراق والمنطقة عن الجهود المحمومة لدمج اقتصاداتها الوطنية بالاقتصاد الرأسمالي العالمي, كتوابع له وليس شركاء, والقيام بأضعاف دور الدولة الاقتصادي, وفتح الحدود أمام رؤوس الاموال والبضائع الاجنبية دون قيود, وخلق قوى اجتماعية جديدة تكون قاعدة داعمة للمشروع الامريكي, بعد احتلال العراق سنة 2003.
ان ما يجري في العراق هو صراع اجتماعي, وعلى شكل ومضمون الدولة, يتجلى على شكل صراع طائفي, تسعى لترسيخه قوى الاسلام السياسي والقوى المتحالفة معها.
أن الحل الجذري لمشاكل البلاد وأزمتها الخانقة يكمن في التخلص من نظام المحاصصة الطائفية الاثنية والالتزام بقيم الديمقراطية الحقيقية ببعديها السياسي والاجتماعي ومؤسساتها, وبناء الدولة المدنية, وهو ما يطالب به المتظاهرون في الحراك الجماهيري الواسع, الذي اندلع في (31) تموز الماضي وما زال مستمراً على خلفية الأزمات التي تعصف بالبلد, ولم تجد الحلول المناسبة لها, رغم حزم الإصلاحات البسيطة التي قدمتها السلطتان التنفيذية والتشريعية, لأنها لم ترتق إلى ما تريده الجماهير في القضاء على الإرهاب وإصلاح العملية السياسية, وتوفير الخدمات ومحاربة الفساد والمفسدين, ولهذا يصر المتظاهرون وهم من مختلف الشرائح الاجتماعية على الاستمرار في تظاهراتهم, وتنويع أشكال وأساليب الحراك الجماهيري إلى أن تتحقق أهدافهم وطموحاتهم المشروعة.
لقد اسهم الشيوعيون العراقيون ومنظماتهم الحزبية, وأصدقاؤهم في أرجاء العراق كافة في هذا الحراك الجماهيري ولعبوا دورا أساسيا فيه, وكانت وما زالت نشاطاتهم متميزة في الجهد الوطني لمحاربة "داعش" وسائر الإرهابيين ودحرهم, وتقديم الدعم الانساني للنازحين داخل الوطن وخارجه. كما يلعبون دورا فاعلا مع بقية القوى الديمقراطية في التصدي للطائفية والشوفينية والتعصب القومي, ويناضلون لصيانة الوحدة الوطنية والدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية, وصولا إلى هدفنا الاستراتيجي في بناء الاشتراكية وإلغاء استغلال الإنسان للإنسان كليا.
كما ان حزبنا يعارض بقوة المخططات التي تهدف الى تقسيم العراق على أسس طائفية, ويرفض كل المخططات التي تخدم الأجندة الامبريالية وأدواتها في المنطقة بهدف الهيمنة والاستغلال.
في ختام كلمتنا لا يسعنا إلا مناشدتكم رفاقنا الأعزاء بتقديم المزيد من التضامن الاممي مع حزبنا الشيوعي العراقي والقوى الديمقراطية في نضالهم الشاق, لانقاذ العراق من الكارثة التي نعيش فصولها, ومن اجل بناء نظام ديمقراطي حقيقي وفيدرالي موحد.
*كلمة الحزب الشيوعي العراقي القاها الرفيق محمد جاسم اللبان ، عضو المكتب السياسي للحزب خلال انعقاد اللقاء الأممي السابع عشر للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية في تركيا (اسطنبول) للفترة 30 /10-1/11/2015 تحت شعار (تعزيز نضال الطبقة العاملة ضد الاستغلال الرأسمالي والحروب الامبريالية وضد الفاشية، ومن اجل تحرير العمال والشعوب، من اجل بناء الاشتراكية).