مدارات

الولايات المتحدة.. الغضب يتجه نحو الحزبين المتنافسين

رشيد غويلب

اجرت جريدة "نويز دويجلاند" الالمانية اليسارية حواراً مع الباحث في العلوم السياسية، والمختص في الشؤون الدولية في جامعة نيويورك "انغار سولتي"، قدم فيه تحليلا لنتائج الانتخابات التشريعية الامريكية، التي جرت في الرابع من الشهر الحالي.
في ما يلي أهم الاستنتاجات التي توصل لها "سولتي":
في البداية يشير الباحث إلى استنتاج تقليدي مفاده ان الانتخابات التكميلية، التي تجري في النصف الثاني من الدورة الرئاسية الثانية، عادة ما تأتي نتائجها سيئة بالنسبة لحزب الرئيس. ويتحدث المتابعون عن "ازمة قيادة" يعاني منها "باراك اوباما"، ويذكرون بعدة قضايا منها، الكارثة التي رافقت برنامج اصلاح قطاع الصحة، والتعامل مع ارهابيي "الدولة الاسلامية" في سوريا، وملف وباء "ايبولا". ولكن عند معاينة استطلاعات الرأي، التي جرت بعد الانتخابات مباشرة، نجد ان القضايا الاقتصادية ما زالت الأكثر اهمية، وهي حاسمة في تحديد نتائج الانتخابات، كما يرى ذلك 45 في المائة من المشاركين في الاستطلاع. وتصبح النسبة اعلى بين الذين أصيبوا بخيبة امل، ولم يشاركوا في التصويت. فهناك 7 من كل 10 ناخبين يؤكدون ان اقتصاد البلاد في حالة سيئة، و 35 في المائة فقط، من مجموع الناخبين يتوقعون تحسنا اقتصاديا.
وعلى الرغم من عودة الاقتصاد الأمريكي للنمو مجددا، وانخفاض نسبة العاطلين عن العمل، إلا أن من الضروري التفريق بين نمو الاقتصاد، ووضع العاملين في الولايات المتحدة. فرغم توفير 260 ألف فرصة عمل جديدة، وفي نفس الوقت بقي عدد ساعات العمل في حالة ركود، نتيجة لسيادة أسلوب العمل بنصف الوقت النظامي. وقد بينت دراسة ، أن 21 في المائة من فرص العمل التي ألغيت أثناء الأزمة، رحلت إلى قطاع الأجور المتدنية. وتبلغ هذه النسبة 58 في المائة من فرص العمل الجديدة.
وشمل التوسع في قطاع الأجور المتدنية بشكل متصاعد حملة الشهادات العليا. وهناك مليون تقريبا من العاملين في مطاعم الوجبات السريعة هم من حملة هذه الشهادات ، أي إن الطبقة الوسطى تتآكل.
وفي كل الأحوال لا يمكن تحليل نتائج الانتخابات دون أخذ تأثير سياسات الرئيس بنظر الاعتبارات، لان التصويت لم يكن في الواقع لصالح الجمهوريين، بل كان تصويتا ضد اوباما، وهذا ما يعكسه رفض المشاركة في التصويت من قبل الكثير من المؤيدين سابقا للرئيس. ويشمل ذلك العمال السود وأوساط الشبيبة المتضررة من توسع قطاع الأجور المتدنية، الذين شكلوا 19 في المائة من المشاركين في انتخابات الرئاسة الأخيرة.
وبالتأكيد سيواجه الرئيس صعوبات جمة بعد سيطرة الجمهوريين على جناحي السلطة التشريعية، وسيعمل الجمهوريون على تحديد مسارات الرئيس، آو اللجوء لأسلوب المقاطعة. ومن الطبيعي أن يكون المسار على هذه الشاكلة خلال السنتين المقبلتين. ولكن هناك جانباً مهماً عكسته استطلاعات الرأي الحديثة، يؤكد أن 56 في المائة من الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة ينظرون بسلبية الى الجمهوريين، وتبلغ هذه النسبة 53 في المائة بقدر تعلق الامر بالديمقراطيين. ويعود هذا إلى تعامل الجمهوريين مع الموازنة في العام الفائت، والذي انعكس سلبا على اداء الحكومة الاتحادية، وحكومات الولايات. وهنا يجب مراقبة اداء ممثلي "تي بارتي"، الجناح الأشد يمينية في الحزب الجمهوري، وكذلك توازن القوى داخل الحزب نفسه. وهكذا فان نتائج الانتخابات تعكس غضباً مجتمعياً موجهاً لكلا الحزبين.
ان عدم الارتياح السائد من نظام الحزبين، سوف لا يؤدي إلى صعود واضح لقوة ثالثة، وسوف لن نشهد حالة لصعود قوى على جانبي القوى الرئيسية، كما حدث في بلدان الاتحاد الاوربي. ففي الولايات المتحدة يقف ضد مثل هذا التطور نظام الحزبين شديد المراس، وكلفة تمويل الحملات الانتخابية، التي بلغت في الانتخابات الاخيرة 3.67 مليار دولار .
ولم تسفر مطالبات العديد من المثقفين الماركسيين، في السنوات الأخيرة، عن ولادة مشروع حزب جديد لليسار. لذلك سيكون من المثير للاهتمام متابعة الصراع داخل الحزب الديمقراطي، وهل سيدخل عضو مجلس الشيوخ الاشتراكي بيرني ساندرز حلبة التنافس ضد هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية، لتحديد مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة في عام 2016.