حازم كويي
بدعوة من رابطة الاعلاميين العرب ومنتدى الشرق الاوسط الالمانية، جرت استضافة الدكتور ماهر الشريف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني ورئيس قسم الدراسات الفلسطينية في بيروت في ندوة حضرها جمهور كبير من الالمان والعرب، حاضر فيها لبدايات تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية التي ولدت في الشتات وشكلت المخيمات قاعدتها الاجتماعية .
ورغم تباين الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية، استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية ان توحد هذه التجمعات في كيان سياسي واحد.
وقسَمًّ تأريخ المنظمة خلال 50 عاما الى خمس مراحل:
الاولى مرحلة الولادة العربية للمنظمة من 1964 الى 1968.
الثانية مرحلة هيمنة الكفاح المسلح في الشتات(1968الى 1982).
الثالثة وهي مرحلة البحث عن تسوية سياسية ضمن مشاريع الحكم الذاتي (1982الى 1993)
الرابعة هي مرحلة تهميش المنظمة وشيوع الوهم بأن كيان الحكم الذاتي سيتحول الى دولة مستقلة(1993الى 2002)
الخامسة هي مرحلة البحث عن الاصلاح المتعثروتمتد من 2002 وحتى اليوم.
واستعرض نشاط المنظمة بعد وقوع نكبة فلسطين حتى تأسيس المنظمة.
فقد استأثرت قضية فلسطين باهتمام القوميين العرب واستقطب ناشطون فلسطينيون مطلع الخمسينيات بحضور بارز في الضفة الشرقية والغربية لنهر الاردن وبعدها في قطاع غزة .
فالنكبة كانت باعثاً رئيسياً لبروز "حركة القوميين العرب" في بيروت، منهم جورج حبش طالب الطب فيها، ابن التاجر المسيحي من مدينة اللد والتي نزح اهله منها .
وفي النصف الاول من الخمسينيات برزت جماعة الاخوان المسلمين في قطاع غزة المتأثرة بمصر حيث ساهمت في النضال ضد مشروع توطين اللاجئين في سيناء وتدويل القطاع.
وتركز وجودالجماعة في مخيمات اللاجئين في الضفتين الشرقية والغربية لنهر الاردن معززة من نشاطها الاجتماعي على حساب السياسي.
اما اعضاء التيار الشيوعي الممثلة قبل النكبة ب"عصبة التحرر الوطني في فلسطين"والمشكلة مطلع 1944 فقد توزعت على المناطق التي قامت عليها دولة اسرائيل وشكلوا مع رفاقهم اليهود "الحزب الشيوعي الاسرائيلي " تشرين الاول 1948. وعلى الضفة الغربية لنهر الاردن اسسوا مع رفاقهم "الحزب الشيوعي الاردني"عام 1951 وعلى قطاع غزة حيث تحول تنظيم "عصبة التحرر الوطني "الى"الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة عام 1953.
وخلافاً لبرنامج "جماعة الاخوان المسلمين" الذي كان يرى في فلسطين ارض وقف اسلامي وتحشيد امكانيات الامة الاسلامية. فان برنامج الشيوعيين الذ كان يستند الى قرار تقسيم فلسطين الدولي رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة 1974، يدعو فيها الى تعاون القوى الديمقراطية العربية واليهودية ضد الاستعمار والرجعية العربية .
وتطرق الى مؤسسي "حركة فتح" والذين كانوا من اللاجئين الذين وفدوا الى غزة بعد عام1948 والتقى بعضهم ، كياسر عرفات وصلاح خلف وسليم الزعنون في القاهرة . وكما بدأ بعضهم حياته السياسية في "جماعة الاخوان المسلمين " منهم خليل الوزير وصلاح خلف وكمال عدوان ومحمد يوسف النجار. تقاطر معظم هؤلاء الى بلدان الخليج لتوفير الموارد المالية اللازمة لاطلاق حركتهم ، حيث عمل ياسر عرفات في الكويت والتحق به خليل الوزير وصلاح حسن وخالد الحسن، وفي قطر كان كمال عدوان ومحمد يوسف النجار ثم انضم اليهما محمود عباس.
واشار الى ان النواة الاولى لتأسيس "حركة فتح" كانت في الكويت في 10 تشرين الاول 1957، وانطلقت الى اللاجئين في الشتات من المعلمين والموظفين واستندت الى الطلبة في البلدان العربية والاوربية . واثرت الوحدة المصرية السورية عام 1958 على قطاعات واسعة من الفلسطينيين كي ينظموا صفوفهم وشجعت اصوات لضم فلسطين الى الجمهورية العربية المتحدة ، وكان جمال عبد الناصر يشعر بان هذه الدولة غير قادرة لوحدها وبمعزل عن الدول العربية الاخرى وعن الفلسطينيين انفسهم على حمل اعباء معركة التحرير، واقترح مجلس جامعة الدول العربية في 1959 يدعو فيها الى ابراز الكيان الفلسطيني، وفي خضم هذا الصراع الذي خاضه عبدالناصر في الصراع على النفوذ، طرح النظام الجمهوري في العراق وبزعامة الجنرال عبد الكريم قاسم في خريف 1959 فكرة قيام "جمهورية فلسطينية " تبسط سيادتها في مرحلة اولى على الضفة الغربية وقطاع غزة ثم توسّع لتشمل المناطق الفلسطينية التي احتلت عام 1948، واعلنت الحكومة العراقية بالفعل في آذار 1960 تشكيل "فوج التحرير الفلسطيني".
عام 1963 شرعت اسرائيل في تحويل مجرى نهر الاردن الامر الذي ادى الى زيادة حدة التوتر على جبهة الصراع العربي ـالاسرائيلي وتأجيج حدة الخلاف بين المحاور العربية المختلفة. وعقد مؤتمر القمة العربي الاول في القاهرة 1963 لبحث الموقف لمواجهة المشروع الاسرائيلي، وكان آنذاك احمد الشقيري ممثل فلسطين لدى الجامعة العربية. في 2 حزيران 1964 اعلن مؤتمر القدس قيام منظمة التحرير الفلسطينية بانتخاب الشقيري رئيساً. واعتبر وعد بلفور باطلا واكد ان منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولة عن حركة الشعب الفلسطيني في نضاله من اجل تحرير وطنه، واعتبرت بعض القوى الفلسطينية ان نتائج المؤتمر الوطني الفلسطيني اسلوبها فوقي بعيدة عن الجماهير وعن الديمقراطية، وخضوع رئيسها لضغوطات الدول العربية .
وكانت لهزيمة حزيران عام 1967 نتائج مباشرة على الصعيد الفلسطيني تمثلت في سقوط الرهان نهائيا على دور الجيوش النظامية العربية.
وانتشرت ظاهرة العمل الفدائي وتشكلت تنظيمات فلسطينية جديدة واضطر احمد الشقيري الى الاستقالة، وانتخب ياسر عرفات في دورة المجلس الوطني الخامسة في شباط 1069 رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.وادخلت تعديلات على بنو "الميثاق الوطني"
وقد فرض طموح المنظمة الى ضمان الاعتراف بها على الساحة الدولية بوصفها ممثل"الشعب الفلسطيني" .
وفي تموز 1971 اندلعت مواجهات واسعة بين الجيش الاردني وقوات منظمة التحرير الفلسطينية ، نجحت الحكومة الاردنية في انهاء حالة "ازدواجية السلطة" وتمكنت من القضاء على الوجود الفلسطيني المسلح،حيث انتقلت بعدها منظمات المقاومة الفلسطينية الى لبنان وتوسيع وجودها فيها .
وبقيت المنظمات الفلسطينية متمسكة بشعار "تحرير فلسطين" حتى اندلاع حرب تشرين الاول 1973التي خلقت من خلال التوازن العسكري النسبي الوهم بامكانية التوصل لتسوية سياسية شاملة تقوم على قاعدة انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية التي احتلتها في حزيران 1967.
وبدا واضحا ان منظمة التحرير تتجه نحو تبني شعار اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة الى جانب دولة اسرائيل وهو الشعار الذي اقرته في الدورة 13 للمجلس الوطني في القاهرة 1973. وحققت المنظمة مكاسب سياسية مهمة على الصعيدين العربي والدولي، اصدرت بعدها الجمعية العامة للامم المتحدة بعد كلمة عرفات قرارين وهما 3236 بحق تقرير مصيره و3237بمنح منظمة التحرير صفة مراقب في هيئة الامم المتحدة.
وتطرق المحاضر الى اتفاقية كامب ديفد واندلاع الحرب الاهلية اللبنانية وعدوان اسرائيل على جنوب لبنان واقامة الشريط العازل عام 1978.
وطرأ تحول على بنية المنظمة شجعت عليه الموارد المالية الكبيرة التي صارت تمتلكها قيادتها حيث قررت القمة العربية المنعقدة في بغداد تقديم مساعدة سنوية بمبلغ 300 مليون دولار سنوياً للتصدي لتداعيات اتفاقية"كمب ديفد". وتحولت المنظمة على الصعيد الاجتماعي الى جهاز حكومي بيروقراطي، يتمتع القائمون عليه بأمتيازات مادية ومعنوية عديدة .
وكانت التوترات تشتد بين فصائل المقاومة، واخذت الحكومة الاسرائيلية تستعد للقيام بهجوم واسع على لبنان والذي وقع في حزيران 1982واسفر بعد 3 أشهر من الصمود عن اقتلاع الوجود العسكري للمنظمة وفقدت القاعدة الآمنة التي كانت توفر لها حرية التحرك السياسي.
ومن نتائج تفاقم الخلافات السياسية وتششت القيادة وقوع الانشقاقات في صفوفها، اعقبه الصدام العسكري داخل"حركة فتح"، واصبح اللاجئون الفلسطينيون في لبنان مهمشين من الناحية السياسية والاجتماعية ودون حماية في نزاع اصبحوا هدفاً من اطراف عديدة كما تبين خلال مجزرة صبرا وشاتيلا ايلول 1982وخلال حرب المخيمات بين المنظمات الفلسطينية و"حركة امل الشيعية"عام 1985.
واخذت المنظمة تبحث عن تسوية سياسية، فطرح الرئيس الاميركي رونالد ريغان مشروعا لتسوية سياسية تقوم على اشراك الاردن والفلسطينيين دون الاشارة الى منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات مع اسرائيل .
وبقيت ابواب التسوية موصدة لانشغال الدول العربية بالحرب العراقية الايرانية وتداعياتها.
وانفتحت آفاق جديدة للمنظمة بعد انعقاد الدورة 18 للمجلس الوطني الفلسطيني في 1987 التي انهت الانقسام في صفوفهاواندلاع الانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة1987.
وفي مناخات الانفراج الدولي التي تولدت عن سياسة "البروسترويكا" السوفيتية انعقدت الدورة 19 للمجلس الوطني في الجزائر 1988 اصدرت فيها" اعلان الاستقلال "لقيام دولة فلسطينية فوق الارض الفلسطينية وعاصمتها القدس . وتضمن اعلان الاستقلال موافقة المنظمة لاول مرة على قرار تقسيم فلسطين، وقررت ادارة ريغان تفويض وزارة الخارجية "للدخول في حوارموضوعي مع ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية". لكن المبادرة اصطدمت بجدار التعنت الاسرائيلي، ثم اعلان ادارة جورج بوش الاب تعليق الحوار الامريكي ـ الفلسطيني.
وكانت المنظمة تعاني من الانهاك ومن الانقسام ولاسيما بعد بروز "الاسلاميين" كمنافسين للمنظمة رافضين الاعتراف ببرنامجها السياسي وبوحدانية تمثيلها للشعب الفلسطيني.
فجماعة الاخوان المسلمين لم تعلن الجهاد على الاحتلال الاسرائيلي كون المرحلة لاتزال للاعداد وتربية جيل اسلامي كي يقود تحويل المجتمع الى اسلامي وكمقدمة لاعلان الجهاد. وبدأت نشاطها في غزة ثم امتد الى الضفة الغربية في 1988 .
وعندما شرع النظام العراقي بغزو الكويت آب 1990، كانت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية تواجه مأزقاً سياسياً خانقاً، فبينما كانت مبادرة السلام الفلسطينية قد وصلت الى طريق مسدود، كانت الانتفاضة قد اصبحت عاجزة، بعد ان فشلت في التحول الى حالة من العصيان المدني الشامل،عن تحقيق مكاسب سياسية جديدة للقضية الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه كانت موجات الهجرة اليهودية تتدفق الى اسرائيل من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، وانقسم الواقع الرسمي العربي على نفسه بعد الغزو العراقي للكويت وكان عاجزاً عن ممارسة اي ضغط جدي على الادارة الاميركية.
ودخلت المنظمة في مآزق عديدة منها تأييدها لمبادرة صدام حسين وفرض عليها حصار سياسي ومالي ،عربي ودولي نتيجة وقوفها الى جانب العراق.
وتوهمت المنظمة ان اتفاق" أوسلو" سينتج قيام دولة فلسطينية، واخذت اسرائيل ترفض الوفاء يالتزاماتها وفرضها حقائق جديدة على الارض من خلال مصادرة وبناء وتوسيع المستوطنات وتهويد القدس واندلعت انتفاضة جديدة عام 2000وبخاصة بعد فشل مفاوضات كامب ديفد بين عرفات وايهود باراك في التوصل الى حلول لقضايا الوضع النهائي.
وجاءت احداث الحادي عشر من ايلول 2001 وتركيز ادارة جورج بوش الابن على الحرب الشاملة على الارهاب لتضيفان بعداً خطيراً على ظاهرة العسكرة، فقد استنتج رئيس الوزراء الجديد ارييل شارون ان الوضع يتيح له الادعاء انه يقف في الخطوط الامامية للحرب على"الارهاب" ويجعله طليق اليدين وينسف القواعد الحمراء التي كانت قائمة سابقاً، واجتاح جيشه باوامر منه اجتياح الضفة الغربية ومحاصرة مقر رئيس السلطة ياسر عرفات.
وبدأت منذ ذلك الوقت الدعوات المتصاعدة لاصلاح السلطة الوطنية واجهزتها، هذا الذي طرح منذ سنوات السبعينات.
وتزايدت الحاجة الى تحقيقه بعد تأكد فشل "اتفاق اوسلو" ورحيل ياسر عرفات 2004وطرحت افكار لفتح ابواب المنظمة امام حركتي "حماس والجهاد الاسلامي" واعادة تشكيل المجلس الوطني عبر الانتخابات. وتقليص اعضائه ليصبح بحدود 300عضوا، بتجديد التركيبة وتحمل مسؤولية شؤون السكان الفلسطينيين في الداخل وتفعيل دور النقابات والاتحادات الشعبية ودمقرطة هيئاتها واعتماد مبدأ الكفاءة في تعيين ممثلي دولة فلسطين في الخارج.
ورغم اتفاق القوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية خلال الحوارات وبعد اسابيع على انتخاب محمود عباس رئيساً للسلطة الوطنية ومنظمة التحرير على معظم الافكار ،الا ان نقلها الى حيز الواقع قد تعثر جراء الانقسام الذي وقع داخل النظام السياسي الفلسطيني بعد استيلاء "حركة حماس" على السلطة في قطاع غزة 2007.
ورغم كل الاتفاقات التي تم التوصل لها الا ان مهمة اصلاح منظمة التحرير الفلسطينية وتوسيع الائتلاف الجبهوي لم تتحقق الى اليوم.
اليوم اصبحت الحاجة ماسة الى تحقيق مهمة الاصلاح والخطوة الاولى على هذا الطريق قد تكون في دعوة الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي اتُفق عليه في اتفاق القاهرة آيار 2011الى الانعقاد بحضور ممثلي حماس والجهاد الاسلامي، كي يضطلع بدوره كقيادة تعبر عن الشراكة الحقيقية لمختلف مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية وتضمن تعزيز نضال الشعب الفلسطيني من اجل رفع الحصار بصورة كاملة عن قطاع غزة واعادة اعمار مادمره العدوان الاسرائيلي والمضي على تكريس الاعتراف بدولة فلسطين، والدعوة الى عقد مؤتمر دولي لتحديد سقف زمني لانسحاب قوات الاحتلال ، وقد ثبت ان المفاوضات الثنائية الفلسطينية ـ الاسرائيلية التي تدور منذ 20 عاماً لم تفضِ سوى الى نتيجة واحدة هي تكريس الاحتلال و توسيع الاستيطان وزيادة وحشية الاعتداءات على الشعب الفلسطيني.