اثار السقوط السريع لمدينة الموصل في قبضة داعش وانهيارالقوات العسكرية المدافعة عنها واندفاع هذه القوى باتجاه تكريت وكركوك وديالى وانطلاقهم نحو الأنبار أثار الكثير من التساؤلات في الوسط الأعلامي والسياسي الروسي وبالأخص العربي المتواجد فيها حول حقيقة الوضع السياسي والأمني في العراق. وتبين هذا بشكل جلي في الصحافة والاعلام وانعكس بشكل أوضح في المؤتمر الصحفي الذي عقده نادي الشرق في وكالة انباء روسيا اليوم (سابقا كانت تسمى أنباء نوفستي ) حيث دعي عدد من المهتمين بالشأن العراقي لمناقشة هذا الحدث منهم ، البروفسور ستانيسلاف تاراسوف مديرمركزالتحليلات السياسية للشرق الأوسط والقفقاس ،ممثل منظمة الحزب الشيوعي العراقي في روسيا الأتحادية حسن النداوي ، وخالد الياس العاني أحد المعارضين للعملية السياسية في العراق.
وفي معرض تحليله للأحداث اشار البروفسور تاراسوف الى ان هذا الحدث يشير الى ان العراق يمر بمرحلة بالغة الصعوبة ربما لا يعود فيها العراق الى وضعه السابق موحدا الا اذا جاءت الى قيادته شخصية قوية قادرة على حل الأزمة بشكل ناجح وألا فانه سينقسم الى ثلاث دويلات. وبين أن نجاح داعش جاء بعد سلسلة من الأحداث المهمة في المنطقة منها الأنتخابات الأخيرة في العراق وتمخضها عن فوز كتلة رئيس الوزراء الذي يعتبره السنة هو المسبب الرئيسي للأزمة السياسية التي تعاني منها هذه الطائفة، وكذلك نجاح حزب اردوغان في الأنتخابات التركية المحلية التي جرت مؤخرا والتي فاز فيها بنسبة 43% بفضل الدعم الذي حصل عليه من الأكراد الأتراك الداعمين لخطته في ايجاد حل لقضيتهم، مما اعطى دفعا اكبر في توسيع نفوذه وسياسته في المنطقة. ويلاحظ خلال الأزمة التي يعاني منها العراق مع المكون السني قيام الأتراك بعقد صفقة مع اكراد العراق لتصدير النفط المنتج في المنطقة الكوردية عن طريق ميناء جيهان، رغم معارضة السلطة المركزية لهذه الصفقة. وتوقف تاراسوف عند العامل السوري وتأثيره على الوضع العراقي كونه ساحة مجاورة مفتوحة لأنتقال القوى المسلحة بين البلدين، بعد ذلك اشارالى دورالقوى العسكرية التي طردت من الجيش معتبرا أياها قوة مهمة قادرة على تغير ميزان القوى فيما اذا انضمت الى المركز حيث سيعزز ذلك من الوحدة الوطنية، في ذات الوقت ستلعب هذه القوى دورا معاكسا اذا ما تحالفت مع القوى الأسلامية حيث سيؤدي ذلك الى زيادة العوامل المقسمة للعراق. ويعتقد البروفسور ان ايران لاعب اساسي في الوضع العراقي وان هناك تنسيقا ما مع الولايات المتحدة لم ينقطع حتى في اصعب الظروف التي مرت بها العلاقات بين البلدين وهذا يتضح من مسألة احتلال العراق والتفاهم حول تشكيل الحكومة العراقية الحالية.
اما السيد خالد العاني، وهو من الشخصيات المناوئة للعملية السياسية، فيعتقد ان ما يجري في العراق والمنطقة العربية وانطلاق مايسمى بالربيع العربي ماهو الا شكل جديد من مراحل المؤامرة التي رسمها الأستعمار البريطاني والأمريكي، أبتداء من تجزئة المنطقة العربية الى دويلات مستقلة وانتهاء باسقاط النظام العراقي ومجيء الساسة العراقيين على الدبابة الأمريكية ليحكموا العراق ويشرعوا دستورا كتبه لهم الأسرائيليون .وأشار العاني الى ان ما يجري في الموصل والمدن الأخرى هو ثورة ضد الظلم وتهميش اهل السنة واستعادة حقوقهم بالقوة وليس له علاقة بتنظيم داعش . وبخصوص سيطرة القوى الكردية على مدينة كركوك فأن ذلك اجراء مؤقت سيرفضه جميع العراقيين .
وأشارممثل منظمة الحزب الشيوعي العراقي في روسيا الأتحادية حسن النداوي الى أنة لا يتفق مع السيد خالد العاني في تحليله للأحداث والظروف التي مرت ويمر بها الان بلدنا. وقال ان الموقف من الأحتلال الأمريكي للعراق كان مختلفا عليه بين القوى الوطنية والأسلامية. فحزب الدعوة رفض طريق الحرب لأسقاط النظام كذلك حزبنا الشيوعي رفض هذا الخيار مؤكدا على ذلك في بياناته التي سبقت الحرب واعلنها بشكل واضح صبيحة الهجوم على بلادنا في بيانه انذاك ورفضه هذا الخيار ومطالبته بايقاف العمليات العسكرية مؤكدا على ان اسقاط النظام واختيار البديل السياسي له هما مهمة شعبنا وقواه الوطنية. ولكن البعض يصر على مغالطة التاريخ. لقد كتب الدستور في ظروف صعبة ضاغطة وكان يمثل توازن القوى انذاك وكل طرف كان يحاول ادراج المواد الدستورية التي تحفظ مصالحه ومن هذا الباب فهو مليء بالكثير من الألغام، ويعتبر لحد الان اساسا صالحا لحل العقد والصعوبات التي تعترض سير العملية السياسية . الشيء الأخر ان اعتماد نظرية المؤامرة في تحليل الأحداث وتحميل العامل الخارجي المسؤولية عنها فقط هو محاولة لتبرئة الأنظمة الأستبدادية مما وصلت اليه الأمور في بلداننا وتغطية لفشلها.
اما بخصوص الأحداث الأخيرة، وتمكن داعش من احتلال الموصل والتوسع الى محافظات اخرى فانها تعتبر نقطة تحول جدية في مسار المواجهة مع الأرهاب، وأذ لم يجر التعامل مع هذه الأحداث بشكل جدي وبأخذ مصالح الوطن ووحدته بنظر الأعتبار فانه سيعرض الوطن لمخاطر التقسيم. ان ما جرى في الموصل يشير بشكل جلي الى فشل السياسة الحكومية القائمة على اساس المحاصصة الطائفية والتي نعتبرها أساس المشاكل التي تعصف بالبلاد، كذلك محاولة السلطات الألتفاف على الدستور وأفراغه من مضامينه التي تتيح للحكومات المحلية ادارة شؤونها بعيدا عن المركز وهيمنته. ان احداث الموصل لم تكن مفاجئة سياسية بل أن أنهيار القوى العسكرية بهذا الشكل المؤسف هو المفاجأة. الأخبار الصحفية والتقارير الحكومية كانت تؤكد على ان الموصل تدار وبشكل كبير من خلال قوى الأرهاب، الأتوات تجمع، والمجموعات المسلحة تتحرك بشكل مكشوف والخلاف بين القوات الأتحادية والمحلية على أشده ، غير أن السلطات لم تفعل شيئا جديا لمواجهة ذلك. الشىء الأخر الجدير بالذكر هو طبيعة القوى العسكرية واستعدادها العسكري وفقدانها للعقيدة العسكرية، اضافة الى وجود الحاضن السياسي والطائفي لمثل هذا الحراك وتأخر الحكومة عن حل الكثير من المشاكل ، منها قضايا الضباط المطرودين من الجيش الذين لم تحل مشاكلهم بشكل قانوني اصبحوا عاملا فاعلا ضد السلطة. ولا يخفى تأثير الأزمه السورية على الوضع الأمني في العراق وأنفتاح الحدود وسهولة انتقال قوى الأرهاب بين البلدين ناهيكم عن الدعم التركي الخليجي لها. اننا في الحزب الشيوعي العراقي قد أعلنا عن موقفنا المعادي للأرهاب وتوجهاته الظلامية وأعلنا عن دعمنا للجيش العراقي في محاربة الأرهاب وطالبنا بمواجهة هذا الخطر الذي يتعرض له الوطن من خلال الدعوة الى حوار بين القوى المناهضة للأرهاب والعمل على حل المشاكل عن طريق التنازلات المتقابلة والعمل على تشكيل حكومة انقاذ وطني والأسراع بتشكيل هذه الحكومة بعد ان أقرت المحكمة الأتحادية نتائج الأنتخابات الأخيرة. الشيء الأخر لابد من حل وتطبيع العلاقة مع اقليم كوردستان وفقا لما جاء به الدستور. اننا على ثقة بأن الظلاميين سيلقون الهزيمة لأنهم يمثلون قوى فاشلة تريد أعادة البلاد الى قرون مضت. وفي ذات الوقت أكد حزبنا على أهمية الدفاع عن الوطن ويرحب بالدعوات لأنضمام الجماهير الى القوى المسلحة بعيدا عن التجيش الطائفي وضمن المؤسسة العسكرية لقطع الطرق على تشكيل المليشيات .