ادب وفن

الملامح الأيروسية في الخطاب الشعري النسوي العراقي / عبد الغفار العطوي

يبدو أن ميل الخطاب النسوي في مجال الشعر العراقي قد اتكأ على فكرة مجانية الكتابة التي اعتنقتها بعض الشاعرات العراقيات بعد عام 2003، أي الاحتكام الى آلية الكتابة وحدها دون التعويل على أيّ ضوابط تقييمية من الممكن الالتفات إليها، بمعنى أن تترك الحرية للتجارب في إثرائه، وقد اقترنت تلك التجارب بعاملين مؤثرين ساعدا على نمو وترسب ضرب من ضروب المحاكاة التحديثية في الخطاب الشعري العراقي الا هو المنحى الايروسي في الكتابة الشعرية، العاملان هما الحرية الخلاقة "الفوضى" التي هشمت صورة السلوكيات الاعتبارية وقادت الفرد خاصة المثقف الى التحلل من أيّ ارتباطات، فكانت انتزاعيته للعالم انتزاعية محضة لم تدر عليه ربحا مثمرا، إنما بات خسرانه واضحا، بحيث صار يتصرف على هواه. الحداثة الخلاقة "الاستهلاكية" فُهمت على انها تنميط الرؤية التي تتيح للمرأة حرية الحديث عن كينونتها، معتقدة ان الحرية الخلاقة والحداثة الخلاقة تلتقيان في ثورة تلك الكينونة على القيم التي كانت تتحكم بها، من هنا بتنا ننظر نحو الميل العفوي لشاعرات غلب عليهن التمثل بالأثر الايروسي في نصوصهن على انه نوع من المحاكاة التحديثية في الجنبة الشعرية العراقية، وليس بالضرورة خدش الصورة لنمطية للمرأة، بمعنى رفض تبني الشكل الفاحش لها ، وقيام ثقافة الاحتجاج الناعم سبيلا في ترسيخ لبنات قيم تحديثية في الشعرية المعاصرة، وتأشير ثورة إصلاحية نسائية عامة، يمكن قياسها على غرار ثورة الشعر في منتصف القرن العشرين، لكن هذا الاتجاه في الشعرية النسوية تحفه منزلقات كثيرة في أسوئها النكتة القائمة على تشنيع المنجز الشعري ولصقه بالإسفاف والمجانية الكتابية التي بات يلوح بها منتقدوه نتيجة التراكم الكمي له، بوجود وسائل التواصل الاجتماعي وغياب الرقيب الثقافي، وتعالي صيحات الاستهجان والاشاحة عن كل ما تكتبه الشاعرات قد أدى الى تراجع قيمة ما يطرح من هذا النمط من أساليب الرفض المقدم على انه أحد الأقنعة التي تلبسها المرأة في كفاحها ضد الاستبداد الفحولي، نقرأ ذلك في كتابات راوية الشاعر في "خيول ناعمة":
ارقبني بتسابيح اللمس
امل على خرس الاجساد
صلاة الصرخات
اطلق سراح الفساتين
فقد عاشر الصعب دولاب الفرح
وذلك العطر الابيض
يبادل المعصم شهية البكاء...".
وكتبت ابتهال بليبل في "دمية عالقة في اسلاك شائكة":
متأخرة وصلت لقلبك
الروح
تشعر بالشوق فساعدها
كي تخلع قميصك عن جسدها
فيوم كسر الحزن عكازة وصولها لأراضيك
استعار"ت" عصا موسى كي تتكئ عليها
فشقت البحر
وهكذا متأخرة
وصلت لقلبك
دون نبض وخطوات.
ويضم "كتاب نسوي لشاعرات من البصرة" نصوصا لأحدى عشرة شاعرة من البصرة، احداهن وهي رؤى الببسري، تقول في احدى قصائدها:
"لاحظ بيننا
ما الذي يلهم الخوف
كي يصبح شاهدا على ضعفنا
الوقت هو أنا وأنت
وقت لاحق
شاهد يحدق في اللحظة الفائتة
يفتح الباب لزمن اضيق من متك وردة
لنا فيه".
وتقول ايمان الفحام:
"لا عربة تقلك الي
وأنت تثقب احشائي
بجليدك
تركت طفلك النائم فيها
ولا عربة تقلك الي
أما الهام ناصر الزبيدي فتكتب في "ضفاف العصافير":
لا مهرب
من سماء
جعلت من نجومها
يوما
مخابئ لعشقك
لا مهرب
من أيام
ساعاتها
تلونت بصوتك
وفي "أنا وحشود من اللا أحد"، تقول حياة الشمري:
"تتشابك أضلعي
تحت عواصفك
المطرية
وقلبي الارجواني
يقطر في صحنك فاكهة
تقضمني
فيتنفس الشتاء معنا
وتقف الشاعرة فرح دوسكي على قمة هرمه في مجموعتها الشعرية الثالثة "فارغة من التصفيق يدي" على سبيل المثال:
"كلما اشتد بكاؤه صارا نزيفا
يندس في سرائره قلبي
جنى استمالت يداه
تباركه دجلة والأخرى
دموعها فرات"
ونلحظ ذلك جيدا في نصوصها القامعة للذكورية المتنامية في الشعرية العراقية عن طريق سحب الفحولة الاستعراضية التي يجسدها أغلب الشعراء الآن عن دائرة المواجهة.
لكن فرحا في استعراضها النشوة الايروسية في نصوصها إنما تسد المنافذ المحتملة التي من الممكن ان تدخل منها الميوعة الترقيعية التي ينتقدها مناهضو هذا الاتجاه والتغويل على إن سقطات بعض الشواعر هو ايذان بانحسار المد النسوي الرافض في الشعر العراقي و استتباب للخشونة الشعرية و فيه ، من هنا بدأت الملامح الايروسية تتحول الى خط مواجهة بين الخشونة الشعرية "في الشعر التقليدي" والنعومة الشعرية في قصيدة النثر وبذلك قضي على الجانب الحداثوي في الشعرية العراقية، في ان انقلبت اللعبة من اتجاهها الحداثي الى ترويج لثقافة التحديث، لكن اصرار الشاعرات على تحديث القصيدة بلحاظ الملامح الايروسية بإشباع النعومة الشعرية بالرموز لكن الفحولة الشعرية بقيت مقصية في دهاليز الشعرية التقليدية، حتى يأذن الطرف على تحولها الى وعي يمكن ان يخلق ثورة جديدة في الشعرية العراقية، وتتسيد او تظل الدفوعات والدفقات الايروسية على الجو العام في ممارسة الرفض الصامت للوضع السائد.