ادب وفن

شجرة التوث ومنزل جدّي في عين سفني / كفاح جمعة كنجي

مَنحتُ نفسي اليوم استراحة .ليست لدي اي التزامات، وليست لدي سيارة تقلني لِاماكن بعيدة لقضاء نهار اليوم . فضّلت ان اتمشى في شوارع عين سفني .وبمفردي .
قادتني ذاكرتي لِاول مرة زرتُ المدينة بصحبة والدتي قبل 50 عاما في زيارة منزل جَدّي من والدتي بَشّار خضر الشرطي .
شعرت بحنين طاغ لزيارة المكان ورؤية المنزل ولو من بعيد.
هل سَأقتدي الى المنزل وانا لم ازوره منذ عام 1965؟!!
الذي لم يتغّير في عين سفني من ذلك الحين، الشارع الرئيسي الذي يمر من وسطها والمؤدي للموصل من جِهة وإلى لالش مَعبدْ الايزيديين الاول من الاتجاه الآخر .
وانا اتَسلق الطريق المؤدي لِوَسط المدينة والمُشّيد على اشبه بتل مُرتفع تأججت الذاكرة وعادت بي لخمسين سنة مضت ،فالطريق لم يَطالُه تغييرٌ سِوى تصاميم الدكاكين ،والمحلات المُنتشرة على جانِبيه قد تضاعفت عشرات المرات .
وصلت السوق ومركز المدينة . توقفتُ لِاخذ نَفس ،وإستنشاق قليلاً من الهواء... التقيتُ عددا من النازحين ِمن مَسقط رأسي بحزاني لاول مرة. ألالمْ يَعتصر جَميعهم ،والشوق لِلعودة مرسومٌ على جَبينِهم .
في ركن السوق تذكرت أن الطريق الى بيت جَدّي كان يمر من زقاق وفتحة صغيرة تلتحم مع شارع السوق ببضع درجات لا تتعدى الخمس.
اهتديت الى الدرجات ،ومازالت على حالها سوى انها جُددت.
تذكرت بَعدَ الدرجاتْ الساقية المشيدة من الاسمنت وسط المنازل القريبة من بيت جدي ولم تكن تبعد عن السوق سوى امتارا و تتوسط الطريق بين منزل جدي والسوق.
الساقية قد اختفت ، ولم يعد لها اثراً .
حسنا سأهتدي الى المنزل بسهولة من خلال شجرة التوت الكبيرة التي لعبنا تحت ظلالها ونحن صغارا، ومنحتنا توتا شديد الحلاوة ولم تكن تبعد سوى مترين عن مدخل باب المنزل الرئيسي.
لقد خاب ظني !! فشجرة التوت قد قُطعت من الجذور ،والقيُت جذوعها امام المنزل وحتى الساحة التي تتوسط المنازل كُسيت بالاسمنت ولم يعد شيئا يشبه ما في ذاكرتي .
تاكدتُ بأني في المكان الصحيح ، بعد ان تعرفتُ على الزقاق المؤدي الى معبد (شيخالي شمسا ) ، حيث رافقت الكبار يوما لحضور امسيه او احتفال ديني خاص بالمعبد. كل شيء لم يعد على حاله في المدينة فبيت جدي شُيّد من الطين والحجر وسقفه من التراب يعلو جذوع الاشجار المرصوفه بعناية فائقة على حيطان المنزل ،ازيل كل شيء وشيّدهُ ساكِنيه الجُدد من الاسمنت .
ذلك الباب الخشبي المزخرف بمسامير كبيرة وعديدة وبألوانه الطبيعية قد أُقتلِع وحل محله باب حديدي مصبوغ بالوان صارخة .
50 عاما على تلك الايام . كل شيء لم يعد يشبه الاشياء التي تعيش في ذاكرتي.
التقطت صورة لجذع شجرة الملقاة امام المنزل أعتقد بل اجزم انها بقايا شجرة التوت تلك.!!. إعدام شجرة لا يفرق عن اعدام اي كائن حي.
عُدت ادراجي الى السوق بكيت كثيرا في داخلي وحبست دموعي سأدعها تنزل عندما اكون لمفردي فالوقت ليس وقت البكاء حقاً.
في السوق ،الصخب والنداءات هي على حالها لكن إختلفت اسماء المُنادى عليهم ففي حين كانت مشكو ،والياس ،وزيدو ،وجوقي فقد تبدلت الى حمي ، وجانكير، ورسول ،ومصطفى.
تغيرت كل الاشياء لم اعد ارى والتقي إلا قليلاً اولئك الذين كانوا يجوبون شوارع المدينة فنساء تلك السنين اللائي كُنّ ذي ملابس بيضاء وروس الرجال كانت مغطاة بيشماغ احمر ويعتمرونها على الجهة البيضاء وبالكاد يظهروا عكس ايام زمان، اللهجة المحلية الكوردية لاصحاب المحلات الجُدد لا تشبه لهجة اصحابها القدامى ،ويختلفون عنهم في العديد من الاشياء بما فيه الملابس .
كل شيء تغير في عين سفني.
أصحاب المدينة القٌدامى الاصليين باتوا الاقلية والقادمون من خارجها باتوا الاغلبية ...
تغيير ديمغرافي غَيّرَ ِبقصد او بلا قَصد هوّية عين سفني الايزيدية. لكن رغم كل ذلك فهي مدينة جدي واهلِه وستبقى كذلك .

الشيخان -عين سفني
عين سفني مركز قضاء الشيخان يبعد عن مدينة الموصل 55 كلم وعن دهوك بحدود 40 كلم .