تنبع اهمية الكتابة الفكرية والابداعية من قوة سلطتها حيث يمنحها كاتبها خصوصية العناية والاهتمام لتفردها الاستثنائي بين مفاهيمه المتعددة التي قد تخدمه في محاولاته في تأصيل ثقافته ووعيه بها.. والكتابة من حيث هي معطىً انساني يحظى باحترام وتقديس العاملين في مجال الفكر والفن والادب، وتمنح الكتابة لمن يمارسها الشعور الكافي بمسؤوليته ومقدرة في دفاعه عن قيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتخضع هذه المفاهيم للتطور المستمر عادة حسب الوقت والمكان والحالة وكذلك طبيعة نظام الحكم في ذلك البلد الذي تجري فيه تغيرات وتطورات اجتماعية وسياسية كالانتخابات العامة وعمليات تسلم السلطة بطرق سلمية حضارية او سنّ قوانين جديدة تخدم بالضرورة الحياة اليومية للمواطن البسيط على مستوى التربية والصحة وبقية الخدمات، وبالقدر الذي يتمتع فيه المثقف والكاتب (الذي يعي دوره) بقسط وافر من الشعور بتلك الحرية وخصوصا حرية التعبير فان عليه ممارستها او اعلان الدفاع عنها ولو على قدر من القناعة التي يمكن لها ان تمثل نزوعه نحو امتلاك فرصته الضائعة وبقدر اهتمامه بوسائله التعبيرية وتطويرها عليه ان يدافع عنها ايضا ويحسن امتلاكها وذلك من خلال زيادة وعيه بالاشياء المحيطة به..
ويخشى الحاكم من بسالة عدد معين من المبدعين الكبار الذين يولون العملية الكتابية اعتبارا خاصا ويدافعون عنها باهتمام خاص وهذا النوع من الكتّاب الذين تحسب لهم السلطة حسابا، ترتبط لديهم الكتابة بالمفهوم الكلي لمعنى المسؤولية والحرية والديمقراطية ولا يمكن التفريط بأي منهما وعلى الفنان/الكاتب ان يعي ان ثنائية المثقف والسلطة لايمكن ان تزول او تختفي من الوجود بل هي مستمرة في تواجدها وتفاعلها اليومي والعام ويمكن للسلطة استغلال تلك الاطروحة كلما حانت الفرصة لتضرب بها المثقف الحرّ ذا الاحساس العالي بالمسؤولية الاخلاقية حالما تجد الوقت مناسبا لضربه، اي في اللحظة التي تضع يدها على مجموعة من ذرائع وتبريرات واتهامات لإنهاء سلطة المثقف وزعزعة قناعاته الفكرية والسياسية فإنها لن تتوانى في ترسيخ ذلك والتشهير به.. ومن هذا نجد أن الخلاف بين المثقف والسلطة ليس بالصراع بالمرتجل او القدري بل ينتسب الى صراع الوجود وتعزيز مكانة القيم والمفاهيم الانسانية ضد النزعة السلطوية للحاكم وتابعيه وقد اشار سارتر الى ضرورة الالتزام الحرّ للكاتب الحرّ وان يتوفر في ذلك الالتزام قدر من المسؤولية تجاه الناس الذين هم بحاجة لمؤازرة المثقف الواعي لدوره في حراك مجتمعه.... ولا يعتقد المثقف ان سلطته الذاتية هي اقل من مستوى الصراع بل ان ازدياد حدة الوعي لديه واصراره على اتخاذ مواقف انسانية وسياسية تترجم التزامه الحرّ تجاه الناس هي التي تفرز ذلك الاحساس بالمسؤولية إزاء عديد القضايا الحساسة والتي قد تفرض عليه موقفا جادا يتطلب نقدا صريحا لمؤسسات السلطة السياسية والاجتماعية. ويصبح والحالة هذه لزاما عليه الامتثال لوعيه تجاه ما يجري ويحصل في البلد من تغيّرات مفاجئة ومحتملة ايضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثقافة الجديدة ـ العدد 367
تموز 2014