ادب وفن

مكسيم غوركي.. الكاتب الثوري / عبدالجبار نوري

مكسيم غوركي (1868– 1936) أديب روسي وناشط سياسي ماركسي، من مؤسسي الواقعية الأشتراكية التي تجسّدْ النظرة الماركسية للأدب، حيث يرى "أن الأدب مبني على النشاط الاقتصادي في نشأته ونموه وتطوره، وأنهُ يؤثر في المجتمع لذا ينبغي توظيفهُ في خدمة المجتمع. وهو في طليعة أدباء عصره في استقراء وتبني هذا الرأي كنظرية علمية في عالم الأدب والثقافة.
هو قصصي عارض علناً النظام القيصري واعتقل وسجن مرات عديدة، إلى أن بزغتْ ثورة أكتوبر 1917 المظفرة ، فأعطاها كل ما يملك من عبقرية وحيوية، وكرس لها نضالهُ الثوري وما تبقى من عمره حتى سقط مغدوراً بيد أحد التروتسكيين في 18 حزيران 1936. وقربه وصداقته لرموز الدولة السوفيتية مثل لينين الذي أصبح الصديق الشخصي له، وستالين ومن قادة الحزب والدولة. ووقف إلى جانب حزب البلاشفة وكان وبقي من مؤيدي الحركة الاشتراكية الديمقراطية في روسيا، وشارك فعلاً في ثورة 1905، وسخر قلمهُ في دعم خطهم السياسي ضد المنشقين والتروتسكيين. فهو بشير الثورة الذي بشّر بهبوب العاصفة الثورية بقلمه الذي خط به خطوط الواقعية الاشتراكية. كان ثورياً ساهم بشكلٍ فعال في إشعال الفتيل الثوري، حيث كتب عدة مقالات ثورية يقول فيها : مزيداُ من الجرأة أيها الرفاق، مزيداً من الايمان بقوة الجماهير الثورية التي في طليعتها البروليتاريا، وان العذاب النفسي الذي تلازم مع مكسيم والمحتبس في ذاته منذ طفولته المعذبة بفعل التسلط والصراع الطبقي في المجتمع الروسي، خاض تحدياتٍ نضالية وكفاحية خطيرة بيد أنهُ ربحها
رواية "الأم" كتبها مكسيم بعد فشل ثورة 1905 وقبل ثورة أكتوبر المجيدة، وقد وصفها لينين بأنها جاءت في وقتها، صوّر غوركي العمال الكادحين بمظهر قوي كعملة نادرة مطلوبة عند الدولة كذراع يحرك اقتصادها بعكس ما ينظر بعض الكتاب إلى العمال بأنهم يستحقون الرحمة والعطف، تمكن في رواية الأم من فضح النظام القيصري القائم على الظلم والاضطهاد من خلال الحديث الشيّق والمنمّق بواقعية من خلال "ميخائيل بلاسوف" الذي عاقر الخمرة للهروب من واقعه المرير كأحد العمال البائسين فهو سكير غير مبال عنيف يكره الآخرين حتى أفراد أسرته، غير مهتم بما يجري حوله، وجعل أم "بافل" هي بطلة الرواية تتحول فيما بعد إلى مناضلة بعد موت زوجها الشرير ميخائيل بلاسوف ونفي ابنها "بافل" إلى سيبيريا كسجين سياسي، فهي تعلم أن الدموع لا تنضب في عيون الأمهات، رغم خوفها وقلقها على مصير ابنها، ألا أنّها تشعر بالفخر بابنها وهي تشاهدهُ يرأس الأجتماعات السرية ويتحدث بأشياء لا تفهمها، وعندما سُجن ابنها تابعت مسيرتهُ، وأصبحت توزع المنشورات السرية التحريضية ضد النظام مع أصدقائه، وتبنت القضية وأصبحت كغيرها من الرفاق المناضلين متفهمة معنى التحرير فاندفعت أكثر، وحين تجد جمهرة من العمال والكسبة والفقراء تندس بينهم وتخطب فيهم قائلة : تعرفون أيها الرفاق لماذا صدر حكم النفي على ابني ؟ لأنهُ يريد أن يبين لكم الحقيقة التي هي عملكم المضني وسرقة جهودكم و قواكم ولا يكون نصيبكم إلا المرض والجوع والفقر، كل شيء ضدنا، والجميع يستغلوننا، وفيما نحن نغرق في الوحول حتى آذاننا بينما نرى التخمة والترف على الطبقة البورجوازية الطفيلية، وبينما كان الكاتب غوركي منهمكاً في كتابة الرواية يصمتْ برهة ويضع قلمهُ جانباً ويتمتم: متى يا رب يكون عندنا أمهات يفرحن في حين يرسلن أولادهن إلى الموت من أجل الإنسانية ؟ مثل هذه الأم التي رسم لها غوركي أن تكون صمام أمان للبروليتاريا لكسر القيود وهدم قلاع القياصرة بالثورة البلشفية، عندها لن يستطيع أحد أن يغتال روحاً جديدة بُعثتْ من جديد.
مسرحية غوركي "الحضيض" جاءت تحدياً وفضحا للنظام القيصري الاستبدادي الاقطاعي بأنهُ قطار يقوده أرعن يسحق الناس ويشوّه أرواحهم، بلغ فيها مكسيم الذروة لا تقل عن رواية الأم، اختار لمسرحيته قبوا قذرا رطبا منعزلا ضيقا استعمل كمبيت تمتلكه أمرأة جشعة شرسة متهالكة على المال، يأوي خليطاً غير متجانس من البشر فكراً ونزوات وطباعاً تتكون من نفايات بشرية ميتة حيّة ذات نزوات مختلفة، فكانت رمزية غوركي بالقاع جغرافية روسيا، والكائنات الحية الميتة الشعب الروسي المستلب والمسحوق، لذلك مُنعتْ من قبل الحكومة بعد أن عُرضت أكثر من ثلاثين مرّة، وفي رسالة لينين في 16-11- 1909 "بودي أن أشد على يدك بقوّة، فقد عادت موهبتك الأدبية الفنية على الطبقة العاملة في روسيا وغير روسيا بالنفع العظيم" ولدي أمل أننا نلتقي معاً. ..ولن نلتقي كأعداء بل كرفاق في الكفاح، وهذه أدلة ثبوتية على أن غوركي لم ينظم إلى الثورة البلشفية بعد نجاحها في أكتوبر 1917 كما يقول بعض النقاد، بل كان أكبر المهندسين الأدباء لها بدلالة شهادة أخرى من ستالين الذي يبدو أنهُ تأثر بمسرحية غوركي "في القاع" استوحى منها – وهو يقصد مكسيم – أن الأدباء هم مهندسو النفوس البشرية.