الدافع للكتابة، هو المعرض التشكيلي لفنان شاب استرالي عرض على جدار في حانة "الطائر، البلبل". ظلت المدارس الفنية القديمة تنظر إلى الرسم أو الرسم التصويري على انه مادة دراسية تعلم لذاتها. وأهملت كثيرا النواحي الجمالية وعلاقتها بالفرد، وعلاقة الفرد بالمجتمع الذي تربطه بها عوامل متعددة من النسب والجوار والتعايش ووحدة المصير والانتماء إلى الواقع الحالي.
والتعبير عنه اتخذت من الإشارات والحركات والرموز والأشكال المحيطة وسائل لتحقيق هذا التعبير. ولقد أصبحت فيما بعد تعرف بالمناهج الفنية، وقد ترتب عن هذه المناهج الدراسية الكثير من الملاحظات واعتمد بعضها كطرائق تدريس وبعضها الآخر لتحديد الغاية من الرسم والفنون التشكيلية. فمن تلك الملاحظات في المناهج نشأت أساليب فنية عديدة ما لبثت أن تحولت إلى مدارس تعبر عن الوضع الاجتماعي و السياسي و الثقافي، وربما إلى تحول من القيود السالفة لا ستخراج أنماط جديدة مستحدثة. فقلة إدراك جوانب هذا التطور أدى بالبعض من الرسامين إلى أ? يستظهروا اساليب مختلفة لا تتفق مع الدراسات الأكاديمية الواجب اتباعها، كأصول فنية لتتفرع منها بعد ذلك الدراسات الآخرى في ميدان التطبيقات العملية والنظرية على بساط المعرفة لتكون الإنجازات التطبيقية على أسس ثابتة بشمولية مطلقة وبتسلسل الأسلوب الواعي للمحسوسات وعلم الجمال ، لذلك ظهرت المدرسة الواقعية الاشتراكية في الأدب والفن .....
الفن التشكيلي في المدرسة الواقعية الاشتراكية الحديثة:
إن مكسيم غوركي هو الذي صاغ عبارة "الواقعية الاشتراكية" في مقابل الواقعية النقدية وقد اصبح هذا النقيض اليوم مقبولا لدى الباحثين والنقاد الماركسيين. غير أن مفهوم الواقعية الاشتراكية، المشروع تماماً بحد ذاته، قد أُسيء فهمه كثيراً، بحيث أنه أطلق خطأ على لوحات أكاديمية، تاريخية، وشعبية كما أطلق أيضاً على روايات ومسرحيات قائمة أساساً على التجميل والدعاية. ولهذا السبب، ولبعض الأسباب الأخرى، يخيل إلي أن من الأفضل استخدام عبارة "الفن الاشتراكي". فهي تصف بوضوح موقفاً، لا أسلوباً؛ كما أنها تؤكد على المفهوم الاشتراكي? لا الطريقة الواقعية. إن الواقعية النقدية هي، بعبارة أوسع أيضاً، الأدب والفن البورجوازي بمجموعهما "أي، كل الأدب والفن البورجوازيين العظيمين" يتضمنان نقداً للواقع الاجتماعي المحيط. أما الواقعية الاشتراكية، وبعبارة أوسع أيضاً، والأدب والفن الاشتراكيين بمجموعهما، فإنهما يتضمنان موافقة الفنان والكاتب الأساسية على أهداف الطبقة العاملة والعالم الاشتراكي الذي هو قيد النشوء. وواقع كون هذا التمييز ناتجاً عن موقف جديد، لا عن مجرد معايير أسلوبية جديدة، قد كان في الغالب محاطاً بالغموض بسبب أساليب التدخل الإداري في الف?ون التي ظهرت زمن ستالين. ولكن عقب المؤتمر العشرين، كفّ الالتزام الصارم بنظرية ماركسية شديدة "غرانيتية التلاحم" في الفنون عن ان تكون إجباريا، وبرغم ان الاتجاهات المحافظة ما برحت قوية، فثمة مفاهيم فنية جد متباينة تتواجه ضمن الإطار الآساسي للماركسية.
إن مسألة الحركات الفنية في القرن العشرين المرتبطة بقضية أوسع من ذلك هي قضية العلاقات المتبادلة بين الواقعية وبين الحركات والمناهج الفنية الأخرى. وفي هذا المجال أيضاً، لخّص كل شيء، أثناء سني عبادة الشخصية، في هذه الصيغة المغرية والبسيطة إلا أنها جامدة للغاية، وتافهة بالمعنى العلمي، ألا وهي: الفن الواقعي التقدمي من جهة، ومختلف التيارات المضادة للواقعية، والرجعية بشكل جوهري من جهة أخرى. ولكن، في هذه الحال، أين نضع فنانين لا يرقى إلى عظمتهم شك، أمثال المسرحيين الكلاسيكيين موليير وراسين، وأمثال الرومنطيقيين هول?رلن ووالتر سكوت، أو أمثال من جاؤوا في أعقاب الحركة الانطباعية كفان كوخ، وغوغان.
الخروج من هذا المأزق كان جد سهل: كان يُعترف بعظمة هؤلاء الفنانين، ولكن رغماً عن ارتباطهم بتلك الحركات المشار إليها آنفاً، وبقدر ما يمكن الكشف في آثارهم عن عناصر واقعية فقط. ولكن، هل مثل هذه الطريقة تحل المسألة، ألم تكن الكلاسيكية والرومنطيقية والانطباعية تتضمن حقائقها الفنية الخاصة، كما تتضمن حدودها التاريخية والجمالية في الوقت نفسه؟ ألم تكن عظمة راسين في الوقت نفسه عظمة المثل الكلاسيكية العليا للأخلاق وللإنسانية المتجسدة في تراجيدياته؟، ألم تكن عظمة هولدرلن مرتبطة بسحر الأحلام الشعرية للرومنطيقية الثورية؟? إن دراسة الفنون يجب أن لا تتخلى عن حق الحكم على آثار فنية على ضوء محتواها الإيديولوجي والسياسي، وصفتها الجمالية. كما ان السياسة الثقافية الرسمية ينبغي ان لا تكف عن ممارسة تأثير مباشر قائم على مثل تلك الاعتبارات، وتلك الأحكام على الإنتاج الفني، بجعلها الفنانين يعون بأنفسم اخطاء اعمالهم ونقائضها، وان تتدخل في ظروف خاصة من جهة إدارية، كما كانت الحال في الاتحاد السوفيتي.
إن الفن الجديد لا ينجم عن المذاهب بل عن الأعمال. إن أرسطو لم يسبق آثار هوميروس، وهيسيود، وأسخيلوس، وسوفوكليس: بل استمد منها نظرياته الجمالية. وبمقدار ما نتصرف بكمية أكبر من ثروة وسائل التعبير ، تزيد قدرتنا في استخلاص القاسم المشترك فيما بينها. إذا كان النقيض "الواقعية النقدية ـ الواقعية الاشتراكية" هو تبسيط زائد للمسألة، فهو يتضمن حقيقة أساسية. وبمقابل معنى الواقعية الاشتراكية بوصفها منهجاً، أو بوصفها أسلوباً، فإن ثمة مسألة تبرز على الفور، ألا وهي: أسلوب من، ومنهج من؟
أن منهاج المدارس الفنية التشكيلية المختلفة، متباينة قدر المستطاع، ولكن ثمة موقفاً أساسياً هو مشترك عند فنان الواقعية الاشتراكية.
إن هذا الموقف الجديد والاشتراكي ينتج عن تبنّي الفنان وجهة النظر التاريخية للطبقة العاملة، وعن قبوله بالمجتمع الاشتراكي، مع كل تطوراته المتناقضة، على أنها قضية مبدئية.
وحتى أكثر الرغبات تصلباً في أن يكون الفنان موضوعياً، وأن يبيّن المجتمع في كل تعقيده وواقعيته "كما هي بالفعل"، فهي ليست ممكنة إلا نسبياً، فكيف يستطيع عندئذ أن يقدم أدلته؟ الفن الاشتراكي لا يكتفي بالرؤى الغامضة. إن مهمته قائمة على وصف ميلاد "الغد" انطلاقاً من اليوم، مع كل ما يتعلق به من مسائل. إن الفنان الاشتراكي يؤمن بأن القدرة الانسانية على التطور هي غير محدودة، ولا يؤمن بالتالي، "بحالة فردوسية" نهائية، ولا يريد بالفعل أن تبلغ جدلية التناقض المثمرة نهايتها أبدا.ً
"أيها العصر الذهبي انك لن تأتي أبداً
ومع ذلك، فأنت عبر الأرض، تفرُّ أمامنا!.
وليرجع البحر إلى منبعه الأصلي
ولينعكس في أعماق أحلام صباح العالم
وجه المستقبل
ولتصبح الأسطورة هدف جنس بلغ مرحلة النضج ".
إن هذا القبول الأساسي بالمجتمع الجديد ، لا يمكن أن يخلو من عنصر نقدي. وما كان يقوله "ماركس" بصدد الثورات البروليتارية، إنما هو صحيح بالنسبة للعهود التي تتكون فيها المجتمعات الاشتراكية:
"إنها تنقد ذاتها باستمرار، وتوقف في كل برهة سيرها الخاص، وتعود في السبيل الذي يبدو أنها عبرته لكي تبدأ المسير من جديد ..."، فالواقعية الاشتراكية، إذن، هي أيضاً واقعية نقدية ، تغتني بالقبول الأساسي للمجتمع من قبل الفنان ، وبوجهة اجتماعية إيجابية.
فشخصية الفنان لا تعود هنا ملتزمة باحتجاج خيالي ضد العالم المجاور، ولكن التوازن بين "الأنا" والجماعة، لم يعد أبداً ساكناً؛ ولابد له من أن يرمم باستمرار من خلال التناقضات والنزاعات. إن الفن الاشتراكي، الذي يختلف بموقفه عن فن العالم الرأسمالي، يتطلب وسائل تعبير جديدة دائماً. وقد كتب برشت في تعليقاته على النزعة الشكلية في الفن، يقول:
"إنه لمن التفاهة المحض القول بأنه يجب أن لا نعلق أية أهمية على الشكل وعلى تطور الشكل في الفن. وإذا لم يطرأ على الأدب ابتكارات ذات طبيعة شكلية، فإنه لا يستطيع أن يقدم موضوعات جديدة، أو وجهات نظر جديدة إلى الفئات الجديدة من الجمهور. نحن نبني بيوتنا على غير ما كان يبني رجال عصر إليزابيث، ونحن أيضاً نصوغ مسرحياتنا على نحو آخر. ولو أردنا أن نثابر على اقتفاء أثر طرائق شكسبير، لوجب علينا مثلاً، أن نرد أسباب الحرب العالمية الأولى إلى رغبة فرد "هو الإمبراطور غليوم" في توكيد ذاته، وأن ننسب إلى هذه الرغبة واقع كون إح?ى ذراعيه كانت أقصر من الثانية. إن هذا سيكون ضرباً من العبث بلا ريب. وسيكون نوعاً من النزعة الشكلية: ولهذا، نحن نرفض أن نتبنى وجهة نظر جديدة في عالم متبدل، لسبب واحد هو الرغبة في الحفاظ على طريقة خاصة للبناء، ولهذا يبدو ضرباً من النزعة الشكلية أيضاً فرض أشكال قديمة على موضوع جديد بدلاً من أن نفرض عليه أشكالاً جديدة... ومن الواضح أنه يجب استبعاد تجديدات هجينة ، في عصر أهم ما فيه بالنسبة للإنسانية أنه يمسح عن عينيه ما أُلقي فيهما من غبار. وأنه لواضح أيضاً أنه لا يمكننا أن نعود إلى أشياء الماضي، بل ينبغي لنا أ? نتقدم نحو تجديدات حقيقية... فما هي التجديدات الخارقة التي تجري حولنا...! وكيف يستطيع الفنانون أن يقدموا كل هذا بوسائل الفن القديمة؟".
إن وسائل تعبير جديدة لضرورية من أجل وصف وقائع جديدة. وإنه لمن التزمت القول بأن الفن الاشتراكي يجب أن يُبقي على جميع أشكال الفن البورجوازي، وبخاصة، أشكال عصر النهضة والواقعية الروسية في القرن التاسع عشر. لقد أنجبت النهضة فنانين ممتازين؛ ولكن، لماذا لا يكون للفن الاشتراكي ما يتعلمه من النحت المصري او النحت العراقي البابلي و الاشوري أو من فن الأزتيك، ومن رسوم ولوحات الشرق الأقصى، ومن الفن القوطي، ومن الأيقونات، ومما عند مانيه، وسيزان، وموور، وبيكاسو؟.
إن واقعية تولستوي ودوستويفسكي بديعة رائعة. ولماذا لا يكون للكاتب الاشتراكي ما يتعلمه عند هوميروس وفي الكتاب المقدس، وشكسبير وسترندبرغ، وستندال، وبروست، وبرشت، وأوكاسي، وريمبو، وبيتش؟.
إن المسألة ليست في تقليد أسلوب ما، بل هي كامنة في ربط أكثر العناصر تبايناً في الشكل والتعبير ضمن هيكل الفن ذاته، بحيث يجد وحدته في واقع متباين إلى أبعد الحدود. إن كل مظاهر الأمانة المتزمتة للمناهج الفنية الخاصة، هي كائناً ما كانت ، في تناقض مع المهمة التي تقوم على خلق حصيلة نتائج آلاف السنين من التطور الإنساني، ومع مهمة وصف محتوى جديد بأشكال جديدة...أن الفن الاشتراكي في محتواه، سيصبح نتيجة تصادم الآراء ، أكثر غنى، وأكثر شجاعة، وأكثر شمولاً في موضوعاته ، وفي أشكاله، وفي مجهوداته، وفي تنوع حركاته، من أي فن في الماضي . وينبغي أن لا تثبط عزائمنا المكابرة والأخطاء، والعثرات والنكسات. إن قصيدة " مدح الديالكتيك " لبرتولد برشت ، لتنطبق على هذا الوضع انطباقها على ما عداه ، وهي تقول :
"ما دمت على قيد الحياة، لا تقل أبداً : أبداً
أن ما هو أكيد ليس بأكيد .
فالأشياء لن تبقى على ما هي عليه ...
و" أبداً "، تصبح " قبل " عند أُفول النهار ".
من المقنع أن ننظر إلى الفنون التشكيلية كافة وخاصة الرسم على أنه وسيلة تفيد الإنسان مع جماعته من الجنس البشري ولا يمكنه الاستغناء عن وسيلة الاستفادة فيما بينهم في فهم النواحي الجمالية في المجتمعات العامة والخاصة في المضامير الثقافية، والاجتماعية، والسياسية على أنها أداة تمكن الفرد من الاتصال بغيره والتفاهم معه، وأنها وسيلة اجتماعية للتفاهم بين مجتمعه الخاص الفردي، والمجتمعات الأخرى. يجب صياغة منهجية مستحدثة كالأدوات التطبيقية والتكنولوجيات المتطورة، على ان أساسها يكمن في أهميتها الوظيفية في الحياة العامة، كونها مبعثاً لحياة الفنون التشكيلية لإحياء الوظائف الاجتماعية في الحياة الإنسانية وأداة في مواجهة الكثير من المواقف الحيوية بين أفراد المجتمع الواحد.
ان ما ينجزه الفنان من أعمال هو جزء منها من جوهره بوجه خاص وانه ليس إراديا أو واعيا، إن أعماله تعمل في المناطق السفلى الخفية من جوهريته لا تشعر بها المناطق العليا من هذا الجوهر أو تسمح بظهورها ، هذه النظرية شائعة بين الفنانين . وبهذه الحالة هل يستطيع الناقد المتمرس إدراك النواحي الاحترافية في سيرورة الفنان لتعظيم قدرته الانجازية ..؟ وهل يخترع جملة ، جملاً ، لتفسير نتاجه ..؟ فلو أجتمع الأطباء النفسانيون والنقاد الدارسون في علم الجمال والعلوم التخصصية لأدراك جزء بسيط من حقيقة السيرورة لدى الفنان لتفسير طريقة?إنشاء الأعمال الفنية ، لتناسوا النظريات بالتساؤل هل نحن في الواقع على علم بنوع الإنجاز الذي يطرحه الفنان من خلال أعماله والتي تخضع لإرادة الفاعل وتوجيهه ؟!.
كتب " ديكارت " خطاب " 28 حزيران سنة 1643 إلى الأميرة " اليزابيث " يقول :
" فالمشاعر التي ينقلها الفنان التشكيلي ليست المشاعر التي ينقلها الأديب أو المسرحي أو الموسيقي أو الشاعر أو الراقص .. أنها اللغة التي تتعلق بعلاقات الأشكال بعضها ببعض كالقصائد المرسومة والألوان الراقصة وبدون هذه المشاعر التي تحملها الأشكال لا يحقق الفنان فنا " .
لذا لا بد أن نسلم بأن الحقيقة الفنية هي في ذات الفنان لأن الذات هي التي تمثل مشاعر الفنان ووجدانه وأحاسيسه وفكره وفلسفته وباطنه ، فالموضوع يرى من خلال وجدان الفنان ... إحدى دواعي الإبداع تتمثل في حاجتنا بأننا ضروريون . بالإضافة إلى العالم ، الثقافة هي سيرورة داخل الإنسان لإضافة بعد جديد ومنظور جديد للعالم نجسده عن طريق وسيط مستندين إلى التخيل . فهي توقظنا من الرتابة فبواسطتها ندرك المعطيات من أفكار بين الشكل والمحتوى وبين الصورة والمادة وبين السيرورة والعقل وبين التاريخ والقيم والثقافة ترتبط بالأخلاق من ناحية القيمة فهي فوق المدارس والجامعات والمذاهب والتيارات الفكرية والثقافية تعمل على مبدأ لا، لا الحرية والقانون بطريقتين : طريقة التموضع ، طريقة التجاوز .
أسلوب التموضع : اعني به إبراز مدرسة من المدارس التشكيلية .
أسلوب التجــاوز : واقصد به تجاوز كافة المدارس التشكيلية.
فإلى كل من قرأت له كلمة .. أو شاهدت له رسما.. أقول لا بد من أسلوب التموضع لكافة المدارس والتيارات الفكرية التشكيلية في الدراسات الأكاديمية النظرية والتطبيقية ضمن الأصول الثقافية الواجب اتباعها بحسب العلوم التخصصية قبل التجاوز.. فلا يجوز التجاوز قبل التموضع. وبعدها يصبح أسلوب التجاوز قابلا للنقاش بين الدارسين .
مسك ما كتبنا :
هنا اود الاشارة الى مقال نشرته كاترينا جينتلسون لمجلة الفن والمزاد عن انتوني تابيس الرسام التجريدي الاسباني بمناسبة معرضه في نيويورك قبل عامين 2009 قالت فيه انها سألته قبل عدة سنوات عن تمثيله لاسبانيا في بينالي فينيسيا سنة 1958 في زمن "فرانكو تابيس مثلّ اسبانيا في تلك السنة بمفرده" فقال: كان ينبغي ان يكون لك رأي جيد يرضى عليه ليس فقط وزير الثقافة بل وايضا وزير الخارجية في حكومة فرانكو حيث كانوا "مغلفين مشدودين بفكرة وجوب "الزامية" ان تعكس اسبانيا صورة للحرية في فنها بالخارج وتعلق كاترينا على ذلك بالقوة: وفكرة الفن الحديث مساوٍ للحرية، قد شكلتها وزارة الخارجية الامريكية قبل سنين ابكر على ذلك التاريخ، عندما بدات في تنسيق معارض للتجريدية التعبيرية وراء ستائر من حديد.
وقد اتخذت الدول الاشتراكية وقتها ، موقف المعاداة لهذا التوجه بالفن واعتبرت نتاجه فنا لاانسانيا لايخدم التقدم ، وانه فن برجوازي يعبر عن ازمة النظام الراسمالي ، ومنعت شعوبها من الاطلاع عليه ، لان هذه الدول كانت تتخذ من - الواقعية الاشتراكية - مثلها الاعلى للجمال، وهذا المثل هو التعبير الايدلوجي الرسمي للدولة السوفياتية بالفن ، ومصطلح - الواقعية الاشتراكية - تم نحته ببطء منذ اواسط العشرينات "من قبل اعداء التجديد بالفن"، وقد تم الاقرار به نهائيا في المؤتمر الاول لاتحاد الكتاب السوفيت سنة 1934، وبعدها تم فرضه على بقية الاتحادات الفنية والابداعية ، وفي ذلك المؤتمر وضعت النهاية الاخيرة لكل الحركات الطليعية والمجددة بالفن والتي ازدهرت بعد ثورة اكتوبر 1917 ، مثل الانشائيين الروس الذين تزعمهم الفنان البلشفي - فلاديمير تاتلين - صاحب مشروع نصب وبرج ثورة اكتوبر الشهير لمناسبة انعقاد الكومترن والذي لم ينفذ لكنه صار علامة بارزة في تاريخ الفن العالمي الحديث ، وليسيتزكي مصمم اكبر افريز جداري بالعالم سنة 1928 بالتكنلوجيا الحديثة لذلك الزمان - فوتومونتاج - للجناح السوفيتي في معرض برلين الدولي ، وماليفتش مؤلف السوبرماتيزم وغيرهم المئات من المبدعين في كل فروع الادب والفن والسينما والمسرح والموسيقى ، وقد اصبحت هذه الواقعية "وفلسفتها" أكبر نقطة ضعف في البناء الاشتراكي للدولة السوفياتية والثغرة التي من خلالها تسلل الاعداء بكل سهولة. وقد كانت هناك وجهتا نظر في ذلك المؤتمر، الاولى المرنة نوعما والتي عبر عنها بوخارين - رئيس تحرير جريدة البرافدا - والثانية "القومية" المتشددة والتي عبر عنها جدانوف وزير الثقافة وكارل رادك كاتب مشهور ذلك الزمان واصبحت وجهة النظر الثانية هي السياسة الثقافية الرسمية للدولة السوفياتية حتى انهياره. "ساطع هاشم".
ارتأيت في قراءتي هذه أن أسلط الضوء على أهمية المدرسة الواقعية الاشتراكية الحديثة للفن التشكيلي بشكل وجيز، لم اذكر أهم روادها بالإضافة إلى أبرز لوحاتهم دون أن أعرض هذه اللوحات ولم يحدث ذلك سهوا أو عفو الخاطر ، بل إنما هدف من ورائه أن أشرك القراء في العمل الميداني وليكون لهم دور فعال في البحث والتنقيب إذ أنني أطمح إلى أبعد من عرض مقال اوبحث موجز.. إنني اسعى لتعزيز دور المثقف التشكيلي في متابعة وتكملة كل ما يتعلق بشؤون المدارس الفنية والارتقاء من المنظور النظري إلى المنظور العملي التطبيقي في فن التشكيل، وخاصة موضوع بحثنا هذا المدرسة الواقعية الاشتراكية في الفنون التشكيلية الحديثة.