ادب وفن

مؤتمر الرواية العراقية مسؤولية النقد والتقويم وليس رمي الحجر!! / علي حسن الفواز

ليس تبريرا هو الحديث عن مؤتمر الرواية العراقية الأول (دورة غائب طعمة فرمان) الذي عُقد في بغداد يومي 14-15/ كانون الثاني الجاري. كذلك ليس توصيفا لأيامه السردية والنقدية، إذ حمل هذا المؤتمر هاجسه بالتأسيس، وحلمه بنجاح المؤسسة المدنية الثقافية في تنظيم فعالياتها دونما(رعاية) رسمية، وهذا بطبيعة الحال يُحسب لها. ولكن تنظيم مثل هذا المؤتمر لا يخلو من أخطاء، وهي غير مقصودة، ومن الصعب جدا وضعها كشماعة لإثارة أسئلة مريبة ومقصودة حول عمل الإتحاد، وحول أية ممارسة ثقافية يقوم بها.
المسؤولية الثقافية تقتضي الاعتراف، مثلما تتطلب النقد والمراجعة والتقويم. ولعل الحماسة التي اندفع بها القيمون على المؤتمر وضعتهم أمام ظروف صعبة، وخيارات أصعب. فالحاجة الى فعاليات نوعية بات أمرا لازما وسط احتدام (النقد) الصاخب على المهرجانات الكبرى مثل المربد والجواهري. وهو ما يعني ضرورة البحث عن مجالات أكثر تخصصا في أجناسها الأدبية، والتي يمكن تمويلها وتنظيمها ضمن حدود معينة، وبما يليق بالأدب العراقي وبأسئلته المهنية. وقد وضعت اللجنة التحضيرية امامها الكثير من المهام، في مقدمتها التعريف بالرواية العراقية الجديدة، لاسيما للروائيين والنقاد العرب، والعمل على مشاركة أكبر عدد ممكن من الروائيين والنقاد في هذه الممارسة. وطبعا من الصعب تغطية الخارطة العراقية كاملة وسط امكانات مادية محدودة، ودون دعم رسمي، ومع ذلك فالأسماء الكبيرة في مشهدنا الروائي تم الاتصال بها مثل الروائي عبد الخالق الركابي والروائية لطفية الدليمي ود.نجم عبد الله والروائية ميسلون هادي ود.لؤي حمزة عباس والروائي علي بدر والناقد سليمان البكري وغيرهم والذين اعتذروا عن الحضور. كما ان العديد من روائيينا قد حضر وشارك في حفل الافتتاح ومنهم الناقد د.شجاع العاني، والناقد د.مالك المطلبي، والباحث فالح عبد الجبار، والشاعر شوقي عبد الامير والشاعر عواد ناصر، القاص والروائي أحمد خلف الذي قرأ شهادة في أيام المؤتمر، والروائي والقاص حنون مجيد والروائي والقاص حميد المختار، وكذلك الروائيان والقاصان شوقي كريم حسن وصلاح زنكنه ود.علي حداد ود.حسن سرحان وغيرهم. كما حضر عدد من الروائيين والنقاد من المهجر مثل الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي والروائية هدية حسين والناقد د.محمد صابر عبيد والناقد ياسين النصير.
من البداهة أن نعرف أهمية أن يكون المؤتمر الاول فضاء لاحتضان حراك ثقافي مهم. لكن قلة الامكانات حالت دون توسيع دعوات المشاركة من جانب، كما ان بعض الأخطاء التنظيمية التي نعترف بها في تأخير توجيه الدعوات لأسماء مهمة ورائدة في المشهد الروائي والنقدي ومنهم الناقد باسم عبد الحميد حمودي، وعبد الخالق الركابي من جانب آخر، كل هذا وضع اللجنة التحضيرية أمام مسؤولية المراجعة والنقد. وبعيدا عما حاول البعض اثارته في وسائل التواصل الاجتماعي وفي الصحف، والذي بدا وكأنه ممارسة في الالغاء وبعيدة عن أية مسؤولية نقدية، فيها من الضغائن أكثر مما فيها من سلامة النية، وهذا ما يعني أننا سنكون في مأزق ثقافي عميق وخطير إن لم نضع الخلافات والشخصنة جانبا وندرك أهمية مواجهة الكثير من التحديات الكبرى، حدّ أن البعض وجّه اتهاماته للمؤتمر قبل أن تبدأ أعماله، وبعض من حمل الحجر وهو لم يحضر أصلا، وأسس موقفه على الاشاعات التي يطلقها البعض هنا أو هناك في الاعلام وغيره.
إن جدّة العمل، والحرص على خلق بيئة ثقافية وطنية تفترض أفقا حيويا للحوار، واثارة الاسئلة، هو ما ينبغي إدراكه والحرص على تنميته كتقاليد في وسطنا الثقافي الذي يعيش الكثير من الهموم، ويواجه الكثير من الاشكالات، وبما يعمّق أفق الديمقراطية، وقيم الحرية والوعي والمواجهة، ودون اللجوء الى أساليب لا تليق بروح المسؤولية الثقافية، والتي عمد البعض الى إشهارها تحريضا واتهاما وتخوينا. رغم أن كل ما جرى في أيام المؤتمر كان محاولة لضخ الوسط الثقافي بحراك جديد ومغايرة تنشد التنافس. ولعل اطلاق (جائزة بغداد للرواية) يعكس هذه الجدية والرغبة في تنمية روح التنافس الموضوعي بين الروائيين العراقيين وتحفيزهم على المشاركة والتواصل.
أملنا أن نفتح نافذة جديدة، وأن نؤسس لممارسة ثقافية تخلو من عقدة الثأر والتهميش، وان نضع المستقبل أمامنا، فنحن أولاده، ولسنا أولاد الماضي. وأحسب أن هذا هو مسؤولية المثقف بوصفه عضويا أو نقديا، لأن ما نواجهه من أخطار وتحديات يتطلب كل هذا، وبما فيه الإصرار على النجاح في ممارساتنا الثقافية، وفي اشاعة روح التسامح والحميمية والألفة التي تؤكد في جوهرها الروح العميقة لأنسنة مشروعنا الثقافي الجديد.