ادب وفن

لمحات من تاريخ الترجمة لدى العرب بين الماضي والحاضر / رضي السماك

السيدات والسادة ،، السلام عليكم ورحمة وبركاته،، وأسعد الله مساءكم جميعاً..
في البداية أود أن أتوجه ببالغ الشكر الجزيل إلى إدارة ملتقى كانو الثقافي لإستضافته لي في هذه الاُمسية للتحدث معكم عن "لمحات من تاريخ الترجمة عند العرب ماضياً وحاضراً" ، وأسمحوا لي قبل ان أدخل في هذا الموضوع أن ألفت انتباهكم إلى نقطتين :
النقطة الأولى : هي أني تعمدت إلى إدخال كلمة " لمحات " في عنوان المحاضرة ليكون عنوانها " لمحات من تاريخ الترجمة بين الماضي والحاضر " وهذا يعني ان ما سأتناوله الليلة ليس سوى شذرات يسيرة مركزة من هذا التاريخ الذي هو بحاجة إلى مجلدات وليس بضعة سطور محدودة .
النقطة الثانية : هي اني وأنا أتصدى مجتهداً لهذا الموضوع الشائك لستُ مختصا بالترجمة ، فما يهمني ويستهويني في هذا المقام حصراً هو تاريخ الترجمة وقضاياها النظرية وما صدر ويصدر من إبداعاتها في نقل جوانب من ثقافات الشعوب ومنحزاتها الحضارية .
*****************************************
الموضوع
أولاً : الترجمة قبل الإسلام :
في الواقع بصعب أن نحدد تاريخاً محدداً بدقة في تاريخنا العربي ، لبدايات ظهور الترجمة لدى العرب ، ذلك بأن ثمة مختصين منهم عُرفوا بإلمامهم بلغات الأعاجم منذ ما قبل الإسلام ، فقد اختلط العرب بالأجانب بحكم رحلاتهم التجارية منذ ما قبل الإسلام واحتكوا بثلاث اُمم مجاورة لجزيرتهم : الفرس والروم والأحباش ، وإلى حدما السريان والهنود والمصريين ، إلا أن الإلمام بهذا القدر أو ذاك بلغات الشعوب لا يعني بالضرورة النقل والترجمة، فقد اقتصرت في الغالب عند العرب على ترجمة عملية شفوية اقتضتها كما ذكرنا علاقاتهم التجارية، ولعل دليل ذلك الاحتكاك دخول عدد من المفردات الفارسية واليونانية والرومانية في أشعار العرب ولعل أشهرهم في هذا الشأن الأعشى ، وقيل ان الحارث بن كلدة تعلم أيضاً الطب في فارس واطلع على التجربة الطبية الهندية فيه، وكما نعلم هنالك وفرة من تلك الألفاظ الأعجمية الأصل تضمنتها بعض سور وآيات القرآن الكريم بحكم نزوله على العرب بلغة قريش. وقد عُثر على مخطوط في إحدى الكنائس قرب حلب يعود تاريخه إلى 513 م مكتوب باليونانية والسريانية والعربية ويتضمن أسماء من شاركوا في بنائها .
ثانياً : الترجمة في صدر الإسلام :
وفي هذا العصر ازداد احتكاك العرب المسلمين بامم اخرى وبدأت ترجمات رسائل الرسول ( ص ) إلى ملوك الأقوام والشعوب غير العربية، ومنهم قيصر الروم وكسرى ملك الفرس ونجاشي الحبشة ومقوقس ملك الاسكندرية ، هذا إلى جانب الرسائل التي بعث بها الخلفاء الراشدون إلى قيادات أقوام وأمصار عديدة لأغراض شتى ، وبضمنها الاغراض الدعوية .
ثالثاً : الترجمة خلال العصر الاموي :
وقد اختلف الباحثون والمؤرخون العرب عما إذا كان هذا العصر هو العصر الفعلي لبدايات الترجمة والنقل من علوم الحضارات الاخرى كالهندية والاغريقية والصينية إلى العربية أم مجرد شهد محاولات فردية محدودة ، وتركز الاختلاف حول مدى اهتمام الأمير الاموي خالد بن يزيد بن معاوية بن ابي سفيان بالترجمة واستقدامه علماء من مدرسة الاسكندرية لترجمة العلوم اليونانية ، إلا ان الكثيرين يتفقون على أنه جرت ترجمة للدواوين في الأمصار المفتوحة خلال هذا العصر وبخاصة في عهد مروان .
رابعاً : الترجمة خلال العصر العباسي :
ويُعد هذا العصر ( 750 م - 1258م ) بحق العصر الذهبي بلا جدال لتنامي وازدهار حركة الترجمة عند العرب، وخصوصاً خلال حكم المأمون ( 813- 833 ) ففي عهده يمكن القول جرت مأسسة أنشطة الترجمة بشكل مُنظّم بدعم مباشر من الدولة ، وكان " بيت الحكمة " الذي تم انشائه خلال حكم المأمون هو الرمز الأشهر في التعبير عن تلك المأسسة ، ويُقال ان طاقمه التعليمي في حقل الترجمة يتكون من 65 مترجماً متفرغاً للترجمة من اليونانية والسريانية والفارسية والسنسكريتية والآرامية ، إلى العربية ، ناهيك عن بيوت اخرى اُنشئت خصيصاً للترجمة . وفي هذه الحقبة الذهبية تمت ترجمة مخطوطات علمية مهمة في الطب والكيمياء والفلك والرياضيات والفلسفة والمنطق ، ومن اشهر الكتب المترجمة كتاب الجغرافيا لبطليموس ، والأخلاق لأرسطو ، وكتاب اضطرابات العين .
وتميز عهد الخليفة المنصور بالاهتمام بعلم الفلك وترجمة الكتب الهندسية ، كما تمت ترجمة كتاب اقليدس الذي اعتبره ابن خلدون اولى الترجمات من اليونانية إلى العربية ، كذلك قام المفكر عبد الله ابن المقفع بترجمة مجموعة من الكتب لعل أشهرها " كليلة ودُمنة " الذي ألفه الفيلسوف الهندي بيديا باللغة السنسكريتية ورفعه الى ملك الهند المستبد دبشليم بغية تأنيب ضميره ، وقد ترجمه الى الفارسية الطبيب الفارسي برزويه وقام بدوره ابن المقفع الفارسي الأصل بترجمته من الفارسية الى العربية وأضاف إليه بعض الإضافات آملاً أن يتعظ الخليفة المنصور من حكمه وأمثاله ليعدل بين الناس ، فما كان من المنصور سوى أعدام المفكر وفيلسوف عصره ابن المقفع ، بعدما كثر الواشون عليه، كما ترجم ابن المقفع كتاب بانشنترا الهندي ، وكتاب التاج ( تاجنامه ) .
وفي عهد الرشيد تمت ترجمة الكتب الطبية اليونانية . وعودة الى عهد المأمون فقد تأسست أهم مدرسة للترجمة على يد المترجم الكبير حُنين بن اسحاق الذي يُقال بأنه ترجم 100 مخطوط من اليونانية إلى السريانية ، و39 مخطوطاً إلى العربية مباشرةً . وبخاصة المخطوطات الطبية وكان حنين يسافر إلى الاسكندرية وبيزنطة للبحث عن المخطوطات الجديرة بالترجمة .
وصفوة القول ان حركة الترجمة خلال الدولة العباسية استمرت حتى أواخر القرن العاشر الميلادي وبعدها بدأ العد التنازلي لافول الحضارة العربية الاسلامية ودخول العرب فيما عُرف بعصور التخلف والانحطاط . ولعل استاذة الدراسات الترجمية في جامعة ما نشيستر منى بيكر ( مصرية الأصل ) لم تجانب الصواب حينما اكدت ان نشاط الترجمة الى العربية خلال عهود الخلفاء الراشدين والخلفاء الفاطميين والعصر الاندلسي كان ذا أهمية ضئيلة . وغني عن القول أيضاً ان حركة الترجمة في العالم العربي خلال معظم العصر العثماني كانت غائبة واستمر خمودها حتى تعيين والي مصر محمد علي باشا في اوائل القرن التاسع عشر .
خامساً : الترجمة خلال العصر الأندلسي :
وفي هذا العصر الذي ازدهرت خلاله الثقافة والفلسفة العربية لم تقتصرالترجمة العربية على النقل إلى العربية بل وشرح النص المعرب والتعليق عليه ، وقد فعل ذلك على وجه الخصوص الفيلسوف العربي ابن رشد الذي لم يكتفِ فقط بإعادة ترجمة أعمال ارسطو بل قام بشرحها والتعليق عليها . وعلى العموم يمكننا القول ان أعمال الترجمة في هذا العصر تركزت في النقل من العربية الى اللغات الاوروبية على أيدي المستعربين او المستشرقين الذين نقلوا علوم العرب للغات شعوبهم اكثر من الترجمة من اللغات الأجنبية الى العربية ، وبخاصة في ظل تحفظ بعض خلفاء او ملوك الاندلس على النشاط الترجمي واعتباره ضرباً من الهرطقة . وكان بعض المترجمين الاوربيين يتقنون العربية بشكل مدهش ويحرصون على نقل الكثير من المصطلحات العلمية العربية كما هي الى اللاتينية مثل اديلارد الباثي وجون الإشبيلي. وكانوا يمتدحون علم وعقل معلميهم العرب . ومثلما بات شائعاً في عصرنا الاستعانة في لغتنا العربية بالمصطلحات الاجنبية كما هي في مختلف العلوم الانسانية والتطبيقية ، فقد فعل ذلك قِبلاً مترجمو القرن الثاني عشر الاوروبيون من العربية الى اللاتينية . وقد أمر الامبراطور فردريك الثاني هوهنشتاوفن في هذه الفترة بترجمة أعمال المفكر ةالفيلسوف العربي الكبير ابن رشد ولم ينتصف القرن الثالث عشر إلا وجميع مؤلفاته مترجمة الى اللاتينية والعبرية .
سادساً :الترجمة خلال عهد محمد علي باشا :
عُرف عن والي مصر العثماني محمد علي باشا اهتمامه بندب البعثات المصرية العلمية الى اوروبا ،لا سيما فرنسا ، وكانت البعثات الاولية تضم اتراكاً ومسيحيين ، وخاصة من موارنة سوريا ولبنان ، وهؤلاء قاموا بأعمال جليلة في تنشيط حركة الترجمة في مصر ، واسس محمد علي مدرسة " الألسن " عام 1835 وكان اسمها الاصلي مدرسة " الترجمة "، وتولى الشيخ رفاعة الطهطاوي الاشراف عليها، بعد ما كان قبل ذلك مترجماً في مدرسة الطب ثم في مدرسة المدفعية للعلوم الهندسية والفنون العسكرية ، وبلغ عدد الكتب الاجنبية المترجمة على أيدي خريجيها ألفي (2000 ) كتاب في مختلف المجالات ، وكان محمد علي يوصي مبتعثيه بشراء الكتب العلمية وجلبها معهم ليتم ترجمتها في مصر ، وتم تشكيل هيئة من علماء الأزهر لمراجعة وضبط المصطلحات المعربة ، واستمر مشروع محمد علي في الترجمة زهاء 20 عاماً .
ولم ينقطع الاهتمام بالترجمة في عهد الخديوي اسماعيل وأنشأ مركزين لهذا الغرض الأول في مصر والثاني في الشام . ومن الأعمال الاوروبية التي تمت ترجمتها : الكتاب المقدس ، وتواريخ مختلفة للعالم القديم والعصور الوسطى، وتواريخ مختلف الملوك والاباطرة وكتاب مونتسكيو ، ومؤلفات عديدة اخرى في الطب والجغرافيا والعلوم العسكرية والنصوص المسرحية الدرامية الفرنسية وغيرها .
سابعاً : الترجمة من عصر النهضة إلى العصر الحديث :
إذا كان القرن التاسع عشر الميلادي هو القرن الذي شهد بدايات ازدهار الترجمة من اللغات الاوروبية إلى العربية ، ولا سيما في مصر كما أسلفنا ، فيمكننا القول ان القرن العشرين قد شهد ذروة هذا الازدهار ، وخلال النصف الأول من هذا القرن تركز النشاط الترجمي بوجه خاص في مصر ولبنان وسوريا العربية فيما كانت أغلب الاقطار الاخرى لم تنل استقلالها ، وكانت غالبية الترجمة تتم من اللغتين الانجليزية والفرنسية . ويلاحظ ان نصيب الكتب الادبية المترجمة الى العربية شغلت حيزاً كبيراً ولاسيما الروايات والقصصص ، ومن الرموز الادبية العربية التي شاركت قي أنشطة الترجمة خلال النصف الاول من القرن العشرين :
سليمان البستاني الذي ترجم الألياذة شعراً في عام 1904، وكان البستاني يتقن خمس لغات هي الفرنسية والانجليزية والألمانية والايطالية واليونانية ، وطه حسين الذي ترجم كتباً أدبية منها مأساة " اوديب " ، كماوضع مقدمات لنصوص مترجمة على أيدي مترجمين عرب آخرين، والشاعر حافظ ابراهيم ، ومحمد السباعي ، ومحمد بدران ، ودريني خشبة الذي كرس شطراً كبيراً من حياته لترجمة روائع الادب اليوناني ، وابراهيم زكي خورشيد ، وعصام الدين ناصف ، وسامي الدروبي الذي هو بمثابة الأب الروحي لترجمة أعمال الروائي الروسي العظيم دوستيفسكي والتي تُرجمت الى كل اللغات الحية ، وقد ترجم الدروبي مجمل أعمال هذا الاديب الروسي في 30 مجلداً، والمترجم الفلسطيني سليم قبعين من مدينة الناصرة الذي كان أول من تخصص في ترجمة أعمال تولوتسوي وتولع بها تولعاً شديداً ، كما جرّبت الأديبة المعروفة مي زيادة حظها في الترجمة عند ما ترجمت عن الالمانية " قصة الحب الالماني من اوراق غريب " واصدرتها تحت عنوان " ابتسامات ودموع " على الرغم من اعترافها بعدم اتقانها الكافي للغة الألمانية ، وفؤاد سهيل ايوب ، ومنير بعلبكي ، ولويس عوض ، وعلي احمد باكثير ، وأمين سلامة ، وتوفيق الحكيم وهو أيضاً ممن ترجموا " أوديب " ، ومصطفى لطفي المنفلوطي الذي كان يعيد انتاج الادب الاجنبي باسلوبه المتميز الراقي من خلال ما يخبره أو يتلوه عليه أصدقاؤه بناء على طلبه من روائع الادب العالمي بلغاتها بلغاتها الأصلية، وهو يشبه هنا أحد كبار المترجمين الصينيين ألا هو لين شو ( 1852- 1924) والذي لم يكن يعرف سوى لغته الام ومع ذلك كتب عن روائع الآداب العالمية التي ساهمت في تحرر العقل الصيني .
ومن مترجمي هذه الفترة أيضاً فرح انطون ، واسماعيل مظهر مترجم الكتاب الشهير المثير للجدل " أصل الأنواع " لداروين ، ومصطفى ماهر الذي تخصص في ترجمة الأدب الألماني ، وجبران خليل جبران الذي ترجم مسرحيات شكسبير وأعاد ترجمتها بعدئذ كثيرون ومنهم الناقد الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا . كما جرى تعريب طائفة من عيون الشعر الاجنبي ، ولا ننسى أيضاً في هذا السياق ماقام به عدد كبير من المترجمين من ترجمة للكتب السياسية والفلسفية والاقتصادية والاجتماعية . وفي عام 1914 تشكلت لجنة التأليف والترجمة والنشر التي ترأسها أحمد أمين ، وضمت في عضويتها خريجي مدرسة المعلمين العليا ومدرسة الحقوق . وترجمت هذه اللجنة العديد من الموسوعاات العلمية الغربية ، مثل قصة الحضارة لول ديورانت ، وتاريخ الفلسفة الغربية لبتراند رسل. وفي الثلاثينيات تفجر خلاف كبير حول مشروعية ترجمة القرآن إلى اللغات الأجنبية ووقفت مجموعة من مشايخ الاسلام ضد ترجمته من أمثال : محمد شاكر، ومحمد سلمان عنارة ، والاحمدي الظواهري ، في حين دافع عن جواز وشرعية ترجمته شيخ الازهر حينذاك الشيخ محمد مصطفى المراغي وسانده وزير المعارف ، ثم ثلاشت الحملة على ترجمة القرآن وصدرت ترجمات عديدة للمصحف الشريف بلغات مختلفة على أيدي مترجمين عرباً ومستشرقين او مستعربين . كما تميزت هذه الفترة بظهور القواميس والمعاجم التي تذكر او تشرح مفردات اللغات الاجنبية ، وبخاصة الانجليزية والفرنسية ، كما ظهرت لاحقاً القواميس المتخصصة في علوم بعينها كالقانون ، والطب ، والحيوان ، والنبات ، والاقتصاد والسياسة والهندسة ، وغيرها .
وإذا كنا أستعرضنا سلفاً أمثلة لنخبة من جيل الرواد المترجمين العرب منذ بدايات عصر النهضة في القرن ال 19 م حتى النصف الاول من القرن العشرين ، فإننا نرى من الصعوبة بمكان تقديم ولو نماذج من جيل المترجمين الذين برزوا إبان النصف الثاني من القرن العشرين بالنظر إلى أعدادهم الهائلة، ويمكن معرفة لفيف منهم بالرجوع إلى كتاب الباحث السعودي علي بن سليمان الصوينع " توثيق الترجمة والتعريب " إذ حصر 115 أديباً عالميا تمت ترجمة بعض أعمالهم إلى العربية ذاكراً أسماء المترجمين العرب ، كما يمكن الرجوع أيضاً في هذا السياق إلى الدليل الذي أصدرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بإسم " دليل المترجمين ومؤسسات الترجمة والنشر في الوطن العربي " عام 1987، ولعل صددرت له تحديثات لاحقة . ويمكن القول أنه خلال هذه المرحلة التاريخية التي نالت خلالها معظم الاقطار العربية استقلالها ( عدا فلسطين ) ، وتمتع بعضها منذ مطلع السبعينيات بوفرة مالية من مداخيلها النفطية أن حركة ومشاريع الترجمة شهدت قفزة كبيرة صاحبها تطور عالمي في اشكال الترجمة ، فظهرت الترجمة الفورية المباشرة في اعمال الاجتماعات والمؤتمرات ، كما ظهرت الترجمة المطبوعة على الأفلام الأجنبية ، وسبقتها الترجمة المدبلجة ، وفي السنين القليلة الماضية اُخترعت الترجمة الآلية الفورية المكتوبة من خلال الشبكة العنكبوتية .
ومن أهم مشاريع الترجمة الرائدة الي برزت عربياً مشروع ترجمة الألف كتاب الاول في مصر خلال عهد عبد الناصر في الخمسينيات بإشراف الادارة الثقافية في وزارة التعليم ، ثم تبعه مشروع الالف كتاب الثاني في الثمانينات خلال عهد حسني مبارك ، ثم جاء انشاء المركز القومي للترجمة والذي هدف لتوسيع أعمال الترجمة لتشمل اللغات الشرقية وعدم اقتصارها على اللغتين الانجليزية والفرنسية . لكن رئيس قسم الترجمة في السفارة الفرنسية بالقاهرة ريشار جاكون يعترف بأن حركة الترجمة في الحقبة الناصرية كانت هي الاكثر ازدهاراً في مصر مقارنة بالفترة الملكية وبعهدي السادات ومبارك ، وخلال الفترة الناصرية نفسها تمت ترجمة " الكوميديا الآلهية " على يد المترجم المصري حسن عثمان الذي عكف على ترجمتها في ثلاثة أجزاء على مدى عشر سنوات ( 1959- 1969 ) وأشاد بهذه الترجمة إدواردو كريسافولي استاذ اللغة الايطالية ومدير المركز الثقافي الايطالي في بيروت ودافع أو تفهم امتناعه عن ترجمة القصيد الثامن والعشرين من "الجحبم "'الذي تناول فيه دانتي نبي الإسلام محمد ( ص ) .
وفي اواخر تسعينيات القرن الماضي تم تأسيس المنظمة العربية للترجمة ، وقد ترجمت حتى الآن ما يقرب من 300 كتاب من اللغات الانجليزية والفرنسية والالمانية وغيرها ولا نعلم عما اذا كانت تتولى رعاية ترجمة المؤلفات العربية الى االلغات الاجنبية (ويؤخذ عليها أسعار كتبها الباهظة) . وفي الخليج العربي تُعد سلسلة عالم المعرفة في دولة الكويت والتي تأسست عام 1978 وتصدر كتباً شهرية في مختلف حقول العلوم والمعرفة من اوائل مشاريع الترجمة الرائدة في الهذه المنطقة بالنظر الى ان العديد من كتب هذه السلسلة تصدر مترجمة عن لغات أجنبية . وفي دولة الامارات أطلقت هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث مشروع " كلمة "الذي يقوم سنوياً بإعلان قائمة بمائة كتاب منشورة بكل اللغات ثم يعكف على ترجمتها ، ومؤخراً أصدر هذا المشروع الترجمة العربية للعمل الكلاسيكي اللاتيني " الإينادة " ، من تأليف بوبليوس فورغيليوس مارو وترجمة محمد علي الغول . ومع ذلك فما زالت اسهامات المترجمين الخليجيين في حركة الترجمة العربية للأسف شبه معدومة، مع ان الدول الخليجية من اكثر المناطق العربية في المام شعوبها باللغة الانجليزية . أما في مصر فمن المشاريع التي برزت في هذه الفترة المشروع المشترك بين داري نشر الشروق المصرية و بنجوين راندوم هاوس البريطانية لترجمة كلاسيكيات الادبين العربي والغربي بالتبادل ( أي في الإتجاهين من الانجليزية الى العربية ومن العربية الى الانجليزية ) ، بينما اختصت مؤسسات إصدارية اخرى بترجمة الاعمال الادبية العربية الى اللغات الاجنبية مثل مجلة بانيبال في لندن التي صدرت في عام 1998 لهذا الغرض ، ودار نشر اكت سود الفرنسية . وتصف ميرلين ديڤيد استاذة دراسات الترجمة في جامعة كوينز بلفاست الايرلندية ان رؤية الاوروبيين الى الاسلام تحولت نحو الأفضل في الخمسين سنة الاخيرة بفضل ترجمة النصوص الاسلامية الى اللغات الاوروبية على ايدي كثرة من المسلمين بعدما كانت تترجم على أيدي الدبلوماسيين والرحالة و الباحثين في سياق استعماري مغرض غير منزه من الهوى .
ومن نافلة القول ان الترجمة خلال القرن العشرين الذي اُطلق عليه عن حق "عصرالترجمة" قد تطورت عالمياً بحيث تحولت علماً قائماً بذاته يُدّرس في أرقى جامعات العالم ولم يعُد خاضعاً للارتجال والهواية أوالارتزاق كما كان الحال قبل ذلك في أحايين عديدة .
** نقد الترجمة وإشكالياتها بين الماضي والحاضر :
إن تطور الترجمة في عصرنا الحديث وتحولها إلى علم قائم بذاته له قواعده ومناهجه المستقلة وما أستتبعه ذلك من ظهور دراسات نقدية للأعمال المترجمة وما يرتبط بها من قضايا واشكاليات لا حصر لها ، لا يعني تاريخياً غياب على الأقل شذرات بهذا القدر او ذاك من الكتابات الناقدة لاعمال الترجمة العربية في العصور السابقة وبضمنها تلك التي صدرت إبان عصر ازدهارها في العصر العباسي ، ومن هذه الانتقادات على سبيل المثال لا الحصر ما كان يؤخذ على الكثير من الترجمات بأنها ركيكة لانها كانت تتم بلغة وسيطة هي السريانية ومن السريانية يتم ترجمتها الى العربية ، كما يفعل مساعدو حُنين . وكان أئمة اللغة حينذاك قد أخذوا على النصوص المترجمة إلى العربية استخدام المترجمين مفردات وتراكيب لغوية غير مألوفة وعدم تمكنهم من قواعد اللغة بسبب ضعف المترجمين السريان بنحوها، ومن أهم الآراء النقدية والنظرية التي ظهرت ما كتبه الجاحظ ،على الرغم انه لم يشتغل على الترجمة بل استفاد من الأعمال المترجمة في كتاباته ، وقد شدد على ضرورة إلمام المترجم للغتين المترجم عنها والمترجم اليها إلماماً معمقاً، ، وأكد الجاحظ على أهمية سبك المضمون بأسلوب عربي سليم ، وان ان يكون النص المترجم بنفس وزن قيمته في اللغة المنقول عنها . ولا ريب في ان هذه الآراء النقدية حول الترجمة للجاحظ مازالت حية محتفظة بقيمتها حتى يومنا على الرغم من مرور ما يقرب من 11 قرناً من صدورها .
* * أما من أبرز الإشكاليات والقضايا النقدية المرتبطة بالترجمة في عصرنا الحديث والتي تناولتها دراسات ومؤلفات عديدة فنستطيع أن نوجزها فيما يلي :
1- إشكالية ما زالت تثير جدلاً بين النقاد والباحثين حول ما عُرف ب "خيانة المترجم" للنص المترجم ، فلأننا في عالمنا العربي مسكونون بفوبيا الثلاثي المحرّم تناوله في الكتابات والوسائط الإعلامية ألا هو محظورات " السياسة والجنس والدين " فإن جل مترجمينا يتوجسون من ترجمة الفقرات او الفصول التي قد تعرضهم للمساءلة او الغرامة أو حتى السجن ، أو بما يعرضهم للاساءة لسمعتهم الدينية أو الاخلاقية في المجتمع .
واكتفي هنا بالإشارة على سبيل المثال لا الحصر، إلى الضجة التي اُثيرت قبل سبع سنوات في القاهرة حول رواية "عاشقات " للنمساوية الفريدة يلنيك التي ترجمها مصطفى ماهر وهو من أشهر المترجمين المصريين عن الألمانية وله خبرة في الترجمة على مدى اكثر من 50 عاماً ، إلا انه يعترف انه يضطر الى استبعاد ترجمة المفردات التي قد يفهم منها القارئ العربي خطأً ان الروائية "قوّادة وقليلة الأدب " وهو ما فعله أيضاً في ترجمة رواية " الأقزام والعمالقة ". وقبله بسنوات ترجم طلعت الشايب عن الانجليزية رواية " البطء" وتتضمن فقرات جنسية فأسقطت صحيفة "اخبار الأدب " تلك الفقرات ووضعت في محلها نقاطاً ، علماً بأن الطبعة العربية لترجمة الرواية للمترجم نفسه قد صدرت دون أي حذف .
2- اشكالية صدور عدة ترجمات للعمل المترجم الواحد ، فالبعض يجيز ذلك في العمل الادبي ، كالشعر والرواية والقصة والمسرح ، ليتمكن القارئ من الوصول الى أمتع الاعمال المترجمة ابداعاً للنص الواحد في مثل مختلف الاجناس الادبية ، وارى اذا جاز ذلك في الاعمال الادبية ، فليس من الضرورة ان ينسحب الأمر على الترجمات السياسية والاجتماعية العادية ، ولكن ذلك لا يصحُ للمترجم العادي الذي يتصدى لترجمة مؤلفات او نصوص علمية متخصصة ،مثل الكيمياء أو الاقتصاد او الهندسة او الطب ، مالم يكن متخصصاً في أي منها أو على الاقل لديه من الثقافة العلمية العامة الكافية في تلك التخصصات . وعلى ذكر الترجمة السياسية فلا بأس أن نشير لماماً بما يحفل به تاريخ العلاقات الدولية الحديث من خلافات بين الدول حول الترجمات للمعاهدات او الوثائق والاتفاقيات. ( الخلاف حول ترجمة قرار 242 الصادر عن الامم المتحدة عام 1967 حول انسحاب من أراض عربية أو الأراضي العربية ، والخلاف الاخير حول اختلاف النسخة الفارسية عن النسخة الانجليزية فيما يتعلق بالاتفاق النووي الاخير وما قيل بأن النسخة الفارسية تتجنب المفردات التي قد يشم منها المواطن الايراني بان حكومة بلاده قدمت تنازلات للغرب في الاتفاق ) .
3- عدم إلمام الكثير من المترجمين الماماً كافياً باللغة العربية الفصحى السليمة أو حتى بالفصحى الاجنبية المترجم عنها النص وتراثها اللغوي ، لذا وجدنا اصدارات لا حصر لها تعج بالاخطاء النحوية والاملائية ، خذ على سبيل المثال رواية " طبل الصفيح" للألماني الحائز على جائزة نوبل جونتر جراس التي صدرت بالالمانية عام 1959 ، فتمت ترجمة هذه الرواية الى العربية من ثلاث لغات، الالمانية والفرنسية والانجليزية ، وثلاث الترجمات هذه لاحظ النقّاد بأن كلاً منها تعج بالاخطاء النحوية ، وبالتالي فإن أدق وأصعب الترجمات على الاطلاق هي ترجمة النصوص الأدبية ، كما ذكرنا سلفاً ، ناهيك عن ترجمة القرآن الكريم ، فضلاً عن ترجمة المصطلحات المجازية والاستعارات والجناسات اللغوية على حد تعبير استاذة الترجمة ماري مسعود . إن الترجمة ،حسب تعبير نورمان شابيرو، هي محاولة انتاج نص يبلغ من فرط شفافيته حداً يبدو معه كما لو لم يكن ترجمة.
4- ينبغي ان تتم الترجمة ، ولاسيما إذا كانت منقولة عن نصوص أجنبية، شعراً او رواية أو قصة او نصاً مسرحياً ،مباشرة من اللغة الاجنبية الاصلية، فالترجمة من اللغة الوسيطة ،أي ترجمة الترجمة ، تضعف القيمة الابداعية للنصوص الادبية . وهنا يلفت المترجم الاستاذ محمود محمود النظر إلى أن حتى الترجمة المباشرة عن اللغة الاصلية قلة من المترجمين هم الذين يتمكنون من التغلغل في روح هذه اللغة التي ينقل عنها أويلم بالكثير من تاريخ وخصائص الشعب التي تتحدث بها ، والالمام باللغة يشمل أيضاً الالمام بتغير الدلالات اللفظية من عصر إلى آخر. وكما يُعبّر نهاد حسن إمام : فمهما بلغت درجة اتقان احدنا للغة أجنبية فإن تعبيره بها عن المواقف الانسانية المختلفة يأتي مفتقداً الكثير من احساس اللغة التي تحمل روح شعبها الناطق بها .ولعل من المآخذ التي اُخذت على جبران خليل جبران ،وهو من أوائل من ترجم مسرحيات شكسبير ، أنه لم يكتفِ بترجمتها الى العربية عن الترجمة الفرنسية التي يتقنها اكثر من الانجليزية ، بل ولجأ في ترجمته الى المفردات العربية الغريبة المتحذلقة أو المهجورة ويقوم بشرحها في الهوامش ، وكان من ابرز من تصدى له بالسخرية والتهكم على ذلك ميخائيل نعيمة.
5-حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي ظلت الكتب الادبية تتصدر المرتبة الاولى من حيث الكم ، ولا نظن ان الحال تغير كثيراً من يومذاك إلى يومنا هذا. أضف إلى ذلك فإن اعمال الترجمة تكاد تنحصر في اللغات الاوروبية الرئيسية ،وعلى الاخص الانجليزية والفرنسية فيما يكاد الاقبال على ترجمة اعمال اللغات الشرقية ، كالهندية والفارسية والتركية واليابانية، شبه معدوم .
7- مازال المترجمون العرب من اللغات الاجنبية الى العربية هم اكثر من المترجمين للاعمال العربية الى اللغات الاجنبية وهذا ما اكّد عليه استاذ الترجمة المصري انجيل بطرس سمعان الذي مارس الترجمة في الاتجاهين والذي يلفت النظر الى بعض الترجمات تنفد نسخها اكثر من نفادها بلغاتها الاصلية في البلدان التي صدرت فيها .
8- لا يمكن دراسة الجذور التاريخية التي فرضت الحاجة إلى الترجمة من الينابيع العلمية للثقافات الأجنبية الاخرى فقط ، بل كانت بعض الاعتبارات السياسية الهامة لعبت دوراً حأيضاً في فرض هذه الحاجة أيضاً ،ومن ذلك حاجة الغزاة والمستعمرين لمترجمين ، وهذا ما بيّنه استاذ الترجمة الامريكي دوجلاس روبنسون : " ان الترجمة كانت على الدوام قناةً لا غنى عنها للفتح والاحتلال ، وكان المستعمِرون يقومون بعناية باختيار مترجمين للتوسط بينهم وبين المستعمَرين وإعدادهم لهذه المهمة ليضمنون ولاءهم.كذلك فإنه عند قيام النظام العلماني في تركيا على أنقاض الامبراطورية العثمانية افتتح أتاتورك مكتباً لترجمة المؤلفات الكلاسيكية الغربية في سياق سياسته الرامية إلى علمنة وتغريب شعبه وجذبه نحو الثقافة الغربية وتمدينه بها .
9- لم يهتم جيل الرواد الاوائل في عصر ازدهار الترجمة خلال العصر العباسي بترجمة الشعر الأجنبي ،سواء أكان يونانياً ام فارسياً ، لشعورهم بانتفاء الحاجة إليه معتبرين أنفسهم سادة الشعر في العالم .
أخيراً وقبل أن نختتم حديثنا حول الترجمة في هذه الامسية ثمة اشكالية موضوعية من اشكاليات الترجمة لا دخل للمترجمين بها ولم أجد أحداً قد تناولها في كل ما اطلعت عليه من مصادر عن مشاكل وقضايا الترجمة، ألا هي إشكالية الجمود الذي ما برحت لغتنا العربية تعاني منه منذ اُفول حضارتنا العربية - الاسلامية قبل سبعة او ثمانبة قرون حتى عصرنا الراهن وهي اشكالية لا مجال الدخول في تفاصيلها في هذا المقام إذ يطول الحديث حولها ويتشعب . ومن مظاهر هذا الجمود والتخلف اللغوي اننا بتنا نفتقد اليوم الحس اللغوي ولا نتحلى بخاصيتين جميلتين تختص بهما لغتنا العربية الجميلة أشار إليهما الاستاذ العراقي الدكتور نعمة رحيم العزاوي في احدى دراساته ، وما أشد حاجتنا إليهما اليوم في شتى كتاباتنا العربية وفي الترجمة على السواء، ألا هما : انعدام الدقة ،أي اختيار اللفظ غير الدال على المعنى أو الفكرة للمفردة بدقة شديدة ، وانعدام الإيجاز والذي كان من سمات كلام العرب حيث كانوا يعبرون عن المعنى بأقصّر لفظ أو عبارة جزيلة .
وقبل أن أصل الى خاتمة حديتي معكم في هذه الأمسية حول الترجمة أرى من الضرورة ألا نغفل جانباً آخر هو في تقديري بالغ الاهمية إذا ما اردنا الغرب ان يتعرف على الجوانب المضيئة في ثقافتنا العربية المعاصرة وروائع أعمالنا الادبية ، ألا هو الاهتمام باللغتين السويدية والاسبانية، ففيما يتعلق بالاولى فهي كما تعلمون لغة أعضاء لجنة التحكيم في جائزة نوبل ، وبطبيعة الحال فإن تذوقهم لهذه الاعمال من خلال لغتهم الام الأصلية ليس كتذوقهم إياها بلغة وسيطة يجيدون استعمالها، كالإنجليزية . يشير الكاتب السعودي إبراهيم عزيز إلى انه ليس سراً حرص بعض الكتّاب في عدد من البلدان ،ومنها الولايات المتحدة ، على ترجمة أعمالهم الى السويدية لتسهيل جعلها تحت متناول المحكمين في لجنة نوبل والوسط الثقافي والادبي السويدي ، وحينما فاز بها الامريكي سنكلير لويس عام 1930 اعترف بفضل ترجمة اعماله الى السويدية وأقر بأن مواطنه الامريكي ثيدور درايزر كان الاحق بها، كما نبّه الكاتب السعودي عزيز إلى اشكالية افتقار المحكمين السويديين للقدرة للإطلاع على الثقافات غير الاوروبية . ولعل من مفارقات جائزة نوبل للآداب هذا العام إن الفائز بها هي الإعلامية البيلاروسية سفيتلانا اليكسييفش ، وهي ليست بروائية ولا شاعرة ، بل لكونها كما قيل إعلامية تكتب أفكارها السياسية بلغة نثرية أدبية شفافة ، وحينما نُقل فصل من كتابها " نهاية الانسان الأحمر ، او زمن الخيبة " الذي صدر في موسكو عام 2013 العربية جرت ترجمته الى العربية بمناسبة فوزها بنوبل بلغة ركيكة جداً من الترجمة الفرنسية وليس الروسية ( نشرت الحياة ترجمة هذا الفصل في عددها الصادر في 4 نوفمبر 2015 ) .
أما فيما يتعلق بالثانية ألا هي الأسبانية فأهميتها للعرب لا تكمن لكونها احدى أهم اللغات الغربية التي فاز من خلالها مبدعون بجائزة نوبل للآداب فحسب ، والتي يمكن لمبدعينا العرب الاستفادة بالمزيد من تجارب روائع المبدعين، بل ولما يربطنا بهذه اللغة من روابط تاريخية حضارية مشتركة إبان حقبة الحكم العربي في الاندلس ، وبالنظر أيضاً لحجم عدد الناطقين بها إذ ، يتحدث ويكتب بها زهاء 500 مليون انسان في اسبانيا وامريكا اللاتينية وبلدان اخرى من العالم ، وهناك آلاف من المفردات العربية تدخل في اللغة الاسبانية ، وجل الباحثين والمفكرين الاسبان الموضوعيين يقرون بتآثير اللغة العربية في اللغة والحضارة الاسبانيتين. ولكن إذا ما قارنا حركة الترجمة لديهم بما باتت عليه حركة الترجمة لدينا من أوضاع مزرية آخذةً في التراجع والانحدار سنصعق من الذهول ، ففي الوقت الذي ينتج العالم العربي كتاباً واحداً مترجماً في السنة لكل مليون عربي فإن اسبانيا تنتج ما يقرب من ألف كتاب مترجم في السنة لكل مليون اسباني من مختلف اللغات الكبرى ، هذا بخلاف انتاج الكنب المترجمة في البلدان الناطقة بالاسبانية . والحال ان حركة الترجمة العربية لا يمكنها النهوض من كبوتها المديدة الراهنة بمعزل عن نهوض الثقافة والتعليم في بلداننا العربية او بمعزل عن إعادة بناء الدولة العربية على اسس مدنية وديمقراطية متحضرة تغادر نهائياً مرحلة الظلام الراهنة التي نتخبط فيها .
وأخيراً أسمحوا لي وانا أختتم معكم هذه المحاضرة المتواضعة عن الترجمة ان أتلو عليكم بضعة أبيات من الشعر للشاعر والمترجم اللبناني أحمد فارس الشدياق والتي لعلها تعبر بإيجاز عن محنة الترجمة لدى العرب منذ عصره ما :
ومن فاته التعريب لم يدر ما العنا ولم يصل نار الحرب إلا المحـارب
‏ أرى ألف معنى ما له من مجانس لدينا وألفا ما له ما يناســــــب‏
وألفا من الألفاظ دون مـرادف وفصلا مكان الوصل والوصل واجب‏
وأسلوب إيجاز إذا الحال تقتضي أساليب إطناب لتوعي المطالــــب‏
وعكس الذي مّر أكثر فاتـئـد ألا أيهذا اللائـمي والمعاتـــــب‏
فيا ليت قومي يعلمون بأنني على نكد التعريب جدي ذاهــــب
* * **‏
أعتذر اليكم عن الإطالة ، وأشكر لكم حسن اصغائكم