ادب وفن

عرض كتاب ورقة الحلة / حامد كعيد الجبوري

صدر عن "دار بابل للثقافات والفنون والإعلام" نص (ورقة الحلة) للشاعر (جبار الكواز)، ويقع النص ب 176 صفحة من القطع المتوسط، وبورق أبيض وغلاف جميل صقيل ، وورقة الحلة ترجمت نصوصها أو أغلب نصوصها الى اللغة الانكليزية لتنشر سوية مع النص الأم، وقام بترجمة النصوص الدكتور حسين علوان حسين وطبعت مجموعة (ورقة الحلة) في مطابع دار الشؤون الثقافية .
مجموعة ورقة الحلة تشمل نصوصا كثيرة تستحضر الزمان والمكان والشخوص التي تركت أثرا على التاريخ الحلي بعامة، وعلى محرر النص الشاعر الكواز بخاصة، أسماء أضاءت التاريخ الحلي، مدارس، مقاه، دور عرض سينمائي، ساحات، منتزهات، محلات حلية، حمامات، أسواق شعبية، حرفيون، وهكذا، وسجلت ورقة الحلة مؤشرات ومؤثرات لم يذهب الشاعر بعيدا ليغور في سنين يجهلها بل سبر أغوار تاريخها ليعيش فيه وينقله لنا بترانيم ونصوص بلغة محترف للشعر وصياغته .
يضيء (جبار النجدي) لورقة الحلة بعنوان (الشاعر جبار الكواز في ورقة الحلة براعة الشعر في متاهة الأمكنة)، ويقول ما نصه، (إن اشتغالات الشاعر جبار الكواز في مجموعته ورقة الحلة من المعالجات الشعرية العميقة لجزء من السيرة الذاتية لمدينة، لكنها في ذات الوقت تمثل تحريات مكانية موصولة بالأشخاص ومجللة بطقوسية الحياة والموت) .
يقدم لنا (الكواز) مقدمة لكل نص يكتبه، وتأتي هذه المقدمة مدخلا أو توضيحا لما يريده الشاعر ، في نص (الطاق) يقدم مؤطرا فيقول: (التقى الثلاثة ورثوا حال (الطاق) وحال الشعر)، من هم هؤلاء الثلاثة ؟، ويوضح في المتن أو النص هؤلاء الثلاثة فيقول: (هناك بكى (أبن العرندس) / وناح صاحب عبيد الحلي / ومرّ الشيخ المفيد / ونحرت أضاحي العيد / في مواكب الحجيج) .
في نصوص أخرى لا يقدم الشاعر لنصه، بل يدخل في متن النص مباشرة كما في (سوق الخلال التمر) فيقول، (الزهدي والخستاوي والبربن والسكرة والحمراوي والدكَل والبرحي والحلاوي والأشرسي والمكتوم والبريم / كنز لشتاء غطاه الصيف بسعف الروح)، أو في نص (نجم البَلام) فيقول (كان يرى الشط / نزهته في ليل عرس).
في نصوص أخرى يحتاج الشاعر لمقدمتين مؤطرتين أحداهما يمين النص والأخرى يساره كما في نص (شريعة الجاموس)، يمين الورقة المقدمة الأولى يقول فيها : (هجرها الجاموس وسافر الجراد في الأقطار)، يسارا يقول: (من لقن الرمال فن العوم ؟ / ومن أسال من جراحه حكاية الغريق)، والنص يقول: (الشط أسود / أمواجه عيون / وزبده قرون / أطفاله كواسج / إذ يلبسون طينه رداء / والحصى غذاء / من علّمها سر طفولتها) .
اللغة التي كتب بها الكواز نصوص مجموعته ورقة الحلة تختلف عن لغته في كتابة النصوص الأخرى، وأجدُ أنه أراد أن يوصل بهذه اللغة التي أبتعد فيها عن الإيغال بالرمزية ما يريد لكل شرائح المجتمع الحلي، لغة سلسة، غنية، بإيقاعات عروضية تنقلَ فيها لمختلف أوزان الشعر العربي، ولأن الذاكرة الحلية المنفتحة وغير المعقدة تتناغم مع كل الأسماء والديانات السماوية والوضعية، لذلك أحبت الحلة كل من عمل فيها ولأجلها، ومن هذه الأسماء الصائغ (الياهو حسقيل)، عرفته الحلة أمينا مخلصا لفنه وعمله لذلك أستأثر بحب الناس لمهارته وأمانته بعمله، ويريد الكواز أن يعرّف الناس بمكان محل (الياهو حسقيل) سابقا لذلك قدم مؤطرا ويقول: (مجاورا لطرشي شراره، مازال يأتي منتصف الليل، يتفقد أشباح السوق)، ولا أخفي أن هذه المقدمة أوضحت الكثير مما يختزنه الكواز من ذكريات جميلة، مقترنة بحزن يتجدد كل يوم، ويستمر النص ليغرق القارئ بثقل النكبات التي توالت على الحلة الفيحاء، (أين هو الآن / من يذكر ما صاغت كفاه لنساء مجهولات / سوى قلائده الذهبية / يتباهين بها وسط قبور الجيران).