ادب وفن

«سحر الحقيقة» سفر ممتع ومفيد في تراث بلد يعصي على الاندثار / يوسف علوان

صدرت الطبعة الثانية من كتاب "سحر الحقيقة شخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي" عن دار" ميزوبوتوميا" في 312 صفحة من القياس الكبير لمؤلفه الاستاذ باسم عبدالحميد حمودي المتعدد المواهب والاهتمامات فالكاتب له الكثير من الكتب النقدية والتراثية وكذلك كتب القصة.وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي تولى رئاسة تحرير مجلة التراث الشعبي التي تعنى بالدراسات الفلكلورية والتي نشر عبرَ صفحاتها العديد من البحوث والدراسات الفلكلورية وابرزها : أسطورة تموز وتأثيرها على الشعوب الاخرى، الاعياد عبر الزمان والمكان، الف ليلة وليلة من أصوله العربية، أوراق من تاريخ العراق، السيرة الشعبية والذات العربية والكثير غيرها.
وكذلك له العديد من أسهاماته التراثية المنشورة في الصحافة العربية مثل: مجلة البحرين الثقافية ومجلة الحداثة البيروتية ومجلة الرافد الاماراتية. وكان للباحث حضور في أغلب المؤتمرات التي تعنى بالتراث الشعبي الداخلية والخارجية وله مؤلفات في مجال التراث الشعبي ومن اهمها: (1) التراث الشعبي والرواية العربية. الذي نال عنه جائزة الابـــــداع في النــــقــــد الادبـــــــي. (2) أبحاث في التراث الشعبي. (3) عادات وتقاليد في التراث الشعبي. (5) كتاب شارع الرشيد.
كرم الباحث باسم عبد الحميد حمودي بمدالية التراث الشعبي في لبنان وكذلك كرمته وزارة الثقافة الاردنية لقيامه بتحكيم جائزة الدولة الاردنية في حقل التراث الشعبي وأنتخب أميناً عاماً لرابطة التراث الشعبي للكتاب العرب.
حاول الباحث استعراض بعض المقالات التي تعنى بالتراث الشعبي لكتاب عالميين وعرب وعراقيين ويذكر لنا المؤلف ان مصطلح التراث الشعبي قد قام بصياغته العالم الاثاري الانكليزي وليم جون تومز في عام 1846. وقد اثارت يومها المناقشات ردود افعال العلماء والقراء في اكثر من عشرين صحيفة وناقش المهتمون به علاقته بالمأثورات الشعبية ودراستها، والتفتت القوميات انذاك لا الى تعزيز لغاتها بل الى البحث عما يمت بصلة الى روح الامة وتفكيرها الشعبي وازيائها وتقاليدها وحكاياتها واساطيرها.
وتساءل حمودي عن الأسطورة واين هي الحقيقة في الاسطورة؟ واين هو الجزء الاسطوري في الحقيقة؟ فيستشهد بقول الاستاذ عبدالكريم الجهيمان في مقدمة موسوعته "اساطير عربية": "كان لتلك الاساطير والقصص مقام كبير ولها اهداف كثيرة، منها ملء الفراغ والتسلية وعلاج بعض المشاكل الاجتماعية بطريقة الترويح".
وعن الخلاف بين الباحثين حول "الاسطورة" و"الخرافة" و"القصة" و"الحكاية" وقد انعكست بشكل جلي في مقدمة كتاب "كبرى الحكايات العالمية" الذي حرره لويس اونترماير وترجمه الى العربية غانم الدباغ: "القصص التي في الكتاب لا تقرأ للتسلية او لكونها فانتازية برغم ان القليل منها يقترب من الاعجوبة. انها ليست حكايات عن الجان فمعظم هذه الاساطير لها جذور في التاريخ سواء في وقائعها او كما يعتقد انها وقعت". وبدأ الاهتمام بدراسة الفولكلور في عدة مدارس ومناهج منها المدرسة الوظيفية "المورفولوجية" والأنثربولوجية "عالم الانسان" والمد?سة الميثولوجية والمدرسة الشرقية، وغيرها.
وقد عبرت السيرة الملحمية العربية عن الوجدان الشعبي وعن التوق للحرية وتأكيد الذات عن طريق الحصول على الامنية "الحرية الفردية" لدى عنترة و"حرية الفرد والجماعة" لدى سيف بن ذي يزن. هدفاً من اهداف الراوي والسامع. واذا كان الناس في الرواية والقصة الشعبية. يبدون اكبر من أحجامهم، خصوصا في الاسطورة حيث تعبر شمول الصورة عن الرؤيا البانورامية للراوي الشعبي الذي يعبر من خلال هذه الصورة عن تمنياته هو والاخرين الذين حرموا منها. فقد صور هذا المؤلف عنترة، كما قرأنا جميعاً، انساناً استطاع بداية ان يحرر ذاته من العبودية، عن ودية المركز الاجتماعي له، وعبودية اللون حيث حقق غايته الاولى كفارس لقبيلة بني عبس. وهكذا هي الشخصيات الشعبية الاخرى التي يعج بها الحلم العربي، وبهذا ساعد الراوي في هذه السير على تأكيد قيمة الذات العربية لدى الانسان كفرد والذات كقيمة عامة.
وتطرق لدور التراث الشعبي الذي نقل لنا صور التطور الحضاري في بغداد وبالاخص في العصر العباسي. فيصف لنا ادب ظرفاء بغداد في هذا العصر وكان لهم نوع من الاتكيت في سلوكهم اليومي: "لايزورون احدا قبل اعلامه ولا يداخلون احد في حديثه، ولايقطعون على متكلم كلامه.... وهم لا يتجشأون ولا يتمطون ولا يشبكون اصابعهم ولا يمدون ارجلهم او يحكون اجسادهم فاذا تكلم واحد منهم فبتؤدة وهدوء وبايجاز... ومن العيب ان يشربوا من ماء الطرقات او يأكلوا مما يتخذ في الاسواق..." وهذا خير دليل على الرقي الاجتماعي الذي كانت تعيشه بغداد في ذلك ا?زمن.
وعن الاصول الاولى للمسرح العربي، يستشهد المؤلف بما يرويه المسعودي في "مروج الذهب" عن ابن المغازلي المنادر اذ يقول: " كان ببغداد رجل يتكلم على الطريق ويقص على الناس أخبار ونوادر ومضاحك ويعرف بابن المغازلي. وكان في نهاية الحذق لا يستطيع من يراه او يسمع كلامه ان لا يضحك" ومن سياق هذه الحادثة والحوادث الاخرى التي تكلم عنها المؤلف دليل على ان التمثيل والمسرح بصورته البسيطة كانت موجودة عند العرب.
واستعرض الباحث في حديثه عن المجتمع الريفي العراقي اسماء الشخصيات والمهن في هذا المجتمع الذي يختلف في تسمية شخوصه تلك والمهنة التي ترتبط بوضع ذلك المجتمع الاقتصادي والاجتماعي. فالشيوخ ومن يتبعهم في السلم الاجتماعي لهم اسماؤهم التي تشير الى مكانتهم الاجتماعية، كذلك اسماء البعض من ممارسي المهن التي يتسمون بها وبعض القيم التي كانت سائدة في المجتمع الريفي غير ان التطور الذي شهده المجتمع الريفي عمل على استبدالها او نسيانها فاصبحت تراثا لهذا المجتمع الذي يختلف عن تراث الحواضر "المدن".
ويفرد المؤلف جزءا كبيرا من الكتاب ليذكر لنا "تنوع التراث الشعبي وتعددية الانتاج والتأثير" فالحكاية المروية تنتج من قبل شخص او مجموعة اشخاص يتداولون روايتها وان جسم الرواية يتعرض للتعديل والتبديل والاضافة حسب مستوى الراوي ومستوى الاداء