مدارات

سد الموصل .. كارثة موقوتة / سعد الحسيني*


لقد ترسخت في مخيلة الشعب العراقي على مدى قرون عديدة فكرة فيضان نهر دجلة لحين توقفها بعد آخر فيضان في عام 1954 عقب بناء عدة سدود عليه. ولكن كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة حول قضية سد الموصل وإحتمالية إنهياره، وكَثُرت في نفس الوقت ردود الأفعال والتصريحات السياسية والفنية بين نفي وتأكيد للموضوع، ليضاف لسجل المواطن العراقي كابوس كارثة محتملة تجرف الأخضر واليابس في طريقها. إن الشعب العراقي لا يحتمل كارثة أخرى، فيكفي ما يلاقيه من كوارث ومحن تكاد تعصف بوجوده وكيانه بسبب سوء إدارة الدولة القائمة على المحاصصة الطائفية-الإثنية والتي حوّلت كل ثروات العراق وإنجازاته من نعمة?إلى نقمة بسبب الفساد المالي والإداري المتفشي في جميع مفاصل الدولة.
إن تسليط الضوء مجدداً على إحتمالية إنهيار سد الموصل ليس الغرض منه التضخيم الإعلامي لخلق حالة من البلبلة والرعب في صفوف العراقيين المرعوبين أصلاً من هول الكوارث التي مرت بهم. وهو أيضاً ليس إجتهاداً شخصياً، بل هو خطر حقيقي يستند على وقائع جيولوجية دقيقة وعلى مخاوف أمنية حقيقية.
سد الموصل هو سد ركامي إملائي ذو لب وسطي طيني ويقع في محافظة نينوى شمال العراق على مجرى نهر دجلة ويبعد حوالي (50 كم) شمال غرب مدينة الموصل. ويبلغ طول السد (3,650 م) وإرتفاعه (113 م) عن مستوى سطح الأرض والخزين الكامل للسد بحدود (11,11 مليار م3) من المياه عند المنسوب الإعتيادي للخزن وهو (330 م) فوق مستوى سطح البحر. ويعتبر سد الموصل من أكبر السدود في العراق ورابع أكبر سد في الشرق الأوسط. وكان الغرض من إنشائه هو لدرء خطر الفيضان وتوليد الطاقة الكهرومائية وخزن المياه لتأمين إحتياجات الزراعة الصيفية في أواسط وجنوب العراق وتطوير الثروة السمكية وإستغلال بحيرته للأغراض السياحية.
لقد ولدت فكرة مشروع سد الموصل (الذي كان يطلق عليه إسم مشروع سد آسكي موصل) لأول مرة في أيام العهد الملكي عام 1950 إذ كان يعد واحداً من المشاريع العملاقة لمجلس الإعمار في العراق، حيث عُهد إلى شركتين بريطانيتين هما إلكسندر كب وشركائه و مونسل باسفورد وبفري لإجراء التحريات اللازمة وإختيار موقع ملائم للسد، وبعد دراسة عدة مواقع تم إختيار موقعين لبناء السد وإنتخب أحدهما بالقرب من قرية تسمى ضوء القمر وتقع (12 كم) شمال آسكي موصل. وقد قدمت الشركتان في تشرين الثاني 1953 التصاميم الأولية للسد المقترح.
وفي عام 1956 عهد مجلس الإعمار إلى شركة هارزا الأمريكية القيام بالتحري من جديد وإعداد التصاميم اللازمة لمشروع خزان آسكي موصل بعد إختيار الموقع الملائم. فقدمت الشركة في آب 1960 تقريرها المتضمن التصاميم الأولية للمشروع في ضوء التحريات التي قامت بها، وقد وجدت نتيجة التحريات الجيولوجية إن الموقعين الذين إختارتهما شركتا إلكسندر كب وشركائه و مونسل باسفورد وبفري لا يصلحان لإنشاء السد لوجود طبقات من الجبس قابلة للذوبان وطبقات من الطين الخفيف, لذلك إختارت شركة هارزا موقعين آخرين مجاورين لبناء السد وإنشاء المسيل والمحطة الكهرومائية ووضعت التصاميم اللازمة.
وفيما بعد وبموجب الإتفاقية العراقية السوفيتية عهدت الحكومة العراقية إلى مؤسسة تكنو بروم إكسبورت السوفيتية القيام بدراسة عامة لإمكانات مشاريع الري الكبرى على نهر دجلة ومن ضمنها مشروع خزان آسكي موصل. وقد قدمت المؤسسة آنفة الذكر تقريرها في عام 1962 محتوياً وصفاً للمشاريع المختلفة وبضمنها تصاميم أولية لمشروع خزان آسكي موصل وإختارت له موقعاً حوالي (600 م) جنوب الموقع الذي إختارته شركة هارزا.
إن الشركات الإستشارية الثلاث السابقة إتفقت في الرأي على ضرورة بناء السد من النوع الإملائي الحجري إلا أنها لم تتفق على الموقع النهائي للسد والمسيل وكذلك المحطة الكهرومائية ومأخذ الري وأقترحت كل الشركات إجراء تحريات جيولوجية دقيقة للموقع قبل المباشرة بالعمل.
لذا دعت الحكومة العراقية في عام 1964 عدة شركات إستشارية عالمية لتقديم عروضها للقيام بدراسة الموضوع من جديد وتقديم التصاميم النهائية وقد وقع الإختيار على شركة إميتران فويما الفنلندية وتم توقيع العقد بينها وبين وزارة الإصلاح الزراعي في 24/3/1965 والتي إختارت موقعاً يبعد (60 كم) شمال غرب مدينة الموصل قرب قرية ضوء القمر.
وقد تم توقيع عقد مع شركة إمتران فويما الفنلندية للتحريات الإضافية لموقع السد في 14/2/1967 وصدر أمر المباشرة بالأعمال في 2/3/1967وقدمت الشركة تقريراً تخطيطياً لسد الموصل في 1968، وقد أوضح مجلس الخبراء العالمي (أمريكي+فرنسي+سويدي) والذي إنتخبته مديرية الري العامة آنذاك وجهة نظره حول تقرير شركة إمتران فويما في عام 1968.
ثم قدمت شركة جيوتكنيكا اليوغسلافية تقريراً عن جيولوجية موقع السد عام 1972 إلى مديرية السدود والخزانات العامة، ثم عادت شركة إمتران فويما وقدمت تحريات إضافية في عام 1973 للسد في ضوء المعلومات والتقارير السابقة. وقد عرض التقرير على شركة تكنوبروم إكسبورت السوفيتية فقدمت تقريراً لتقويم الدراسات والتحريات التي قامت بها شركة إمتران فويما وذلك في أواخر 1973، وأوضحت ضرورة الإستمرار في إجراء التحريات في موقع أسس السد لكونها معقدة. وقد أوضحت شركة تكنوبروم إكسبورت السوفيتية إن موقع الأسس معقد لوجود صخور قابلة للذوبان يتطلب إجراء تحريات واسعة للموقع قبل إنشاء السد، كما إنه يتطلب إتخاذ إجراءآت كثيرة لتحشية موقع الأسس بعد إنشائه.
وقد اوضح مجلس الخبراء العالمي وجهة نظره حول جميع الإجراءات والتحريات السابقة وذلك عام 1974، ويظهر إن موضوع أساس سد الموصل كان من الأمور المهمة التي تطلب زيادة إجراء التحريات الموقعية له ومعالجة أسس السد.
وعندها قامت وزارة الري ومديرية السدود والخزانات العامة بتوجيه دعوة لإنشاء سد الموصل في 11/5/1974 إلى شركة هوكتيف وشركائه الألمانية وفي حزيران 1974 قام ممثلون من الشركة بزيارة لموقع السد وبعدها قدمت الشركة عرضاً متكاملاً في أيلول من عام 1974. وخلال المدة من 1974 وحتى 1978 إستمرت أعمال التحريات الموقعية للسد.
وفي العام 1978 دُعيت عدة شركات عالمية منتخبة لإعداد الدراسات والتحريات والتصاميم النهائية لموقع السد وبعد دراسة العروض المقدمة تم إختيار الإستشاريين إتحاد السويسريين في 17/6/1978 وتم توقيع العقد معهم لتقديم الخدمات الإستشارية لمشروع سد الموصل.
قدمت الشركة الإستشارية تقريراً عن السد وتم إختيار عدد من الشركات العالمية لتنفيذ المشروع وبعد دراسة العروض تم التعاقد مع شركة المانية-إيطالية بإسم جيمود في 1/1/1980 للقيام بالأعمال المدنية والحديدية (مقاولة 10) في حين أحيلت أعمال المحطة الكهرومائية والأعمال الميكانيكية للسد الرئيسي إلى الشركة اليابانية توشيبا (مقاولة 11) وأن تكون طاقة المحطة (750 ميكاواط).
وبعد إنجاز الأعمال التمهيدية لموقع المشروع بوشر بالعمل بالمشروع على مدى خمس سنوات ونصف خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية إبتداء من 25/1/1981 ولغاية 24/7/1986 موعد الإنجاز الفعلي والتشغيلي للسد. وقام الإستشاريون "إتحاد السويسريين" بإعداد التقارير الفنية وكذلك الإشراف العام على تنفيذ الأعمال في مشروع سد الموصل.
لقد أدرجنا النبذة التأريخية آنفة الذكر لنؤكد حقيقة واضحة وهي إن عملية التأجيل المستمر لتنفيذ سد الموصل كان سيد الموقف منذ عام 1953 حتى عام 1978 حين تم إتخاذ القرار بالشروع في عملية إعداد التصاميم لتنفيذ المشروع رغم كل التحذيرات والتخوفات السابقة حول خطورة تنفيذ المشروع في هذا المكان، وكان سبب التأجيل في كل مرة هو وجود طبقات من الصخور الجبسية والجيرية في موقع أساس السد والتي لها القابلية العالية على الذوبان والتي تحوي بنفس الوقت كهوفاً كبيرة وعديدة مما جعل من إنشاء السد أمراً صعباً، لذا كانت توصية مجموعة الشركات السويسرية عند تقديمها الدراسات حول إنشاء سد الموصل هي ضرورة الإستمرار بعمليات تقوية وتحشية أسس السد بشكل منظم ومستمر.
ويبدو واضحاً إن التصميم الأساسي قد تجاهل بناء قاعدة كونكريتية تحت جسم السد لتلافي مشكلة ضعف الطبقات الجيولوجية الهشة تحت جسم السد والذي سيساعد أيضاً في زيادة مقاومة السد للزلازل حيث إن موقع السد يقع ضمن الحزام الزلزالي.
وقد أجرت الشركات الإستشارية الدراسات النظرية حول السينايوهات المتوقعة في حالة إنهيار السد، وتبين من خلال هذه الدراسات إن معظم مدينة الموصل ستغمر بالمياه في حالة إنهيار السد، حيث سيبلغ إرتفاع موجة المياه (30 م)، وذلك لأن التصريف المتوقع سيكون بحدود (4,100 م3 / ثا)، وستصل هذه الموجة إلى مدينة الموصل بعد (7 ساعات) من إنهيار السد، وستستمر هذه الموجة بالإتجاه جنوباً لتصل إلى مدينة تكريت بعد (28 ساعة)، وسيكون تصريف نهر دجلة عند مدينة تكريت بحدود (1,800 م3 / ثا)، أي تقريباً أقل من نصف ما كانت عليه في الموصل وسيكون إرتفاع المياه بحدود (22 م)، وذلك لأن قسماً من المياه سيغمر المناطق الواقعة بين الموصل وتكريت. وتدل نفس الدراسة على إن موجة المياه الحاصلة من إنهيار السد ستستمر بعد مدينة تكريت لتصل إلى مدينة بغداد بعد (64 ساعة)، وسيكون تصريف مياه دجلة في هذه الحالة عند بغداد بحدود (4,000 م3 / ثا) إلاّ إن إرتفاع موجة المياه سيكون بحدود (16 م).
وبعد أن تشكلت بحيرة سد الموصل بطول (45 كم) وعرض (1-14 كم)، ونتيجة لضغط وحركة المياه المخزنة في بحيرة السد تسارعت مشكلة ذوبان الصخور الجبسية والجيرية مما أدى لضعف مقاومة التربة لحمولات السد الوزنية العالية والتي أدت إلى زيادة في حجم الهبوطات المتباينة في مواقع تخلل التربة فزادت إجهادات القص والقوى المختلفة الأخرى على جسم السد مما أدى لحصول إنهيارات أرضية وتشققات في التربة وحفر وكهوف جديدة وخصوصاً في الجانب الأيمن لجسم السد. وكان لا بد من معالجة الأمر من خلال تكثيف برنامج تحشية تلك الفجوات عبر ضخ آلاف الأطنان من الإسمنت وعلى مدى (24 ساعة) يومياً لتلافي إنهيار السد ولم تتوقف أعمال التحشية في موقع السد رغم كل الظروف التي مرت بها البلاد (عدا بعض الفترات في التسعينات بسبب الحصار الإقتصادي على العراق).
ولم تحقق كل أعمال التحشية السابقة النتائج المرجوة منها سوى إيقاف تداعي السد وتأخير إنهياره ولكنها أدت بنفس الوقت إلى زيادة نفقات الصيانة وبالتالي إنخفاض العمر الأفتراضي للسد والمقدّر بـ(80 سنة). بينما تقتضي المعالجة الحقيقية تنفيذ حل جذري ودائمي للمشكلة يتمثل بإنشاء جدار كونكريتي حاجز يخترق هذه الأسس والتكوينات الضعيفة ليكون حاجزاً يمنع حركة المياه التي تسبب ذوبان الطبقات الجبسية والإنهايدراتية وبكلفة إجمالية قدرت بحدود مليار دولار، لكن المسؤولين العراقيين رفضوا المشروع مجادلين بأنه مكلف جداً وغير ضروري.
كما إن من الحلول المطروحة الأخرى هو إستئناف العمل بمشروع سد بادوش على نهر دجلة والذي يبعد مسافة (16 كم) شمال غرب مدينة الموصل. وسد بادوش هو سد متعدد الأغراض لكن مهمته الأساسية هي حماية مدينة الموصل من الفيضان الإستثنائي عند إنهيار سد الموصل من خلال تخفيض الضغط المائي عليه.
وقد بدأ العمل في سد بادوش عام 1987 كسد صد بموجب التصميم الأصلي وإستمر حتى عام 1991 وخلال تلك الفترة تم إكمال كافة أعمال الحفريات بضمنها حفريات الجزء الخرساني وأنجز ما نسبته (47%) من السد بكامله بما في ذلك الجدار الساند والأعمال الترابية .
وبموجب توجيهات وزارة الموارد المائية تم صرف النظر عن موضوع سد الصد فقد تم التعاقد مع شركة الكونكورد انركوبروجكت لتطوير تصميم السد لغاية منسوب (260 م) كسد لتوليد الطاقة الكهربائية مع الأخذ بنظر الإعتبار إمكانية إكمال بنائه إلى منسوب (312 م). وتمت المعاودة بأعمال سحب المياه الجوفية من موقع حوض منشآت سد بادوش في شهر نيسان من عام 2008.
في عام 2007 دُقت نواقيس الخطر من جديد من إحتمالية إنهيار سد الموصل عندما قدم سلاح الهندسة التابع للجيش الأميركي في إطار تحليله لأعمال تدعيم السد تقريراً يؤيد المخاوف السابقة من الإنهيار، وأُرفق التقرير برسالة تعود إلى تأريخ 3/3/2007 موجهة إلى رئيس مجلس الوزراء السابق نوري المالكي وموقعة من قبل السفير الأميركي في بغداد رايان كروكر وقائد القوات الأميركية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، حذرا فيها من خطر حصول كارثة كبيرة في حال إنهيار السد.
وجاء في التقرير الأميركي "من ناحية التآكل الداخلي المحتمل للأسس التي يقوم عليها السد، فإن سد الموصل هو الأخطر في العالم. إذا تعرض لمشكلة صغيرة، فإن إنهياره ممكن". ولكن الملفت للنظر إنه وبرغم هذه التحذيرات من قبل أعلى مؤسستين أمريكيتين في العراق، فشلت دائرة المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة الإعمار في العراق في إسناد أسس ودعائم سد الموصل لأسباب ثلاثة أولها خطورة المنطقة أمنيا ًوعدم الأهلية والإدارة الفاشلة للمعنيين على إدارة السد ثانيا ًوالفساد المالي الكبير في عدد من العقود المنفذة ثالثاً. كما إن دائرة التفتش العام الأميركي إكتشفت إخفاقات وخروقات عديدة في عدد من المقاولات التي مُنحت لأعمال صيانة وترميم السد، ومن بين هذه الخروقات أعمال تشييد رديئة وإستيراد أدوات إحتياطية غير ملائمة فضلاً عن عدم إكمال بعض جوانب ومراحل المشروع برغم إستلام المقاولين لإجورهم كاملة، وقد راجعت هذه الدائرة عقوداً بقيمة (27 مليون دولار)، فيما تؤكد السفارة الامريكية بأن النفقات تكلفت (34 مليون دولار).
كما نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في عام 2007 تقريراً أثار جدلاً سياسياً وفنياً واسعاً داخل العراق، وقالت الصحيفة إن سد الموصل يتعرض لخطر حقيقي بإنهيار وشيك ما قد يطلق (4 مليارات م3) من الماء دفعة واحدة، وقد يؤدي ذلك إلى مقتل (500,000) مدني بسبب غمر مدينة الموصل بحوالي (20 م) من الماء وأجزاء من بغداد بحوالي (4-5 م).
ولكن بعض المسؤولين العراقيين، وكالعادة، هوّنوا وقللوا من شأن هذا الخطر بإعتبار إن عملية التحشية بخلطة من الإسمنت ومادة النبتونايت (التي تستورد من تركيا) هي أساساً كانت من ضمن تصميمه منذ البدء في إنشائه وحتى بعد إكتمال السد وبشكل مستمر بدليل وجود نفق صمم داخل السد لعمليات التحشية من خلال إستخدام حفارات خاصة وماكنات دفع المزيج الموجودة داخل النفق والتي يبلغ عددها (12) ماكنة تحشية إضافة إلى (12) ماكنة أخرى موجودة في المناطق المكشوفة خارج النفق.
وكان من بين المسؤولين الذين قلّلوا من أهمية التحذيرات المتجددة من إنهيار السد هو السيد أثيل النجيفي محافظ نينوى والذي عقد مؤتمراً صحفياً في 26/6/2012 مع السيد عماد عبد الجبار مدير الموارد المائية في المحافظة والسيد عبد الخالق ذنون الدبّاغ مدير سد الموصل، حيث أكد سيادة المحافظ على إن هذه الأنباء ما هي إلاّ "إشاعات مغرضة لإرباك الوضع في محافظة نينوى، قد يكون وراءها دوافع أخرى بالتأكيد هي غير الدوافع الفنية". ولكني أود أن أُلفت عناية القارئ الكريم إلى إن هذا المحافظ هو نفسه الذي قلّل ومن على شاشات التلفاز من اهمية الأنباء حول تزايد خطر الدواعش في محافظته قبل إحتلالهم مدينة الموصل وإستباحتهم دماء وأعراض وممتلكات العراقيين.
وكما يعلم الجميع فإن مدينة الموصل قد أُحتلت منذ 10/6/2014 من قبل العصابات الإرهابية التابعة للدولة الإسلامية والتي إحتلت سد الموصل أيضاً بعد إنسحاب قوات البيشمركة منه دون قتال في 7/8/2014 قبل أن يتم طردهم من قبل قوات البيشمركة بالتعاون مع طيران التحالف الدولي بعد عشرة أيام مما حوّل موقع السد إلى ساحة معركة وتعرض جسم السد لإهتزازات قوية. وهذا أدى إلى توقف عملية صيانته والتي تحتاج إجراء عملية التحشية بشكل مستمر وعلى مدى (24 ساعة) يومياً لتدعيمه وضمان عدم إنهياره.
كما إن الوضع الأمني في محافظة نينوى في الوقت الحالي وخصوصاً خارج مدينة الموصل ما زال حرجاً ويشهد الكثير من العمليات الإرهابية والتي حددت وبشكل كبير من حركة الكوادر الفنية والهندسية العاملة في سد الموصل للقيام بواجباتها كما ينبغي إضافة لصعوبة وصول المواد المستخدمة في عمليات الصيانة، الأمر الذي يوجب على الحكومة العراقية إرسال وتوفير قوات عسكرية كبيرة ودائمة فيه مع مراقبة جوية لضمان أمن المنطقة خوفاً من إحتمالية تكرار الهجوم على موقع السد من قبل عصابات الدولة الإسلامية.
وهذا الوضع الأمني الحرج وما يسببه من تعويق للعمليات الفنية والهندسية هو منبع تخوفنا المتجدد في الوقت الحاضر من إحتمالية عدم تحمل أسس السد لضغط المياه المخزنة فيه بسبب قلة أعمال الصيانة مما يؤدي إلى إنهياره خصوصاً مع إحتمالية تزايد التدفقات المائية في نهر دجلة نتيجة الأمطار الغزيرة المتوقعة في فصل الشتاء وذوبان الثلوج في فصل الربيع.
إن سد الموصل يعتبر كارثة موقوتة بمعنى الكلمة ولا بد من التعامل مع هذه الكارثة بجدية عالية وقبل فوات الآوان لإنقاذ السد من الإنهيار. ذلك الإنهيار الذي سيتسبب في قتل وتهجير مئات الألآف من العراقيين الأبرياء على طول مجرى النهر، لأن الكارثة لن تقتصر على مدينة الموصل وحسب، بل إن مياه الفيضان ستجتاح السهل الزراعي الممتد من بداية السد وصولاً إلى بغداد ومروراً بعشرات المدن والقرى من أبرزها البيجي وتكريت وسامراء وبلد والضلوعية والطارمية والراشدية مكتسحاً آلاف الهكتارات من المناطق الزراعية التي تنتشر فيها مزارع الحمضيات والفواكه والنخيل. وهذا يستلزم تهيئة خطة طوارئ إحترازية لإنقاذ السكان المتضررين وبالتنسيق مع قوات الجيش والدفاع المدني وجمعية الهلال الأحمر لإخلاء هؤلاء السكان إلى مواقع بديلة.
إن الواجب يحتم على الحكومة العراقية التعامل مع الموضوع بكل جدية لدرء الخطر تحسباً لأي مكروه، ومتابعة حالة السد يومياً وضمان وصول ومرابطة الكوادر الفنية والهندسية في موقع السد وكذلك إيصال المواد الإحتياطية والإنشائية إلى موقع السد للإستمرار في عملية التحشية بالإسمنت بأي ثمن كان، لأن إهمال هذا الخطر له تداعيات كبيرة لا تحمد عقباها. كما على الحكومة العراقية أن تطلب من المجتمع الدولي مد يد العون لها فنياً وعسكرياً من أجل إيقاف الكارثة والعمل على التخفيف من مخاطرها.
وأخيراً يبقى لدينا أمل في أن يلتفت المسؤولون في الحكومة العراقية إلى المخاطر الحقيقية التي يتعرض لها هذا السد العملاق والكارثة المحتملة جراء إنهياره المتوقع في أي وقت والتعامل مع هذا التهديد كأولوية قصوى حتى قبل عملية تحرير نينوى من أيدي العصابات الإرهابية للدولة الإسلامية بإعتباره تهديداً كبيراً للأمن الوطني لا يحتمل التأجيل أو المساومة.
ــــــــــــــــــــــــــ
* باحث نفطي يعمل في وزارة النفط العراقية