- التفاصيل
-
نشر بتاريخ السبت, 27 شباط/فبراير 2016 21:08
حاوراه: عدنان ابراهيم وحسين رزاق
تصوير : عصام نجم
السياسي حميد مجيد موسى سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي من مواليد 1/8/1942 في مدينة الحلة من عائلة ميسورة الحال ، قال في حوار مع البينة الجديدة : اكملت دراستي في المدينة التي ولدت فيها وبناء على تفوقي الدراسي تم ارسالي في بعثة الى بلغاريا عام 1959 لكن في عام 1963 وبعد الانقلاب الاسود ضد ثورة تموز والزعيم عبد الكريم قاسم عارضنا النظام ووقفنا ضده وضد انقلابه وقفنا مساندين لشعبنا المظلوم ، فتم فصلنا من الدراسة لكن الحكومة البلغارية وقفت الى جانبنا متجاهلة قرار الحكومة العراقية الانقلابية آنذاك حيث اكملت الدراسة في عام 1965 بعدها عدت الى الوطن لكن بعد شهرين من رجوعي الى البلاد صدر امر القاء القبض علي فاضطررت الى التخفي عن اعين الحكومة واجهزتها ومواصلة النضال السري في الحزب الشيوعي. وفي شهر ايار من عام 1968 اي قبل انقلاب 17 تموز بشهرين القي القبض عليَّ وبقيت في المعتقل حتى تم اطلاق سراحي بالعفو العام بعد ان قضيت حوالي 9 اشهر في الاعتقال وعلى اعتبار اني حاصل على شهادة عليا من معهد الاقتصاد العالي في صوفيا تم تعييني باحثا في شركة النفط الوطنية لمدة عشر سنوات والى جانب ذلك كنت اواصل العمل الحزبي . ففي العام 1976 رشحت عضوا للجنة المركزية للحزب الشيوعي في المؤتمر الوطني الثالث وفي الرابع انتخبت عضواً في اللجنة المركزية وبعد ذلك في المكتب السياسي . وفي عام 1984 كنت في كردستان مع الفصائل المسلحة الانصارية المناضلة ضد النظام الدكتاتوري بعد ان انتقل الحزب الى المعارضة المكشوفة ضد ذلك النظام ، وبقيت في كردستان حتى عام 1989 ،ثم عدت اليه وبقيت في محافظة اربيل وبالتحديد في شقلاوة حتى عام 2003 ومازال حتى اللحظة مقر الحزب هناك. جدد انتخابي في المؤتمر الخامس( 1993) في عضوية اللجنة المركزية وانتخبني رفاقي سكرتيرا لها ، وتجدد ذلك في مؤتمرات الحزب ؛ السادس والسابع والثامن والتاسع . بعد سقوط النظام الدكتاتوري ( نيسان 2003) اصبحت عضواً في مجلس الحكم ثم في المجلس الوطني ولاحقا في الجمعية الوطنية ، وعضواً في اول مجلس نواب عراقي منتخب وها انتم ترونني ما زلت اعمل في صفوف الحزب مع الشعب لتخليصه مما هو فيه من محنة .
وبعد هذا التقديم كان الحوار التالي للبينة الجديدة مع السيد حميد مجيد موسى ، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي :
كيف تقرأون المشهد السياسي، والى اين يسير العراق ؟
العراق يعيش لحظة حساسة، حرجة وخطيرة، فنحن منذ سنوات نعيش حالة مخاض لم يرسُ العراقُ خلالها على برٍ. سقط الصنم ومعه الدكتاتورية وجاءت المعارضة الوطنية العراقية السابقة وكانت الناس تتطلع الى اعادة بناء الوطن، وبناء عراق جديد مدني ديمقراطي فيدرالي تعددي يضمن الحريات و الاستقلال ويحقق التقدم الاجتماعي والعيش الرغيد لأبناء شعبنا، لكن للأسف يبدو انه بعد التغيير تباينت توجهات الكتل السياسية وانتهجت طريق الانانية والذاتيات الحزبية الضيقة التي تعبر عن مصالح اجتماعية ضيقة خاصة غلفت بالطائفية والاثنية في عراق لم يعش فترات من الديمقراطية كثيراً، فهناك تخلف في نمط التفكير واستمرار لتقاليد بالية لا علاقة لها بالديمقراطية فدخل البلد في مأزق الصراع والحصيلة هذا المشهد الفوضوي غير المستقر الضبابي الذي يحير فيه المواطن ويكرس في نفسه الخوف وابتعاده عن المطالبة بحقوقه وتشويه مفاهيمه بمختلف الخزعبلات و الطروحات السياسية المريضة التي تستهدف الحصول على صوته في الانتخابات من دون الاستجابة لمطالبه. على هذه الخلفية نشأ صراع القوى ليس فقط بين انصار العملية السياسية واعدائها من ارهابيين، ومن بقايا نظام البعث الفاشي وحسب، وانما المشكلة هي في داخل العملية السياسية فلم يستطع المتنفذون المتحكمون برقاب الناس ومصير البلد ان يصلوا الى صيغة مقبولة وانما اعتمدوا اسوأ منهج في الادارة السياسية، واقصد منهج المحاصصة الطائفية. هذا المنهج القبيح فشل في كل انحاء العالم فهو لا ينتج الا الازمات ، ولا ينتج الا الفساد وحماية الفساد، ولا ينتج الا الخصام ويشوه الديمقراطية ومعانيها ويحط من قيمة المواطنة وبالتالي فهذا المنهج يؤمن لمتبنيه مصالحهم الخاصة، ولكنه دورياً يفرز متغيرات في ميزان القوى، ومن خلالها انتاج ازمات جديدة،هذا ما يحصل في لبنان (مثلاً)، وفي كل مكان طبق فيه هذا المنهج، فالمسؤولية ليست على اعداء العملية السياسية فقط، ولكن المشكلة في اطار قوى العملية السياسية التي وعدت الناس بشيء لكنها خالفت الوعد بتصرفات وانانيات ارهقت الشعب والبلد وكل هذا الوضع سمح للتدخلات الخارجية بان تدخل من اوسع الابواب، سواء اقليمية او دولية. ولم يعد طرفا من الاطراف، حتى الدول المجهرية كما تسمى، كانت لها فسحة في التدخل بالشأن العراقي، وتجد هذه الاطراف من يدعم تدخلها في شؤون بلدنا بسبب غياب الوحدة وجراء تفكك قوى العملية السياسية وغياب نسق منطقي لإدارة شؤون البلد. وهذا كله يعود ايضاً الى سوء ادارة الدولة حيث تفاقمت المشكلة في ظل هذه الارضية فالارهاب تمكن من احتلال ثلث العراق وما زالت قوى الارهاب تعبث في مقدرات البلد حتى الان، فيما الوضع الاقتصادي مترد الى اقصى الحدود بسبب انخفاض اسعار النفط في الاسواق العالمة والحقيقة ان من يقول بان تردي الوضع الاقتصادي العراقي سببه انخفاض اسعار النفط فقط، فهذا من هزال الكلام لان الفساد الاداري وسوء ادارة الدولة كلها كانت موجودة حتى قبل انخفاض اسعار النفط، فلا استراتيجية سياسية ولا منهج اقتصادي ولا استقرار لدى المواطنين والحريات لديهم مهددة والوضع الامني قلق. هذه مظاهر طبيعية لوضع من هذا النوع. المجتمع وصل الى درجة الملل من المماطلة والتسويف وقد خبر الازمات والماسي ووضع اليد على مسؤولية هذا النهج المتمثل في نهج المحاصصة، وعلى مسؤولية القوى المتعنتة المتنفذة التي تدير البلد بشكل سيء جداً. على هذه الخلفية نشأت حركة تطالب بالاصلاح وتعلن كلمة كفى فلابد من اصلاح، ولابد من تغيير واعادة نظر في طريقة ادارة الحكم ومراجعة العملية السياسية وتقويم مجرياتها السلبية الكثيرة. ولكن يبدو ان الذين انتفعوا وافسدوا وأثروا لا يروق لهم ذلك، وهم ولا يرغبون في الاصلاح وهؤلاء لديهم امكانات غير قليلة، حيث لديهم المال الذي تكدس نتيجة النهب والسلب والسحت الحرام ولديهم الفضائيات والاعلام المؤثر، ولديهم الاعوان والبيروقراطية وذوي الضمائر الميتة. كل هذا يساعدهم على عرقلة عملية الاصلاح. فاذن نحن اليوم في معركة من اجل مستقبل مشرق للعراق، معركة بين قوى نزيهة مخلصة وطنية تريد للبلد ان يكون على سكة التطور والتقدم وعودة الامن والاستقرار واصلاح الامور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبين قوى تريد ان يبقى العراق خربة ويسير من سيئ الى اسوأ. هذه طبيعة اللحظة التي يعيشها العراق الان أي في عملية صراع، وبالتالي كل جبهة من هذه الجبهات تسعى الى تقوية مواقعها. ويبدو ان الامور ليست واضحة لدى الجميع فالذين يناصرون عملية الاصلاح مازال البعض منهم مترددا وبطيئا في اتخاذ اجراءات الاصلاح وبالذات الحكومة، حيث على الرغم من اعلانها الاصلاح ولكن سيرها في هذا الاتجاه، يشبه سير سلحفاة. نعم نحن نقرأ المشهد ونقدر ان هناك عراقيل وصعوبات وتعقيدات ولكن لابد من اجراءات حقيقية فعلية، فالجماهير تنتظر الان ان يحصل هذا الذي تعلن عنه الحكومة. وبعد هذا وذاك هناك الذين تضررت مصالحهم فهم يعرقلون عملية الاصلاح. ونرى انه لكي ينتصر نهج الاصلاح لابد من حركة اخرى. ان انتصار نهج الاصلاح والقضاء على الفساد يمكننا من ان نقاوم الارهاب ونقتلعه من جذوره ليس في المعارك العسكرية هنا وهناك فقط، وعلى اهميتها، فالارهاب آفة كبرى لا ينتهي بالحاق الهزيمة به في معركة من المعارك، وهذا يوجب على المسؤول ان يبحث عن عوامل نشوء الارهاب : الفكرية والاجتماعية والاقتصادية للقضاء عليها بشكل جذري. وما لم تحسم هذه الجبهة، جبهة تنظيف البيت، يصعب علينا تحقيق انتصار كاسح على الارهاب ودحر عوامل نشوئه. وبالعودة الى اساس الموضوع نقول نحن الان في عملية صراع من اجل مستقبل العراق، ومن اجل ضمان حقوق الشعب العراقي ورسم آفاق مستقبل اجيالنا القادمة.
هل نتشاءم ام نتفاءل ؟
لا ابداً ليس لنا ان نتشاءم، نحن الان نشخص المرض وهو باب التفاؤل والتشخيص الخاطئ يؤدي الى نتائج خاطئة وحينما نشخص حقائق المرض بمظاهره الحالية وبعوامل تشكيله نستطيع ان نضع العلاج الناجع . فالشعب العراقي يمتلك طاقات كبيرة وليس صحيحاً ان الكل فاسد ومشوه ومجرم ابداً، فنحن نؤمن ان هناك مصادر خير كثيرة في شعبنا. هناك امكانيات وطاقات، وهناك تجربة وثروات عظيمة لكننا نحتاج الى الصبر. ويتوجب ان ننتبه نحن نتحدث عن الصبر وليس الانتظار، فهناك من يخطئ فيتصور ان الصبر هو الانتظار. الصبر يعني الفعل المتواصل الحثيث من دون اوهام وقفز على الواقع مع رؤية العراقيل والمصاعب وعبر هذا سيتم الوصول الى نتائج، ومهما طال الطريق، وسيتم اجبار الفاسدين على التراجع وتمكين الشعب من ان يسترد حقوقه. وليس من الصحيح الركون الى المكارم وان يعتمد الشعب على المكارم والمنح، وان ينتظر يقظة ضمير السياسي الفاسد، بل عليه ان ينتزع حقوقه انتزاعاً. ان الجميع يرى الان مظاهر قوية للمطالبة بالاصلاح، وهذه الحركة اقضت مضاجع المتنفذين كلهم، فالجماهير في الشوارع وفي كل المدن والقرى والارياف. وفي هذا الحراك تلاقحت جهود وجبهات عدة، فهناك جبهة الشعب، وهناك جبهة المرجعية من موقعها وارشاداتها وتوصياتها، وايضا جبهة الرأي العام العراقي الذي مل هذا الواقع المزري الذي يعيشه الناس. ان هذه الامور كلها تؤسس لانتصار عملية التغيير. لكن نحن نبحث عن طرائق صحيحة لتنفيذها وهي ان تكون باقل الكلف، وباقل الخسائر وان تضمن لشعبنا الذي مل الاوضاع السيئة نجاحات ومكاسب ملموسة للعيان.
انتم (نقصد الحزب الشيوعي) اصحاب نظريات اقتصادية كبرى..اين انتم الان مما يحيط البلد من مشاكل اقتصادية؟
اذا رجعتم الى محاضر مجلس الحكم ومحاضر المجلس الوطني والجمعية الوطنية والبرلمان وفي اللقاءات التي نعقدها مع المسؤولين، والى صحافة الحزب الشيوعي وتقارير اللجنة المركزية ورسائل الحزب ومذكراته،تجدون ان الهاجس الاقتصادي كان احد القضايا الكبرى التي نهتم بها ونؤشر مكامن الخطر والتخلف فيها، ونقترح ليس نظريات عامة تعجيزية وانما مقترحات ملموسة تنسجم مع خصوصيات الوضع العراقي،وما يعانيه العراق من مشاكل، لكن للاسف يجب ان نؤشر ان جبهة الاقتصاد هي موضع صراع، وبالنسبة لنا فنحن ننطلق من الدفاع عن مصالح عموم الكادحين وذوي الدخل المحدود، وايضا في هذه المرحلة ندافع حتى عن مصالح البرجوازية الوطنية والبرجوازية الصغيرة. نحن اوضحنا حقيقة ان الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على استهلاك عوائد النفط، وعلى الترف وشراء الذمم وتحقيق فوائد سياسية -اجتماعية رخيصة، وعلى الاشياء المظهرية (الفوقية) التي لا تدوم، هو خطر. فالبترول سلعة ناضبة، ولا نستطيع التحكم باسعاره، فهو سلعة دولية، فكنا نحذر من هذا الوضع ونشدد على بناء البدائل من خلال الاهتمام بمصادر تمويل اخرى: زراعية وصناعية، وخدمية انتاجية، وبناء، لكن مشاريع ذوي المصالح الضيقة اتجهت الى اكتناز الاموال فقط لمصالحهم الشخصية. وقد تشكلت في بلدنا مدرسة اقتصادية للاسف هي تقليد لتوجهات الغرب، وهي المدرسة الليبرالية التي هيمنت على العقل الاقتصادي المتحكم بادارة الدولة، حيث الدعوة الى الاقتصاد المفتوح، والسوق الحرة، والتجارة المنفلتة.
وادى هذا الى موت الصناعة الوطنية واجهاض الزراعة العراقية، فيما السوق العراقية اضحت مكباً لكل الازبال والنفايات والمواد منتهية الصلاحية في العالم وبالتالي فالمليارات التي نحصل عليها من واردات النفط تذهب لتجارة زائفة، غير حقيقية واموال اخرى تهدرفي عمليات تهريب وغسيل اموال، لذلك كنا طيلة هذه الفترة نحذر من هذا النهج الليبرالي الفاسد الذي يقود البلد الى المزيد من التخلف، والى المزيد من التبعية وكذلك المزيد من التبديد لطاقات البلد الانتاجية. هذه الاوضاع قادت الى تشغيل الناس في الوظائف غير الانتاجية، والتأسيس لتضخم اعداد البطالة، وايضا يؤسس لقلة الخدمات وانه يضعف قدرة البلد على التنافس. وبعد ان تعقدت الامور قدمنا مذكرة الى الرئاسات الثلاث في البلاد تتضمن الحلول والمعالجات للاقتصاد العراقي والتي نراها واقعية غير تعجيزية وضرورية آنية ملحة لخلاص الاقتصاد العراقي مما هو عليه من سوء لكن هذا الذي نطرحه ونحذر من مخاطره في كل المحافل ونوظف كل تراثنا الفكري النظري من اجله، وبواقعية ومعرفة ملموسة حقيقية للواقع العراقي وبعيدا عن النظريات المجردة، يبقى بحاجة الى ارادة وطنية صادقة للاستجابة له انطلاقا من مصالح الشعب والوطن العليا.
كيف تنظرون الى التغيير الحكومي المرتقب؟
صراحة، استبشرنا خيراً بمشروع الاصلاح وايدناه منذ بدايته ولم نكتف بالتاييد بل طرحنا من الافكار والاراء ما يساعد على التحقيق الفعلي لعملية الاصلاح، وعلى مواجهة التحديات والصعوبات التي ذكرناها ولكن تبقى العبرة في التنفيذ لهذه الاصلاحات،اولاً وثانياً،هذه الخطوات جيدة ولكنها غير كافية ويجب ان تستكمل بخطوات اخرى. وللاسف صدرت حزم اصلاحية ولكنها بقيت متلكئة. دعمنا هذه الحزم الاصلاحية لكننا نسعى ونحشد من اجل تحويل هذه الاصلاحات الى واقع تعيشه الناس كي يقتنع المواطن ان هناك منهجاً وسعياً حقيقين للاصلاح. احدى المسائل التي كنا نراها مفتاحا للحل هو اجراء تغيير في منظومة الحكم واساس كل البلاء الذي يعيشه البلد الان هو نهج الطائفية السياسية وما يترتب عليها من محاصصة طائفية فإن بقي هذا المنهج لن يحصل اصلاح اطلاقاً فلابد من زعزعة اركان هذا المنهج المقيت واستئصاله فهذا مرض كبير. مع الاسف الشديد ان بعض الكتل السياسية ما ان سمعت بسعي السيد رئيس الوزراء الى التغيير الوزاري حتى ابدوا تمسكهم بهذا النهج المرفوض لأنه يحفظ مصالحهم. نحن نؤيد التغيير الوزاري المنشود اذا كان بالفعل يستهدف بناء حكومة ليس على اساس المحاصصة وانما على اساس الكفاءة والنزاهة والاخلاص الوطني ويتطلع الى بناء حكومة منسجمة، متكاملة، متعاونة، وفق برنامج وستراتيجية واضحة تستهدف تحقيق الاصلاح وتنفيذ حزم الاصلاح والسير وفق الدستور على طريق الديمقراطية. والاصلاح ليست كلمة تقال في التلفاز وانتهى الامر فيجب ان تكون منظومة من الاجراءات لمواجهة كل الصعوبات التي تواجه ادارة الدولة بصيغة سليمة والتي تحدثنا عنها ولكي ينجح رئيس الحكومة في مشروعه الاصلاحي ينبغي ان يشكل فريق عمل منسجم ومتكامل من القوى السياسية ذات الرغبة والاستعداد الجدي في اصلاح الاوضاع في البلاد.
التقشف والافلاس الحكومي هل هو حقيقة؟
علينا ان نفرق بين الادارة السيئة وما ترتب عليها من فساد ونهب وبين شحة الموارد. شيئان يجب ان نضع كل منهما في مكانه. الموازنة العراقية عانت كثيراً من قضية نهب الموارد االذي لم ينته بعد رغم كل الاحاديث عن الفساد والمفسدين. كان الفساد في السابق،اقصد في فترة الموازنات الانفجارية، وما زالت عملية النهب مستمرة حيث لا توجد احصائيات لما يشير انها اقل او اكثر في الوقت الحالي قياسا الى اية فترة ماضية، لكنها مستمرة وما زال هناك اسراف ونهب وسلب في مقدمة ذلك ما يجري من عمليات في مزاد العملة ونزيف الاموال الضخمة التي يجري فيها، وايضا هناك النهب والسرقة على مستوى التجارة وسلوكيات التجار التي تقوم على استيراد كل ازبال العالم وتقدمها الى المواطن العراقي على انها مواد صالحة للاستعمال وهي غير ذلك تماما. السؤال هنا : كيف يتم ادخال هذه المواد التالفة الى السوق العراقية ان لم يكن هؤلاء التجار شركاء مع المتنفذين في الكتل السياسية العراقية وكم يربح هؤلاء ؟ خذ مثلا موضوع المقاولات وكم ياخذ المقاولون من اموال بحسب الاحصائيات المقدمة للجنة النزاهة البرلمانية فيذكر ان هناك اكثر من ستة الاف مشروع وهمي ليس لها وجود على الارض وكلها نهبت اموالها وصارت في جيوب المقاولين.وهناك من يسرقون النفط ويهربونه والحكومة تعترف بهذا. كل هذه، وغيرها، ابواب مفتوحة لسرقة اموال الدولة فضلا عن الادارة السيئة.هناك ايفادات غير مبررة ومخصصات مرتفعة ونثريات المسؤولين العالية جداً وهذه كلها يمكن تقليصها وتوفير موارد هائلة اذا ما احسنت ادارة موارد البلد من خلال ضبط النفقات وزيادة الايرادات. خذ مثالا اخر موضوع الكمارك وهذه لا توفر فقط مبالغ مالية بل انها تضمن دخول النوعيات الجيدة من المواد المستوردة وتضمن صحة المواطنين وكذلك ضمان تشغيل معاملنا وسحب عشرات الالاف من الايدي العاملة الى المعمل وتخليصهم من البطالة التي يعاني منها البلد الان كذلك تطوير وتحسين الانتاج الزراعي والصناعي. وعليه ليس من الصحيح القول اننا افلسنا لان هذا المنظور مرتبط بتأييد وتخليد نزعة الاعتماد على الاقتصاد الريعي كانما نربط مصائر العراقيين بالنفط. يجب ان نخرج من هذا ونكون جادين ونفرض بالكفاح والنضال والضغط ان يجري تغييرا في توجهات الدولة من سياسة الليبرالية المنفلتة الى سياسة ادارة حكم رشيد وتوجه اقتصادي سليم ياخذ بالاساس مصالح الاقتصاد الوطني العراقي ومستوى معيشة السكان لذلك لا حاجة للحديث كل يوم والعويل على افلاس الحكومة. طبعاً هنا الحرب النفسية في اعلى مستوياتها فاعداء العملية السياسية، واعداء الاصلاح الذين لا ضمائر لهم لا يتورعون عن اثارة الرعب لدى المواطنين لكي يفسدوا جو الاصلاح. نعم الحكومة العراقية الان تعاني من العسر، عسر ذات اليد، فتكاليف الحرب على داعش اثقلت كاهل الميزانية وثانيا انخفاض اسعار النفط حيث ادى هذا الى ان تنخفض واردات العراق الى نسبة 25 في المائة عن السابق لكن على الحكومة ان تحسن التدبير لكي لا نصل الى الافلاس والادارة الناجحة تستطيع ان تجد موارد جديدة للعبور بالبلاد الى بر الامان والعراق غني بموارده وثرواته وليس علينا الا تحريك هذه الموارد والثروات بطريقة صحيحة وسليمة وعدم توريط العراق بمشاريع القروض من صندوق النقد الدولي اذ ان هذه القروض مرتبطة بشروط تؤثر على المواطن العراقي من خلال البطاقة التموينية او رواتب المواطنين كما ان هذه القروض تعرقل سبل التنمية الاقتصادية الصحيحة.
مشكلة سد الموصل.. هل هو كارثة او ضجة اعلامية ؟
مشكلة السد ليست كارثة، كما لا يرتقي الامر الى مستوى الضجة الاعلامية حوله، فهو ليس الكارثة المتحققة التي ستحصل غداً ولا هو لا شيء، فلا التجاهل والاستخفاف صحيح ولا المبالغة والتضخيم والنفخ في القضايا مفيد بل هو يثير الرعب والقلق لدى المواطن.. حقيقة ان السد كان قد بني في المنطقة الخطأ لانها منطقة غير صالحة لبناء هكذا سد، ارض جبسية اي انها ارض معرضة للتآكل اكثر من غيرها تحت السد فلابد من المعالجة المستمرة وحقن السد بمواد تحفظه من التآكل وان يكون ذلك دوريا وبصورة مستمرة. في الفترة الاخيرة واحتلال داعش للسد توقفت عمليات الحقن ما ادى الى اتساع في الشقوق، واثر هذا على ثبات السد وبرزت بعض المؤشرات السلبية التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار فتعويض هذه الفترة، اقصد فترة غياب ادامة السد وضمان عمله بشكل صحيح حفاظاً على الماء المخزون فيه والفوائد في توليد الكهرباء مثلا يتطلب رعاية هذا السد وان يتم ايلاءه اهتماما اكثر فبدل من نفي كل شيء لابد من اتخاذ التدابير وتكثيف الاهتمام من اجل الاطمئنان واما الذين يهولون ويريدون ان يحققوا مكاسب سياسية معينة فهذا التهويل مضر ايضا وعلينا ان نعرف ان خلف هذا التهويل هناك استهدافات سياسية.. فكم من القضايا التي اثيرت مثل سور بغداد وقضية المقدادية ولكن لاحظنا سرعان ما خمدت اعلاميا، وكان غرضها الاستهداف السياسي، فعلينا ان نحمي بلدنا وان نطمئن شعبنا بشأن هذا السد وحسناً فعلت الحكومة للتعاقد مع شركة ايطالية لضمان سلامة السد.
في ظل المطالبات الحالية بدولة مدنية ما هو موقعكم في الانتخابات المقبلة؟
نحن في التيار الديمقراطي والقوى المدنية كنا، وما زلنا، نعتقد بان السليم والصحيح في بلد مثل العراق له طابعه المتعدد دينياً وقومياً واثنياً، ان يكون الحكم فيه مدنياً وهذا ليس افتراء على الواقع وليس معاداة لاي قوى ومن مصلحة كل الاديان، وانه من اجل استقرار الديمقراطية، ومن اجل استقرار الحالة الاجتماعية يجب ان يكون البلد مدنيا. ومرور 13 عاما كافية لتجريب المنهج السياسي المتبع في ادارة الدولة العراقية وان يكون هذا برهانا على ما نذهب اليه ومن يتزمتون ويتعنتون تجاه هذا القول هم الخاسرون. شعبنا قد خبر انه من دون دولة متماسكة ومدنية تحفظ الحريات وتحفظ حياة الناس ومعيشتهم يصعب ان تستمر المسيرة ويصعب ان يتحقق الاصلاح وان يحصل على حياة امنة سعيدة. نعتقد ان هذا سيكون له تاثير كبير في الانتخابات المقبلة ونحن كحزب نلتزم بالدستور والشرعية ففي الانتخابات القادمة سيكون لهذه الامور تاثير ان ضمنا انتخابات نزيهة بكل معاني النزاهة ؛ قانوناً ومفوضية وادارة وفرزاً وتعداداً الى اخره.
كيف تنظرون الى الحشد الشعبي؟
الحشد الشعبي حاجة وضرورة ولعب دوراً مهماً في التصدي لداعش الارهابي ومثل هبة الشعب لمواجهة التحدي الخطر لحماية حريته وحماية ابنائه ولا يمكن القول الا انه كان ضرورة حياتية للشعب العراقي لكن مع هذا لابد من استكمال قوانين وجود الحشد من اجل ان يبقى الحشد في هذه الوجهة الصحيحة فمنذ ان نطقت المرجعية بدعوة الناس الى الجهاد ونطقت الاحزاب كل بطريقته للتصدي لداعش وللإسهام في هذا الحشد الشعبي ومواجهة داعش، فكان من الضروري توضيح معالم التاسيس فهو بالاساس ليس مشروعا طائفيا، وانما هو منفتح وطنيا،وهو حاجة ارتبطت بدحر الارهاب فهو ليس بديلا عن الجيش والقوات المسلحة، بل ظهر في ظروف انكسار الجيش معنوياً فكان الحشد عامل اسناد ودعم ادى الى ان يستعيد الجيش العراقي الامساك بزمام المبادرة وتحرير الاراضي العراقية المحتلة من قبل داعش. فالحشد اذن له مهمات محددة، وبالتالي سوف تنتهي مهماته كمؤسسة مع دحر داعش الارهابي.
نسمع كثيرا عن فساد ومفسدين لكننا لم نر من سيق الى السجن وتمت محاكمته على ما اقترفته يداه ؟
وانا معكم اسأل : اين الخلل ؟.. قبل كل شيء ان منظومة المحاصصة تحمي الفاسدين، خصوصا وانه في ادارة الفساد يبدو هناك تبريرات، ذات طبيعة حزبية، شرعية (سمها ما شئت ) المهم انه يكسب الاموال للحزب الذي ينتمي اليه، حتى لو اخذ عمولة، مثلا، ويحولها الى دعم حملة انتخابية، او نشاط معين. هناك حماية يوفرها نظام المحاصصة للفاسدين كما ان لدينا قضاء ضعيفا مع الاسف، ففي القضاء هناك عديمو الضمير، كما ان هناك ايضاً مترددين لا يجرؤون على ملاحقة الفساد والمفسدين فانت ترى ان احد البرلمانيين يدعي انه يعرف قضايا فساد ويعلنها على الملأ في وسائل الاعلام، ولا يتحرك الادعاء العام لاستدعائه وطلب الملفات التي يدعي انها بحوزته، فهذا لا يفسر الا على انه ضعف في القضاء. نعم هناك تشويهات وهناك أكاذيب وهناك كيديات كلها نعرفها ومفهومة، ولكن ايضا هناك حقائق وهي الاكثر. فمتى يتحرك القضاء ؟ اولا للاستدعاء والتحقيق مع من تثار حولهم قضايا فساد، ثانياً متى يتحرك القضاء لتحقيق جاد وعميق في ملفات الفساد التي لم يتردد اي رئيس وزراء من الذين مروا على العراق عن القول بان لديه و يعرف ملفات فساد.. فلماذا لا تفحص هذه الملفات؟ ولماذا لا تعلن على الملأ ؟ فضلاً عن انه لا مفسد من دون شبكة فساد. الكثير من الفساد الموجود الان في العراق تحققه مافيات وشركات بارعة في الاخفاء لذلك الامر يتطلب تعاونا ووسائل حديثة لكشف المفسدين الكبار، فضرب الحيتان اولا يؤدي الى القضاء على المفسدين الصغار.
كان الراحل ستار جبار (مؤسس البينة الجديدة) من الصحفيين العراقيين الذين صارعوا النظام البائد ومن المطالبين بحقوق الكادحين وهو اقرب الى الشيوعيين ومطلع على تاريخهم النضالي الوطني.. هل نسمع منك شيئاً من الذكريات عن الراحل ؟
(يضحك) انتم تقولون انه كان قريباً من الشيوعيين، انا اقول انه كان شيوعياً، وهذا تاريخ ينبغي اعلانه، وكان ثورياً بكل معنى الكلمة، وكان قريبا منا قلبيا وشخصياً وتربطني به علاقات شخصية واجتماعية، وبصرف النظر عن تباين الاتجاهات لاحقا او الافتراق في الموقع التنظيمي او الانتماء، لكن أعتقد ان ستار كان يملك روحاً ثورية حقيقية ورغبة في ان يجد العراق معافى، سليماً وشعباً متنعماً بالخيرات ويرفل بالأمن والاستقرار فالمجد لستار على ما تبنى وعلى ما آمن..ونتمنى من (البينة الجديدة) أن تستمر على نهجه الذي امتدحناه وايدناه دائماً.
كلمة اخيرة
شكرا لكم وتمنياتي القلبية لـ (البينة الجديدة) بدوام التألق.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* البينة الجديدة العدد 2016 في 24 شباط 2016