من الحزب

على طريق الشعب... في ذكرى انقلاب شباط 8 الاسود .. لا للعنف بأشكاله كافة

في مثل هذا اليوم قبل 53 عاما ، صبيحة 8 شباط الاسود ، تكاملت خيوط المؤامرة الكبرى (داخليا وخارجيا) لاعادة الحصان الجامح العراقي وتركيعه عبر الاجهازعلى ثورة 14 تموز1958. الثورة المظفرة التي حررت البلد من قيود الاستعمار والتبعية وحققت له الاستقلال الوطني ، وفتحت امامه الآفاق للخلاص من قيود الفقر والجوع والمرض والقهر والطغيان والاستبداد ، وولوج طريق التحرر والتقدم، وبناء الدولة العصرية على اساس احترام ارادة الناس وحقهم في حياة كريمة ومعيشة لائقة .
فالانجازات الكبيرة التي توجهت لتحقيقها، وحققتها بالفعل خلال عمرها القصير ، محدثة انعطافة مهمة في مسار العراق الحديث ، ونقلة نوعية في حياة عامة الناس ، وعلى الاخص فقراؤه وكادحوه ، لم ترق للانقلابيين البعثيين ، ومن تعاون معهم وساندهم ووقف معهم في حلف غير مقدس. لذلك ناصبوها العداء منذ ايامها الاولى ، وحاكوا ضدها المؤامرة تلو الاخرى. وقد مزقوا خلال ذلك جبهة الاتحاد الوطني – السند السياسي للثورة التي فجرها الجيش ، وتلاحم معها الشعب وقواه الوطنية والديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي ، الذي كرس جل جهوده ومواقفه واهتمامه للحفاظ عليها وتطويرها ، والانطلاق بها الى آفاق واعدة ، يستحقها وينتظرها شعبنا الابي، الذي قدم التضحيات الغالية من اجل التحرر وبناء دولته المستقلة .
وفشلت كل المحاولات الوطنية المخلصة لوقف تدهور الاوضاع ، لا سيما المساعي لوقف الحرب في كردستان وتحقيق السلام ، ولارساء الحكم على اسس ديمقراطية سليمة بالاعتماد على قوى الشعب الوطنية المخلصة. ولم يكن هذا الفشل معزولا عن التآمر الداخلي والخارجي الواسع ، والسعي المحموم لشق وحدة القوى والاحزاب الوطنية وتأليب بعضها ضد الآخر. ومن جانب آخر استغل الانقلابيون الثغرات في الحكم لصالح مشاريعهم الدنيئة ، وقد افادوا في هذا من استمرار الاعتماد على الاجهزة ذاتها التي ورثها الحكم الجديد من العهد الملكي ، بدلا من التوجه الجاد نحو بناء حياة ديمقراطية برلمانية ، تؤسس لتداول السلطة سلميا ، وتحترم فيها الحياة الحزبية والمدنية .
لم تبق اساليب ووسائل ارهاب وقمع واضطهاد وازهاق للارواح ، الا واستخدمها القتلة الفاشست في انقلاب 8 شباط الدموي ، فكانت المجزرة التي نفذوها رهيبة شنعاء ، وكارثة وطنية كبرى ، ذهب ضحيتها قادة الثورة الوطنيين المخلصين الاماجد ، من العسكريين والمدنيين ، وقادة الحزب الشيوعي العراقي والآلاف من كوادره واعضائه وانصاره ، وفي مقدمتهم الشهيد البطل سلام عادل ورفاقه الشجعان ، الى جانب الكثير من الوطنيين والديمقراطيين.
لقد فتح ذلك الانقلاب الابواب على مصاريعها امام الانقلابات والمؤامرات المعادية لمصالح الشعب والوطن ، وامام المآساة التي اكتملت فصولها في دكتاتورية صدام حسين ، الفاشية والشوفينية والعنصرية والطائفية ، التي ارجعت العراق بسياساتها وممارساتها المشينة سنوات الى الوراء، وما زال شعبنا يعاني حتى اليوم من الكوارث التي سببتها ، ومن تركتها الثقيلة .
واليوم ونحن نتصدى للارهاب ونحارب منظماته واتباعها القتلة ، الذين يذبحون بطريقة ارهابيي 8 شباط ذاتها، يجدر بنا ان نستخلص الدروس من تلك التجربة المروعة قبل فوات الاوان ، وفي مقدمتها ادراك ان لا استقرار وامان ولا تحقيق للتقدم والرخاء ، من دون بناء دولة المواطنة والعدالة والقانون ، وارساء اسس متينة لحياة ديمقراطية حقة. ولا من دون احترام الآخر وحقه في الاختلاف والمعارضة ، وانهاء نظام الطائفية السياسية المستند الى نهج المحاصصة الطائفية الاثنية ، ومحاربة الفساد والفاسدين على كل المستويات ، وتحرير اراضينا من قبضة داعش. ولا من دون اصطفاف وطني واسع ، تتسامى اطرافه فوق المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية والحزبية الضيقة ، وتضع مصالح الشعب والوطن العليا فوق اي اعتبار اخر ، وتسعى الى تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين النسيج الاجتماعي وتهيئة اسس انطلاق نهضة تنموية ، صناعية –زراعية- خدمية ، توفر الحياة الكريمة للمواطنين . ولا سبيل الى هذا كله في غياب الارادة الوطنية الصادقة ، ونمط التفكير القويم ، والادارة الرشيدة العقلانية للبلد .
واظهرت التجربة ايضا المخاطر الجمة الناجمة عن انفلات العنف الدموي، واستخدامه وسيلة لحل الخلافات السياسية ، بديلا عن الحوار والتنافس السلميين الديمقراطيين . ومن هنا جاءت اهمية وآنية الدعوات المتكررة الى انهاء وجود المليشيات والجماعات المسلحة خارج القانون ، والعمل على حصر السلاح بيد الدولة ومؤسساتها المخولة دستوريا بذلك .
لقد ارتكب الانقلابيون وقطعان " الحرس اللاقومي " غداة 8 شباط الاسود جرائم بشعة ، كانت وتبقى وصمة عار في جبين من اقترفوها وبرروها.
اما الضحايا الشهداء ، فقد قطفوا المجد ، وهم باقون خالدون في وجدان شعبنا. ومن صمودهم الاسطوري ، ومآثرهم المجيدة ، نظل نستمد العزم والاصرار على المواصلة والعطاء لخير الشعب ، ومن اجل اقامة الدولة المدنية الاتحادية الديمقراطية ، والعدالة الاجتماعية ، والغد المشرق الوضاء.
ويبقى حريا بالجهات المختصة في الدولة والحكومة ان تعيد النظر في تعاملها مع شهداء مجزرة شباط 1963 وضحاياها الآخرين ، وان تنصفهم وتكرّم عوائلهم وتضمن تمتعهم بكافة حقوقهم. فهم جديرون بالرعاية والعناية ، شأن السجناء السياسيين من ذلك العهد المشؤوم ، الذين ما زالوا حتى اليوم يسعون الى نيل حقوقهم المشروعة ، من دون نتيجة